«ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» الزواج هو ارتباط إرادتين بمشيئتهما المنفردة يتمثلان بالمرأة والرجل لتكوين أسرة. والعقد هو شريعة المتعاقدين، وهو اتفاق يتم بالرضى المتبادل بين طرفي العقد ملزم لأطرافه وتترتب على الإخلال بأحد بنوده التزامات قانونية.
من هذا التعريف يتبيّن لنا ان عقد الزواج في الاسلام هو عقد مدني تترتب عليه كافة مفاعيل العقود المدنية، ولا يشترط لانعقاد العقد وجود رجل دين أو أي طقوس دينية أخرى، وذلك ينطبق على المذهبين السني والشيعي.
ريما وخليل شابان مسلمان قررا الزواج بعد علاقة حب وخطوبة لمدة سنتين. قصدا رجل دين «كتب كتابهما» على ورقة بيضاء دوَن فيها: انه أجرى عقد زواج المذكورين اعلاه وهما بالغان عاقلان والزوجة مطلقة، وتبادل الطرفان الايجاب والقبول الشرعيين على صداق (المهر) مقداره: معجل (مقدم) عشرة آلاف دولار ومؤجله (مؤخر) عشرة آلاف دولار.


وقع كل من الشيخ والزوجين الورقة وسلمها لهما بعدما استلم أتعابه من دون أي تفاصيل أخرى.
إعتبر ريما وخليل ان زواجهما شرعي وقانوني وأنجبا طفلة أصبح عمرها ثمانية أشهر. دبّت الخلافات بينهما وبدأت تتفاقم فقررت ريما طلب الطلاق من زوجها وبدأ مسار عذابها مع المحامين والمحاكم.
هذا النموذج من الشباب موجود بكثرة في مجتمعنا، وقد اوقع نفسه في العديد من الاشكالات القانونية لجهله بحقوقه وواجباته اولاً، ولعدم وجود قانون احوال شخصية ينظم هذه العلاقات، ولغياب دور التفتيش الشرعي الذي يمنع إنعقاد أي عقد خارج نظام المحكمة.

