عشية العودة إلى المدارس، تبدو التحديات كبيرة في مقابل غياب رؤية تربوية لدى وزارة التربية والسلطة السياسية لمواكبة الاستحقاق- لا نستطيع أن نقول إن الدولة غائبة. ففي أواخر ولاية المجلس النيابي السابق، عُقد لقاء في السراي الحكومي لأربعة أيام متتالية، ابتداءً من 7 شباط الماضي، وشارك فيه القطاعان الرسمي والخاص في التعليم ما قبل الجامعي، والجامعة اللبنانية، والتعليم المهني، وطرح الجميع مخاوفه وتحدياته. الهاجس الأساسي بالنسبة إلى الجامعة اللبنانية كان تمويلياً، وإلى اليوم لا نعرف لماذا لم يلحظ مجلس الوزراء "زودة حرزانة" لموازنتها. ومشكلة باقي القطاعات مالية أيضاً، ولكن ما حصل أنه مع استحقاق الانتخابات النيابية الأخير، فرط عقد كلّ شيء، إذ تفلّتت المدارس الخاصة من كلّ الضوابط، وسعّرت الأقساط "على ذوقها" من دون رقابة. وبعد التئام المجلس النيابي الجديد، كانت هناك محاولة لتمرير اقتراح قانون لتعليق العمل بالقانون 515 (قانون تنظيم الموازنة المدرسية ووضع أصول تحديد الأقساط)، ووقعنا في مصاب "الدولرة"، في ظلّ وزارة غائبة لا تدقّق في الموازنات، ومدارس تفعل ما تريد، ووجود من أعدّ لها من النواب هذا الاقتراح لتشريع عملها.

هل هناك خطر حقيقي على العام الدراسي الجديد، وهل يشمل هذا الخطر المدارس الرسمية والخاصة على السواء؟
- نعم، هناك خطر حقيقي أن لا يبدأ العام الدراسي في التعليم الرسمي، لكون روابط الأساتذة تصرّ على الاستمرار في الإضراب طالما لم يقبض الأساتذة مستحقاتهم السابقة وليس الزودة. أما في ما يخصّ القطاع الخاص، فسيكون هناك عام دراسي، ولكن بأيّ ثمن؟ وهل سيقوى الأهل على الدفع؟ وخصوصاً أن المدارس ترفض تطبيق القانون لجهة مراعاة قواعد احتساب الموازنة، والشراكة مع الأهل، والدولة عاجزة عن منعها من "دولرة" الأقساط، وهناك اقتراح قانون جديد أُعدّ في وزارة التربية لتشريع الصندوق المدرسي المستقلّ خارج الموازنة، بذريعة توفير النفقات التشغيلية ورواتب المعلمين. إذاً، المدارس الخاصة ستستمرّ، ولكن بكلفة مرتفعة، وإذ كنا نقرّ بحتمية الكلفة الإضافية بفعل الظروف، فإن ما نطلبه أن تكون واقعية ومنطقية وتكون فيها كلمة الفصل للأهل.

هل فعلاً مشكلة التعليم مالية أم تربوية؟ وهل هناك خطة لدى وزارة التربية لإطلاق عام دراسي طبيعي؟
- ليست هناك مشكلة تربوية لأن هناك خطة خمسية يُحكى عنها في وزارة التربية.

هل تعرف شيئاً عن هذه الخطة؟
-هي بالحد الأدنى موجودة، وهناك مسألة يجب أن تسير بالتوازي، وهي تطوير المناهج التي لا ينفكون ينظمون الاحتفالات لإطلاقها ولم تُطلق حتى الآن وهي حاجة أساسية، وهذه مشكلة أخرى، ولكن لنعتبر أنه يمكن تسيير عملية التعليم مع المناهج الحالية. فالمشكلة ليست تربوية، بل مالية أي كيف سندفع للأستاذ مستحقاته؟ وكيف سيقوى الأهل على دفع الأقساط؟ وعن أيّ قسط نتحدث مع صاحب المدرسة؟ وبأيّ تمويل نقنع إدارات المدارس؟ وهل ستقبل أن تكون واقعية ومتواضعة في السنوات العجاف أم أنها ستصرّ على الحفاظ على أرباحها السابقة؟ هي مشكلة أموال فحسب والتربية لا تقدر أن تنتظر.

