في كل مرة يعود فيها «الوسيط» الأميركي في ملف الترسيم البحري، عاموس هوكشتين، يحاول إشاعة أجواء من التفاؤل. لكنه، فعلياً، يعمل على انتزاع تنازل تلو آخر لمصلحة العدو. في زيارته الأخيرة، يوم الجمعة الماضي، حمل عرضاً مفخخاً، تزامن مع أنباء أشاعتها مرجعيات رسمية حول إنجاز 95% من الاتفاق البحري. التدقيق في ما طرحه هوكشتين من تثبيت «الخط الأزرق البحري»، أي «خط الطفافات» القائم في البحر قبالة ساحلَي لبنان وفلسطين المحتلة، يبيّن مدى خطورة الاقتراح الجديد الذي يعني، ضمناً، رسم خط جديد على أساس الخط 23 مع «تطعيمه» بـ«خط الطفافات». عملياً، يقضم هذا الاقتراح مساحة تبلغ بين 2.5 و3 كلم مربع من المياه اللبنانية. إذ يبدأ هذا الخط من النقطة 31 (التي ينطلق منها الخط 1 الإسرائيلي) ويمتد نحو 6 كلم تقريباً، قبل أن ينحني باتجاه الجنوب نحو الخط 23 ليستقيم حتى آخر نقطة منه. هذا التغيير الذي يبرّره العدو بالحاجات الأمنية الحساسة، يهدف إلى إدخال تغييرات هندسية على كل من نقطة رأس الناقورة المهمة ونقطة B1 التي تُعدّ النقطة ما قبل الأخيرة وذات التأثير المهم في الترسيم البري. ومن جهة أخرى، يسعى الاقتراح إلى إنتاج اتفاق حل نهائي قبل أواخر أيلول الجاري، لتحرير العدو من أعباء الضغوط التي تمارسها المقاومة، وإتاحة الفرصة أمامه للبدء في الاستخراج من حقل كاريش، وفقاً لما هو مخطط له، وبالتالي نزع الذريعة من جانب المقاومة التي سبق لها أن هددت بمنعه من الاستخراج في حال عدم التوصل إلى حلول تتيح للبنان بدء أعمال الاستكشاف والتنقيب في البلوكات البحرية اللبنانية.
يحذّر معنيون بالملف من وجود فخاخ في طرح هوكشتين، أبرزها اثنان:
الأول، يتمثل بمطالبته لبنان بالموافقة على إحداثيات «الطفافات» (تسلّم لبنان رسمياً أول من أمس خريطة لما يعرف بالخط الأزرق البحري). و«خط الطفافات» الذي يعود العمل به إلى ما بعد تحرير 2000 ويعترض لبنان على وجوده، يمثل عملياً حدود الخط الرقم 1 الإسرائيلي. إذ إن الطفافة الأولى تقع على بعد مئات الأمتار عن شاطئ الناقورة، ويمتد الشريط الذي يضم 9 طفافات نحو 6 كلم في البحر. وعلمت «الأخبار» أن لبنان تسلّم إحداثيات 6 طفافات فقط أُحيلت إلى قيادة الجيش لدراستها.
تقنياً، ادعى هوكشتين أن مطلبه يهدف إلى توفير مساحة أمنية يُطالب بها الاحتلال بذريعة حماية «مصالحه السياحية، كون النقطة المشار إليها تتيح الكشف على منطقة واسعة من الساحل الشمالي». وقال إن هذا الطرح يجنّب الدخول بالحديث عن إشكالية نقطة رأس الناقورة ونقطة B1، وهي أمور غير مطروحة الآن. وقد جاراه في ذلك عدد من المسؤولين اللبنانيين. غير أن هذا الإجراء يستبطن خطورة كبيرة. فخطّ «الطفافات» يمثل بداية الخط الإسرائيلي. وفي حال موافقة الدولة على الإحداثيات كما وردت، سيعتبر العدو أنّ في حوزته وثيقة رسمية لبنانية يؤسس عليها لوضع اليد على النقاط المذكورة، وسيستخدمها لاحقاً من خلال مدّ خط هذه الإحداثيات شرقاً باتجاه الشاطئ لتثبيت نقطة أخرى لبداية الحدود البرية تقع شمال النقطة الفعلية لرأس الناقورة والمحددة بموجب اتفاقية بوليه - نيوكومب عام 1923، وبالتالي يثبت سيطرته على النفق السياحي المحتل (نفق قطار الناقورة)، وينقل نقطة B1 شمالاً، ما يتيح له إجراء تعديلات على كامل الحدود البرية. وهذا يمثل سابقة في التلاعب بهذه الحدود المرسمة عام 1923، والتي يحظر الدستور اللبناني في مادته الثانية التنازل عنها. محاولة العدو ليست الأولى من نوعها، فخلال المفاوضات السرية غير المباشرة في الناقورة والتي امتدت على مدى أكثر من 20 جلسة عام 2018، سعى إلى وضع اليد على نقطة B1 عبر إجراء تعديلات عليها. وحين أدرك عجزه أوقف المفاوضات. من ناحية أخرى، يتيح أي تعديل على نقطة رأس الناقورة أن ينقض العدو الآلية القانونية المعتمدة في ترسيم الخط 29 ربطاً بخشيته الدائمة من احتمال عودة أي سلطة لبنانية مستقبلية للمطالبة به.
عملياً يقضم اقتراح الخط الأزرق البحري بين 2.5 و3 كلم مربع من المياه اللبنانية


الفخ الثاني يتمثل بتعويض شركة «توتال» العدو الإسرائيلي عن «حصته» في «حقل قانا» المحتمل. وفيما يسوّق هوكشتين بأن الحل لا يخص لبنان ولا يكلفه أي شيء، وأن التعويض يفترض أن يُدفع من سلّة الشركة، على أن تبادر إلى استرداده لاحقاً من عائدات النفط والغاز المستخرج من «قانا». إلا أن الأخطر هو في ترك موضوع القرار في «حقل قانا» محصوراً بين «توتال» وتل أبيب من دون وجود رقابة لبنانية. كما أن «الوسيط» لم يقدم ضمانات حيال الاستخراج ما بعد الاستكشاف، تاركاً ذلك رهن التوافق بين الشركة والعدو، علماً بأن تل أبيب لا يمكن ضمان خياراتها حيال السماح بالإنتاج، ربطاً بحالة حقل «أفروديت» المشترك بينها وبين قبرص (تمتلك 7% من حصته) والتي تعرقل الاستخراج منه منذ عام 2013 بذريعة عدم الاتفاق على النسب.
بسهولة يُمكن مواجهة النيات الإسرائيلية الحقيقية، من خلال طرح فرضية القبول بـ«خط الطفافات» شرط ربطه بنقطة «رأس الناقورة» المحددة بموجب اتفاقية بوليه - نيوكومب والتي تشكل في القانون الدولي انطلاقاً للحدود البرية شرقاً والحدود البحرية غرباً.