لا يكفي ان يكون الزواج شرعياً
الزواج الذي يعقد خارج المحكمة هو زواج شرعي، لكنه غير قانوني ولا تنتج عنه أي مفاعيل قانونية من دون تسجيله أصولا امام المحكمة الشرعية التي تتبع مذهب الزوج او مذهب الزوجة (في حال وجود إختلاف في المذهب)، وذلك باتفاق الطرفين سواء كانت سنية أو جعفرية لتسجيله لاحقاً امام دائرة النفوس.
عدم تسجيل الزواج أصولاً يقف عائقاً أمام تسجيل ولادة الطفلة في حالة ريما وخليل بشكل قانوني، حيث يصبح لزاماً على الاهل بعد مرور عام على ولادتها رفع دعوى أمام محكمة الاحوال الشخصية للتمكن من تسجيلها في قيود سجلات النفوس.
أركان عقد الزواج الشرعي متحققة في هذا الزواج من حيث توفر الايجاب والقبول والولي (المطلقة ليست بحاجة لولي في زواجها، وهو شرط عندما تكون الزوجة بكراً، أي غير متزوجة سابقاً، وولي الامر قد يكون الأخ الاصغر من الزوجة بغياب الاب مهما كان عمرها او مستواها الاجتماعي او العلمي فهي لا تستطيع تزويج نفسها من دون ولي أمرها) والمهر والاشهار (الشهود: شرط امام المحاكم السنية في الزواج ولا يشترط وجود شهود في الطلاق. أما امام المحاكم الجعفرية فشرط وجود الشهود ينطبق على الطلاق فقط وليس شرطا للزواج).
تحقق هذه الشروط الشرعية في العقد ليس كافياً لحماية الغاية من هذا الزواج (مؤسسة العائلة) ولحماية طرفي العقد، وبشكل خاص المرأة التي ما زالت تدفع الثمن الاكبر في حال حصول أي خلاف، وتصبح الحماية القانونية هي الاساس لتثبيت الحماية الشرعية.
مسار التقاضي امام المحكمة الشرعية في حال حصول خلاف بين الزوجين تحكمه شروط العقد وكل كلمة فيه. فعلى سبيل المثال، أمام المحاكم الشرعية السنية لا يحق للزوج رفع دعوى الاطاعة على الزوجة إن لم يكن معجل مهرها (المقدم) واصلاً ومذكوراً صراحة في العقد أنه واصل أو أنه يملك ما يثبت ذلك وعدم ذكر هذه العبارة نتيجته رد الدعوى شكلا.
وأمام المحاكم الجعفرية لا يمكن للزوجة طلب طلاقها إن لم يكن مذكوراً صراحة في العقد أن الزوج منحها هذا الحق في تطليق نفسها في صلب العقد.
من خلال هذه الامثلة يتبين لنا أن مضمون عقد الزواج ليس أمرا شكلياً وليس مجرد تدوين لرغبة الطرفين في الزواج، إنما هو عقد يجب أن تدوّن فيه بنود تلحظ كافة المسائل التي يتطلبها مشروع تأسيس الاسرة. وعلى الطرفين تحمل كافة المسؤوليات كأي عقد اتفاق بأرباحه وخسارته، وقد أعطى الاسلام هذا الحق للمرأة والرجل على حد سواء.
وفي إمكان الزوجين وضع كافة البنود التي يرغبان بأن تحكم علاقتهما الزوجية في عقد الزواج ما دامت لا تخالف شرع الله، وهنا بيت القصيد. فكل رجل دين يفسر الاحكام الشرعية وفقاً لنظرته وأسلوب تفكيره، وفي غياب النص التشريعي الموحد، قد تؤخذ الآيات على غير مقصدها. وسنأخذ على سبيل المثال الآية التي تتكلم عن تعدد الزوجات.
جاء في سورة النساء الآية رقم 2:
«إن خِفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعدلوا».
هذا النص القرآني تكلم عن تعدد الزوجات. إلا أن هذا التعدد لم يأت بشكل عام ومن دون تحديد. فقد ربط تعدد الزوجات بإعالة اليتامى (ألا تُقسطوا في اليتامى). وذلك كون هذا النص جاء نتيجة حالة كانت سائدة حينها وهي كثرة الحروب والغزوات التي خلّفت الكثير من الأرامل واليتامى. وبما أن الرجل في ذلك الزمن هو المعيل الوحيد للأسرة، ولكي لا يشرد أبناء المسلمي،ن سمح الله بتعدد الزوجات من أجل أن لا يبقى يتيم من دون معيل، وهذا يعني أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أرملة وعندها أطفال يتامى.
إلا أن الفهم الضيق لهذه الآية يجعل معظم رجال الدين يفسرونها على أنها تبيح تعدد الزوجات لأي سبب، وقد يكون من دون سبب لمجرد الرغبة الجنسية عند الرجل أو لأسباب تتمحور حول راحة الرجل وتلبية كل نزواته.
وحق تعدد الزوجات مرتبط بالرجل فقط، أي لا رأي للزوجة الأولى فيه. وإن كان من حقها أن تشترط في عقد الزواج أن لا يتزوج زوجها عليها، فإن هذا الشرط لا يتعدى كونه شرطاً يلزم الزوج بإخبار زوجته أنه يريد الزواج من دون أن يكون لرفضها أو اعتراضها أي نتائج سوى أن يصبح لها الحق في أن تطلب الطلاق.
وتعدد الزوجات يترك الكثير من الأذى المادي والمعنوي على المرأة خصوصاً مع وجود الأطفال سواء طلقت الزوجة الأولى أو استمرت مع زوجها.
كما أنه غالباً ما يكون تعدد الزوجات من أجل الإنجاب، لأن المجتمع حصر حق الإنجاب بالزوج فقط، فأباح له الدين أن يتزوج لكي ينجب، والمجتمع يتقبل هذه الحالات، ولكنه في المقابل يرفضها إن طلبت المرأة المتزوجة من رجل لا ينجب الطلاق لتتمكن من الزواج مرة أخرى من أجل الانجاب. وقد توصف بأنها جاحدة وناكرة للعشرة إضافة الى معاناة المرأة المطلقة على أكثر من صعيد.
بعض الدول وضعت قوانين منعت بموجبها تعدد الزوجات، منها تونس حيث يحبس الزوج ويغرّم إن تزوج مرة ثانية. أما جمهورية مصر العربية فأعطت مهلة 5 أيام لتبلغ الزوجة الأولى بالزواج الثاني وأعطاها مهلة سنة لتتقدم باعتراض وطلب تطليقها، وإن كان اعتراضها لا يلغي الزواج بل يسمح لها بطلب الطلاق.
هذا المثال عن تعدد الزواجات طرحناه كمثال لنوضح كيف يفسر النص الشرعي وفقا لكل قارئ أو وفقا لكل رجل دين، وليس وفقا لحاجات المجتمع. هذا التعدد في الآراء والفهم للنصوص الشرعية هو سبب مباشر لضرورة الوصول الى تشريع قانوني موحد يجعل من المواطنين التابعين على الاقل لطائفة واحدة متساوين وتحكمهم القوانين والضوابط الشرعية نفسها.