هل فُتحت سقوف الأقساط ومات القانون 515؟
- لا لم يمت، لكن مثل كل شيء في هذه الدولة معلّق، وموضوع على الرف، وليست هناك مصلحة في تطبيقه. لسنا ضد أصحاب المدارس الخاصة، بل معنيون بهم، ونحن لدينا مدارس خاصة أيضاً، لكنّ قسماً من هذه المدارس لا يريد أصحابها القانون 515 بل القانون الذي يرونه مناسباً. وقد اقترحت عليهم في إحدى الجلسات أن يتحوّل القطاع التربوي إلى تجاري، وليسعّر أصحاب المدارس كما يريدون، ولكن في هذه الحالة، عليهم أن يدفعوا ضرائب كباقي الشركات التجارية. اما إذا كانوا متمسكين بالتعليم الذي لا يبغي الربح فلذلك فلسفة أخرى، وهذه يرعاها القانون 515.

كيف يمكن تعديل القانون 515 بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية والمالية المستجدّة؟
-القانون 515 معنيّ به كل ولي أمر، وهو يفرض أن تكون هناك لجنة أهل للتصديق على الموازنة المدرسية التي تعد بالشراكة الكاملة مع المدرسة، وتوقّعها لجنة الأهل وتذهب إلى مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية. هناك أهل لا يترشحون للانتخابات، وهناك أهل لا يعرفون أنه ممنوع تحويل الموازنة من دون توقيعهم، وهناك مدارس ليس فيها لجان أهل، أضف إلى الفضيحة الكبرى أن بعض المدارس تشتري ذمم أهالٍ وتعيّنهم في لجان الأهل مقابل منح تعليمية لأبنائهم. لكنّ القانون وُضع لحماية حقوق الناس وتنقية العملية التربوية من الفوضى والنهش المتبادل، فيما هناك مدارس لا تريد القانون 515.
من هي المدارس التي لا تريد القانون 515؟
-مدارس خاصة تابعة لكل الطوائف وأخرى تعود إلى رجال أعمال متموّلين وجمعيات أجنبية وسفارات (قليلة ولكن موجودة). هناك ثلاث قواعد للقانون، القاعدة الأولى: الشراكة الكاملة بين الأهل والمدرسة، إذ يضع الموازنة ممثلان عن المدرسة، وممثلان عن الأهل، والقاعدة الثانية أن الموازنة تحدّد الأقساط "والقسط مش شلفة"، والقاعدة الثالثة: توزيع النسب على الشكل الآتي: 65% رواتب وأجور الأساتذة والموظفين والعمال، و35% رسوم تشغيلية. القانون 515 لحظ إمكان أن تنخفض نسبة الرواتب إلى 60%، وأن ترتفع المصاريف إلى 40% بتصريح من وزير التربية، فإذا ارتفع سعر المازوت مثلاً، وهو الهمّ الأكبر للمدارس اليوم، وانكسرت القاعدة يمكن تطبيق النسب الأخيرة، في حين أن أصحاب المدارس يقولون إن الآية انقلبت، إذ باتت الرسوم التشغيلية 65% والرواتب 35%، وبالتالي فإن القانون بات غير نافع. شخصياً، التقيت بأصحاب مدارس من كل الطوائف وطلبت تقديم دراسة فعلية تظهر إلى أي مدى انكسرت القاعدة، فإذا باتت 50% للرواتب و50% للنفقات، يمكن إجراء تعديل قانوني. لكنّ أحداً لم يقدم موازنات فعلية. وهنا تخرج صرخة نقابة المعلمين اعتراضاً على زيادة المصاريف والقبض بالدولرة من دون إعطاء أيّ زيادة للمعلمين، وبالتالي فعندما يتحدث صاحب المدرسة عن ارتفاع الرسوم التشغيلية فقط فهو لا يقول الحقيقة كاملة، لأن عليه أن يزيد في الوقت نفسه حقوق الأساتذة، أي أنه سيزيد الرواتب والنفقات معاً، وبقناعتي المتواضعة نبقى على قاعدة 65% رواتب وأجور للأساتذة والموظفين والعمال، و35% للرسوم التشغيلية، وليس هناك مشكلة في تطبيق القانون. لماذا الإصرار على اعتماد صندوق خاص يموّله الأهل بالدولار ولا يخضع للموازنة؟

