كان يفترض بإقرار قانون التعديلات على السرية المصرفية في مجلس النواب، قبل نحو شهر، أن يشكّل خرقاً لبدء إقرار رزمة القوانين الإصلاحية التي طلبها صندوق النقد الدولي كشرط مسبق للاتفاق النهائي معه. إلا أن كل التعديلات التي أقرّت في مجلس النواب لا تضمن الغاية المنشودة منها، وهي تحقيق الشفافية والمساءلة والمحاسبة.العملية بكاملها «غير نظيفة». شكلاً، تضمنت عملية إقرار القانون وتصديقه في مجلس النواب شوائب عدة، أبرزها عدم اطلاع النواب على النسخة النهائية، وعدم حصول الدمج بين المشروع الذي سبق أن ردّه رئيس الجمهورية ميشال عون ومشروع الحكومة كما أعلن في الجلسة، بل جرى اعتماد نصّ مشروع الحكومة من دون إدخال التعديلات التي أشار إليها الرئيس وأقرتها لجنة المال العام الماضي، مثل تطبيق رفع السرية المصرفية عن موظفي القطاع العام ورؤساء الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام، وتحديد مفعول رجعي يشمل كل المرحلة السابقة. ففي أثناء الجلسة سجّلت كتلة لبنان القوي اعتراضاً على عدم دمج القانونين، وقدّمت قانوناً معجلاً مكرراً لإضافة بعض البنود موقعاً من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وكل من النائبين إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا.

أسباب الردّ
استند رئيس الجمهورية في ردّ القانون إلى ضرورة تحصين بعض أحكام قانون السرية المصرفية لتحقيق الغاية المنشودة من إقراره. فالصيغة التي أقرّت تحصر طلب رفع السرية بالقضاء المختص بقضايا التحقيق، لكن عون طلب «تمكين النيابة العامة من الوصول إلى المعلومات التي تسمح لها بتكوين الملف قبل إحالته إلى قضاء التحقيق، بحيث تعطى صلاحية التقدّم من المصارف بطلب المعلومات إلى القضاء المختص في الادعاء والتحقيق». كذلك طلب منح صلاحية طلب رفع السرية المصرفية عن الحسابات إلى لجنة الرقابة على المصارف، ولمؤسّسة ضمان الودائع ولمصرف لبنان، وهو الأمر الذي كان قد طالب به نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي خلال الجلسة مؤكداً أن هذا البند أساسي لإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف. لكن أحداً لم يتجاوب مع هذا الطرح.
كما كرّر الرئيس طلب «شمول العاملين في الشأن العام الذي يؤدون وظيفة عامة أو خدمة عامة ضمن القانون ليغطي طيلة الفترة السابقة لصدوره والتي تشمل بداية ممارسة مهامهم وتستمر إلى ما بعد تاريخ استقالتهم أو انتهاء خدماتهم أو إحالتهم إلى التقاعد». وعلّل هذه التعديلات بتفادي الاضطرار إلى إعادة النظر في القانون وتعديله لاحقاً ما يسبّب تأخيراً في تطبيقه وتباطؤاً في التعافي. علماً بأن متطلبات التعافي وفق ما ورد في مرسوم الردّ، تتطلب بعد إقرار قانون السرية، إقرار الموازنة وإعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول.