الزواج الكنسي
الزواج امام المحاكم الروحية أكثر تشددا لحصره بالكنيسة وحدها. فالزواج لدى الطائفة المسيحية هو رباط أبدي سنداً للتشريعات الصادرة عن الكرسي الرسولي. «الزواج سر كنسي وما جمعه الله لا يفرقه إلا الموت». والمرأة المسيحية لا تتزوج من دون أن تقدم للزوج بائنة أو الدوطا، وهي عبارة عن مال قد يكون نقداً أو عيناً، ويعود للرجل حق إدارة هذا المال.
هذا الامر يترجم عمليا في وقت الراهن بتجهيز العروس لنفسها بشكل كامل الامر الذي يشكل أعباء مالية كبيرة على العائلات الفقيرة، فنشهد حالات عديدة لشبان مسيحيين يتزوجون «خطيفة» لتوفير تكاليف الزواج الباهظة امام الكنيسة.
بالامكان المقارنة بين صيغة عقد الزواج الشرعي وعقد الزواج المدني بعيدا عن شيطنة أي منهما


والمرأة المسيحية في شروط الزواج الكنسي تضطر غالبا لتحمل كل مساوئ الزوج وحياتها الزوجية التعيسة لأن ليس بإمكانها وضع حد لمعاناتها الا بالهجر (خاصة لدى الطائفة المارونية) حيث يقيم الزوج في مكان والزوجة في مكان بقرار من المحكمة الروحية، من دون أي إمكانية لحل نهائي، أو أي إمكانية لمعاودة بناء حياة جديدة، الامر الذي يضاعف المشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري. ومؤخرا أصبحت المحاكم الروحية أكثر مرونة في بعض الحالات وقد يتمكن الازواج من الطلاق، ولكن ما زالت التكاليف المالية مرتفعة جدا.
وليس خفياً على أحد كيف تطبق أحكام الشرائع في المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية وكيف تضيع الحقوق وتهدر في بعض الاحيان نتيجة سوء التطبيق وثقافة الفساد التي باتت سمة مجتمعية في العديد من الدوائر والمؤسسات.

وعي مدني قبل العقد المدني
بعد أن أوضحنا باختصار ماهية عقد الزواج الديني والقواعد التي تحكمه لدى الطوائف الاسلامية والمسيحية، أصبح بالامكان المقارنة بين صيغة عقد الزواج الشرعي وعقد الزواج المدني بعيدا عن شيطنة أي منهما، ومن دون إلغاء أي عقد على حساب العقد الآخر. ومن المهم جدا أن نعمل على خلق وعي مدني لمفهوم مؤسسة الزواج بغض النظر عن شكلها الديني أو المدني.

لنضع المجتمع على طريق الوعي المدني، من المهم الابتعاد عن أي أحكام مسبقة


فسواء كنا نتبع لجماعة دينية من حيث نظام الاحوال الشخصية أم لا، من حقنا كمواطنين وتطبيقاً لقواعد العدل والانصاف أن تنظم احوالنا الشخصية وفقا للقواعد التي يرعاها النظام العام. وهذا التنظيم لا يلغي الأديان ولا يعارضها وهو ما سنتحدث عنه في العدد القادم من «القوس»، من خلال طرح رؤية جمعية ألف باء القانون لأهمية تنظيم إتفاقيات الزواج والطلاق كخظوة أولى على طريق الوصول الى قانون موحد للاحوال الشخصية.
ولكي نضع المجتمع على طريق الوعي المدني، من المهم جدا تقديم كافة المسائل المطروحة حول الزواج وأشكاله وإشكالياته بقالب موضوعي علمي بعيد عن أي أحكام مسبقة وتحليلات لا علاقة لها لا بالقانون ولا بالواقع.