ما هي سلطة وزارة التربية على المدارس الخاصة، تارة تقف ضد الدولرة وتارة تشرّع للصندوق المستقل؟
-هم يريدون أن يقوننوا الصندوق المستقل ونحن لن نسمح لهم بذلك. سنبشّرهم من الآخر، نحن ضد ذلك. وقانون الصندوق لن يمرّ.

لكن هل تستطيع الوزارة ولجنة التربية النيابية منع الدولرة؟
-علينا أن نمنع أي إجراء غير قانوني، والقانون يمنع الدولرة، أما إذا صارت الدولرة أمراً واقعاً، هناك حلّ بأن تبقى ملبننة بالليرة اللبنانية وضمن القانون، وكما أن أصحاب المدارس لديهم حاجات، نحن لدينا هواجس. أريد أن أتكلم بلسان مئات آلاف الأهالي الذين أمثّلهم وانتخبوني وليس بلسان ألف صاحب رخصة فقط. على صاحب المدرسة أن يقنع ولي الأمر لماذا سيزيد القسط. ولي الأمر مقتنع بحق الأستاذ بالزودة وحق المدرسة بتسيير أمورها، وهو ليس ضدها ولا يريد أن يقفلها، ولكن علينا أن نعتمد الرحمة والتواضع في وضع الموازنة بالقانون، وإذا احتجنا إلى تعديل القانون فلنذهب إلى ذلك.

هل هناك أفق لحل هذا الموضوع؟ هذا ما ينتظره الأهالي
- علينا بصفتنا نواباً أن نمنع أي تشريع ضد الأهالي. وأفتخر شخصياً أنني منعت تجميد العمل بالمادة 2 من القانون 515، ولكن أريد أن أقول للأهل إننا نلعب دورنا قدر الإمكان، ولكن عليهم هم أيضاً أن يترشحوا للجان الأهل وأن يؤدوا دورهم بالقانون. أعرف أن بعض الأهالي يخافون ويرددون بأن صاحب المدرسة يستطيع أن يقول له "إذا مش عاجبك فل". وزير التربية منع طرد التلامذة ومنسّق اتحاد المؤسسات التربية الخاصة قال أيضاً: لن نطرد الأولاد.

المشكلة أن وزارة التربية تمنع في التصريحات الإعلامية فقط فيما المدارس تمارس تهديداتها على الأهل؟
- عندنا مشكلة قديمة العهد وهي أن وزارة التربية لا تستطيع أن تدقق في الموازنات، فالأمر يفوق قدرتها البشرية.

هل تعتقدون أن المشكلة تقنية فعلاً؟
- الوزارة فقدت هيبتها والمدارس ماشية "على راسها". أريد أن أقول لأصحاب المدارس: ما تضلوا كاسرين ايدكن وشاحدين عليها. نحن لا نريد أن نكسر أيدي أصحاب المدارس، ولكن نريدهم أن يتصرّفوا بالأخلاق التي يعلموننا إياها في كتب التربية المدنية.
التعليم الرسمي في خطر والتعليم الخاص سيقلّع بكلفة مرتفعة


يجب أن نتذكر بأن المدارس الخاصة ترفض التدقيق المحاسبي في موازناتها، أليس كذلك؟
- في هذا المجال تقدّمت شخصياً باقتراح بتعديل طفيف على القانون يلزم المدارس الخاصة والأهل باعتماد شركة تدقيق محاسبية مستقلة مجازة تقوم بالتدقيق بدل الوزارة التي لا يسمح لها جهازها بالقيام بهذه المهمة.