ملاحظات صندوق النقد
وكان صندوق النقد قد أبلغ لبنان بمجموعة ملاحظات اطلعت «الأخبار» عليها حول قانون رفع السرية المصرفية. وأشار الصندوق إلى «أوجه قصور رئيسية» تتمحور حول 4 نقاط:
1- وصول لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع إلى المعلومات المصرفية: يوصي صندوق النقد بإدراج هذه الجهات ضمن تلك التي تعطى صلاحية الوصول إلى المعلومات وطلب رفع السرية. بالإضافة إلى إتاحة وصول لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان إلى المعلومات المصرفية بالاعتماد على قانون النقد والتسليف، طالباً وضع قائمة بالجهات التي يحقّ لها الوصول مباشرة إلى هذه المعلومات. وأشار إلى أن الآلية الحالية (في القانون الذي ردّه الرئيس) تحدّ من استقلالية لجنة الرقابة وتؤدي إلى تأخيرات لا مبرر لها، لجهة الوصول إلى المعلومات لأنها تتطلب موافقة مجلس الوزراء باقتراح من وزير المالية بعد التشاور مع البنك المركزي ولجنة الرقابة.
2- القدرة على رفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام: بحسب الصندوق، تركز المادة السابعة على الوصول إلى المعلومات كجزء من التحقيقات الجنائية، لكن ينبغي أن يتيح القانون الوصول إلى المعلومات المتعلقة بوظائف الإدارة العامة. كذلك ينبغي وضع آلية تسمح بتقديم معلومات محمية بالسرية المصرفية من دون تحديد حساب معين أو عميل معين (مثل أمر عام بشأن جميع الحسابات والعملاء الذين يستوفون معايير معينة أو الإبلاغ عن المعلومات المحمية بالسرية على أساس دوري أو منهجي). فعلى سبيل المثال، يجب ألا يقتصر الوصول إلى إدارة الضرائب لأغراض مكافحة التهرب الضريبي (العدالة الجنائية)، بل أن يشمل أيضاً وظائف إدارية مثل إجراء عمليات تدقيق الضرائب وغيرها من التدابير الرامية إلى تعزيز الامتثال الضريبي.
3- آلية إنفاذ القانون: التعديلات المعتمدة تتيح للسلطات القضائية إمكانية الحصول على المعلومات المصرفية، لكن مجموعة الإصلاحات ينبغي أن تنشئ آلية لإتاحة إمكانية الوصول إلى أجهزة إنفاذ القانون، بما في ذلك أدوار وصلاحيات قضاة الادعاء العام وقضاة التحقيق على النحو المقترح في التعديلات التي أدخلتها الحكومة. كما يجب أن يشمل القانون حقّ قضاة التحقيق في الوصول إلى المعلومات المصرفية مباشرة. برأي الصندوق، فإن وصول «أجهزة إنفاذ القانون» إلى المعلومات، يمثّل جزءاً حاسماً من إصلاح قانون السرية المصرفية، وينبغي إدراجها في القوانين التشريعية لأنها ستحدّد مدى فعالية النظام الذي جرى إصلاحه في ضمان الشفافية والكشف والتحقيق في الجرائم.
4- العقوبات المتعلقة بخرق السرية المالية: تحافظ التعديلات المعتمدة على العقوبات المتعلقة بانتهاك السرية المالية، على عقوبة السجن لمدّة تتراوح بين 3 أشهر و 12 شهراً (مضاعفة عند التكرار)، وهي عقوبات غير مناسبة وقد يكون لها تأثير خانق على الكشف والإعلان عن النشاط الإجرامي أو المشبوه. فمن وجهة نظر الصندوق، عقوبة السجن غير ضرورية، لذلك يقترح إلغاء العقوبة الجنائية بالسجن والاكتفاء بالغرامات المرتفعة.

مفهوم المفعول الرجعي
بموازاة النقاط الأربع، قدمّ الصندوق اقتراحات إضافية من بينها العودة إلى الأحكام العامة المتعلقة بتبادل المعلومات بين كل السلطات ذات الصلة، والتي حُذفت من مسودة مشروع الحكومة (المادة 7.3). وهي أحكام مهمة، بحسب الصندوق، لضمان الكشف عن الأنشطة غير المشروعة والتحقيق فيها بفعالية. واعتبر أن تحديد إمكانية تبادل المعلومات بين السلطات الضريبية وهيئات إنفاذ القانون في التعديلات المعتمدة خطوة في الاتجاه الصحيح. وفيما تنص التعديلات المعتمدة على إحالة المصارف التي ترفض تقديم المعلومات إلى الهيئة المصرفية العليا، رأى الصندوق أنه يمكن الاستعاضة عنها بمنح الهيئة كما السلطات القضائية صلاحية فرض الغرامات مباشرة.
شمول موظفي القطاع العام وتوسيع صلاحيات الوصول إلى البيانات لتشمل النيابة العامة


ويقترح الصندوق النظر في «إعادة العمل بالأحكام المتعلقة بإنشاء سجل للحسابات المصرفية يكون بمثابة أداة مفيدة لإنفاذ القانون والإشراف على القطاع المالي في لبنان واتجاهاً استراتيجياً عاماً للرقابة على القطاع المالي».
وتحفّظ الصندوق عن وضع أحكام تشير إلى المفعول الرجعي، ورأى أن لا ضرورة لتحديدها لأن إصلاح السرية المصرفية لا يمثل تطبيقاً بأثر رجعي للمتطلبات الجديدة بل توسيعاً لنطاق السلطات الإدارية في الوصول إلى البيانات السابقة بحوزة المؤسسات المالية، مبدياً استعداده للنقاش في هذا المفهوم ولا سيما إذا كانت هناك حاجة إلى أي مراجعات لنصّ التعديلات بما يضمن الوصول إلى المعلومات المصرفية من الفترات السابقة. فإذا كانت قوانين الأثر الرجعي مطلوبة من قبل القانون اللبناني لتوفير الوصول إلى الملفات السابقة الخاصة بالعملاء وأرصدة الحسابات في نقاط معينة من الزمن، فإن الفترة التي يغطيها الوصول إلى المعلومات يجب أن تكون مساوية على الأقل لعدد السنوات التي تكون فيها المؤسسات المالية ملزمة بتنظيم الاحتفاظ بالسجلات».