تعريف الزواج المدني
الزواج المدني هو زواج قانوني، يحدّد المشترع المدني صيغه وشروطه ومراحل انعقاده وانحلاله، ويعترف به وبالأسرة الناتجة عنه رسمياً.
وهو يتم في محكمة مدنية وأمام قاض مختص بالأحوال الشخصية بموجب قانون واضح شامل ينظم كامل الأحوال الشخصية الناتجة عن علاقة الزواج: الخطبة – عقد الزواج – المعاملات الرسمية – الحقوق والواجبات الزوجية – الطلاق – الهجر – التبني – الحضانة – الوصاية والولاية –
الإرث والتركات...
كما يحدد هذا القانون شروط الزواج وموانعه ومنها: الرضى المتبادل بين الطرفين – عدم وجود زواج سابق قائم – عدم وجود علاقة قربى بين الأصول والفروع والأخوة والأخوات أو مصاهرة دون الدرجة الرابعة أو أخوة بالرضاعة. وهو كأي قانون آخر ملزم بشروطه وتفاصيله كافة لمن يطبق عليهم.



كيف ضمن الدستور حق الاختيار

مقدمة الدستور
لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد
المادة 9
حرية الاعتقاد مطلقة


كما ضمنت المواثيق العالمية لحقوق الإنسان التي وقع عليها لبنان رسمياً الحق في حرية الاختيار.
ولا بد أن نذكر أنه جاء في قرار رسمي وقانوني صادر منذ عهد الانتداب الفرنسي (3/3/1936) تحت رقم 60 ل.ر والمكمل بالقرار 146 الصادر في 18 تشرين الثاني 1938 ما معناه: إن المواطنين ينتمون إما إلى الطوائف الدينية التاريخية (عددها حالياً 19) ويتبعون بالتالي في كل ما يتعلق بأحوالهم الشخصية أنظمة هذه الطوائف، وإما ينتمون إلى طائفة القانون العادي، أي طائفة مدنية غير دينية (لا دينيين) حيث أعطت المادة 10 من القرار 60 ل.ر الحق لمن لا ينتمي الى طائفة أن يتبع القانون المدني في أحواله الشخصية، كما اعطت المادة 77 منه الحق للبنانيين بالزواج المدني خارج لبنان.
في العام 2009 أصدر وزير الداخلية آنذاك زياد بارود قرارا أتاح للبناني شطب مذهبه عن سجلات النفوس تطبيقا لأحكام القرار 60 ل .ر كخطوة متقدمة نحو إلزام الدولة بتنظيم شوؤن مواطنيها غير الخاضعين لنظام الطوائف بحسب سجلات النفوس. هذه الخطوة دفعت آلاف المواطنين لشطب مذهبهم عن سجلات النفوس وأدت بالتالي الى إقدام العشرات على إبرام زواج مدني على الاراضي اللبنانية (إستنادا الى نص المادة 10 من القرار 60 ل.ر)، لكن كافة العقود المبرمة في لبنان لا تزال عالقة في أدراج وزارة الداخلية رغم قانونيتها لأسباب سياسية.
إذا، هذه الجماعة المدنية التي شطبت مذهبها عن سجلات النفوس وأعطاها القانون الحق بتنظيم شوؤنها لم يقرّ لها نص قانون مدني للأحوال الشخصية، ولا نظمت المحاكم الراعية له، لا بل عوقبت بسبب خيارها ومُنعت من تحصيل هذا الحق بتسجيله أصولا.


بين الزواج المدني الإلزامي والاختياري

زواج مدني إلزامي:
يعني زواجاً موحداً كونه يستند إلى قانون واحد يُساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ويعتمد في هذه الحالة ويعترف به رسمياً دون سواه كما في فرنسا وألمانيا والسويد وتركيا وتونس.
وقد تركت هذه الدول للزوجين، بعد إتمام الزواج المدني الموحد، الحرية في إجراء زواج ديني يحمل معنى روحياً فقط بالنسبة إليها، إذا أرادا ذلك.
كما أن دولاً مثل العراق والمغرب وسوريا ومصر وباكستان وضعت أمور الزواج والأحوال الشخصية بيد محاكم مدنية وقضاة مدنيين رغم من أنها احتفظت بقوانين دينية للأحوال الشخصية وبالتالي باتت معاملات الزواج ومفاعيله كافة تبت أمام قضاء مدني.

زواج مدني اختياري:
حين يستطيع المواطن الاختيار بين إجراء زواج مدني أو إجراء زواج ديني، يعترف رسمياً بالزواج الديني والزواج المدني.