هل يعني ذلك أن المدرسة تختار هذه الشركة؟ كيف ذلك؟ وهل يمكن المدرسة أن تراقب نفسها؟ ومن يضبط التلاعب حينها؟
- نعم يمكن أن يفي ذلك بالغرض المطلوب وخصوصاً عندما ترتضي لجنة الأهل بالشركة المحاسبية. ولكن رغم أنه كان اقتراحاً للتدقيق الذاتي، كان صاعقاً أن ترفضه المدارس، لأنها لا تريد أي تدقيق من أي نوع كان وأن تضع الموازنة من دون شراكة مع الأهل.

قدّمتم قانون البطاقة التربوية التي تقضي بأن تعطي الدولة أموالاً لأهالي التلامذة ليضعوا أولادهم في المدرسة الخاصة، أليس في ذلك تدمير للمدرسة الرسمية؟
- أشكركِ، لأنك أعطيتِني فرصة لأدافع عن هذا القانون، وخصوصاً أن جريدة "الأخبار" ظلمتني أكثر من مرة عندما قالت إن القانون يضرب المدرسة الرسمية. القانون سام جداً. طالما أننا نؤمن بالمساواة بين كلّ الطلاب وبواجب الدولة بتعليم أبنائها، فإما أن تفتح الدولة مدارس رسمية للجميع وتنتفي الحاجة إلى المدرسة الخاصة وتصبح الأخيرة لمن هو قادر على دخولها، لكن بما أن الدولة عاجزة عن تقديم تعليم رسمي للجميع، فهي ملزمة دستورياً وإنسانياً وتربوياً بتعليم الجميع. ألا يحق لدافعي الضرائب الذين يموّلون المدرسة الرسمية، وليس لديهم مدرسة رسمية قريبة من بيتهم، أو ليست لديهم إمكانية أن يضعوا أبناءهم في المدرسة الرسمية لسبب ما، من الاستفادة من هذه الضريبة بالحصول على مبلغ مقطوع لتعليم أبنائهم حيثما يريدون؟ نعم يحق لهم. ثم إن للبطاقة التربوية 3 أهداف وليس فقط التمويل، فهي تمنع التزوير، إذ يصبح هناك داتا لكل الطلاب، فلماذا ينال ابن العسكري والمعلم الرسمي والموظف في الإدارة العامة منحة ويتعلم أينما يريد، وابن الميكانيكي والسنكري والفران وسائق التاكسي لا يحق له ذلك.

لتسعّر المدارس كما تريد على أن تدفع الضرائب كباقي الشركات التجارية


ولكن بدل أن تضغطوا كمشرّعين لتعزيز التعليم الرسمي تشجعون التعليم الخاص؟
- من قال لك بأننا لم نضغط لتعزيز التعليم الرسمي؟ هناك قانون آخر يعطي 150 مليار ليرة لتعزيز المدرسة الرسمية و350 مليار ليرة لمساعدة التلامذة في أقساطهم ودفع رواتب المعلمين، لكنّ الاعوجاج في الممارسة في هذا البلد هو الذي يحوّر القوانين، حُوّل هذا القانون لصالح المدرسة الخاصة لدفع ديونها المكسورة لصندوق التعويضات بالتنسيق بين بعض أعضاء لجنة التربية واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة. أريد أن أعزّز التعليم الرسمي ولكن إلى حينه لديّ 530 ألف تلميذ في المدرسة الخاصة ومعظم أهاليهم يقبضون بالليرة اللبنانية، قولي كيف سيتعلم أولادهم؟ لا يجب أن تكون لدينا عقدة. نعم نريد أن نعلّم كل التلامذة وأن تتحمل الدولة مسؤولياتها عن الجميع. يا أصحاب المدارس الخاصة اطلبوا منا شيئاً قانونياً لكي نقف معكم، وقرّروا إن كانت التربية "بزنس" أو رسالة.