بعد سلسلة متكررة من «الشطحات» اللبنانية، قرّرت موسكو على ما يبدو اعتماد مقاربة جديدة في التعامل مع «الأصدقاء» اللبنانيين، منهيةً «فترة السماح» لصالح مبدأ التعامل بالمثل، بما يشير إلى الانزعاج الروسي من الأداء اللبناني. وفيما تنفي مصادر مقربة من موسكو أن تكون الأخيرة في وارد «تأديب الدولة اللبنانية أو فرض وصاية قرار عليها»، مؤكدة أن «روسيا لا تعتمد هذه الأساليب»، لكنها تقرّ بأنها «تُعيد تنظيم سياستها مع الدول وفقاً لمصالحها».لسنوات طويلة تجاوز الروس «الفاولات» اللبنانية تفهّماً منهم للحساسية اللبنانية تجاه الضغوط الأميركية... من رفض «صفقة الميغ» عام 2008، مروراً بالوعد الذي قطعه الرئيس سعد الحريري عام 2018 وتراجع عنه بإقرار «اتفاقية التعاون العسكري التقني»، وليس انتهاء ببيان الخارجية الشهير الذي أدان «الاجتياح الروسي لأوكرانيا» مع اندلاع الحرب بين البلدين. لذلك، يبدو أن مبدأ التعامل مع لبنان «على القطعة» هو ما سيسود في المرحلة المقبلة، بدءاً من الأداء الروسي - الصيني في مسألة التجديد لقوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان عاماً إضافياً. صحيح أن عدم الاعتراض الروسي على إدخال تعديلات على مهمات هذه القوات ارتبط بخلل وتقصير لبناني في التنسيق مع الدول الأعضاء تُسأل عنه مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة، غير أنه، وللمرة الأولى، مارست روسيا نوعاً من «الاجتهاد» الذي لا يخدم المصالح اللبنانية، في ما يشبه رسالة بأن «عصر المراعاة قد ولى»، وأن التعامل مع أي موقف لبناني رسمي سيعتمد على ما يناسب موسكو.
معلومات عن موافقة موسكو على تزويد لبنان كميات من الفيول لإنتاج الكهرباء


رغم ذلك، تؤكد المصادر أن روسيا لا تتعامل مع الشأن اللبناني «دوغما»، وتفصل بين الشق السياسي والشق الإنساني. لذلك، فإن كل ما يتعلق بالأعمال الإغاثية وتقديم المساعدات للشعب اللبناني، ومسألة إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم وما شاكل، «قضايا تتعاطى معها موسكو بكثيرٍ من الاهتمام بمعزل عن أي تأثير سياسي». وتشير إلى أن الحكومة الروسية أصدرت، أخيراً، موافقة مبدئية على «هبة» حبوب بناء على طلب تقدم به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في أيار الماضي، ويتولى متابعة هذا الملف بين بيروت وموسكو السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر رودوكوف واللبناني في موسكو شوقي بو نصار. المعلومات تؤكد أن الهبة تتضمن تأمين أطنان من مادة القمح لزوم إنتاج الطحين، تُصرف شهرياً، حتى نهاية العام الجاري وقابلة للتجديد. وقد أضيفت إليها أخيراً كميات إضافية من الحبوب من المفترض أن يحوّل قسم منها إلى الجيش اللبناني، أما بدء التنفيذ فمرهون بمسائل تفصيلية على صلة بـ «البيروقراطية الروسية» وسرعة المتابعة اللبنانية والاتفاق على الكميات والآليات، مع مراعاة بعض التدابير والتعقيدات الناشئة عن الأزمة الأوكرانية. الشق الأكثر أهمية ارتبط بالحديث عن موافقة موسكو على تزويد لبنان كميات من المشتقات النفطية (المحروقات). وفيما أبلغت مصادر في موسكو «الأخبار» بأن الموضوع قيد المتابعة ولم يجرِ لغايته تحديد ماهية المشتقات وكمياتها، كشفت مصادر في بيروت، بأن «موسكو في صدد تزويد لبنان بكميات من الفيول لزوم إنتاج الكهرباء» من دون معرفة ما إذا كانت وزارة الطاقة قد تبلغت رسمياً بفحوى «الهبة الروسية» أم لا.