كان يفترض أن يشهد الأسبوع الجاري حركة ما في إطار المساعي المبذولة لإيجاد «مخرج مقبول» لملف راعي أبرشية حيفا وتوابعها للموارنة النائب البطريركي على القدس والأردن المطران موسى الحاج. لكن يبدو أن الأمور في طريقها نحو التأجيل ربطاً بمسعى جديد يتولاه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.وفي المعلومات، أن عبود زار البطريرك الماروني بشارة الراعي في الديمان، في 11 الجاري، طارحاً «التدخل» لحل القضية بعدما وصلت الأمور إلى طريقٍ مسدود، ربطاً بقرار الكنيسة المارونية عدم التنازل في القضية أو منح الإذن للمطران كي يمثل أمام المحققين في المحكمة العسكرية، وإصرارها على استعادة الأموال (أكثر من نصف مليون دولار) التي تمت مصادرتها منه عند معبر الناقورة، وتعود لعملاء فارين إلى داخل فلسطين المحتلة. ويأتي حراك عبود معزولاً عن وساطة الوزير السابق ناجي البستاني. وفيما بقيت تفاصيل الوساطة مجهولة، قالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن نتائج مساعي عبود يفترض أن تبدأ بالظهور مطلع الشهر المقبل على أبعد تقدير، انطلاقاً من المهلة التي منحها لنفسه وأبلغها للبطريرك. وهو ما أدرجته المصادر في سياق طموحات عبود بالحضور في الاستحقاق الرئاسي المقبل، ومحاولات الاستقطاب الجارية لاستمالة الكنيسة المارونية من قبل أكثر من شخصية مارونية طامحة لدخول قصر بعبدا.
وقد شهدت الأسابيع الماضية خطوات عمليّة على صعيد الملف. وأدت وساطة البستاني في أكثر من اتجاه أمني - قضائي، شمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، إلى تهدئة الأجواء وتزخيم المساعي وفتح خطوط التواصل المقطوعة وخفض السقوف مما أسهم في إعادة مقتنيات المطران من جواز سفر وهاتف خليوي إليه. وفي انتظار نتائج «وساطة عبود» اِتُفِقَ على أن تبقى الجهود نشطة لإيجاد تسوية لقضية الملاحقة القانونية للمطران، إذ لا يزال ملفه مفتوحاً أمام المحكمة العسكرية. وشهد هذا الشق خرقاً بعد لقاء بين البستاني وعقيقي قبل أسبوعين. ونقل عن القاضي عقيقي تفضيله حلاً قانونياً، وأنه خارج مفاعيل أي «وساطة سياسية». غير أنه بدا واضحاً تراجع وتيرة الإجراءات القضائية بما يشير إلى أن الملف ذاهب إلى الحفظ، بناء على تفاهمات متصلة بإعادة التزام المطران عدم نقل الأموال من الأراضي الفلسطينية المحتلة والاكتفاء بالزيارات الرعوية عن طريق «معبر الناقورة»، علماً أن هذه المسألة تأتي في صلب مساعي البستاني الذي طرح على البطريرك التوقف عن مطلب نقل الأموال أو استعادة ما تمت مصادرته.
وبمعزل عن النصائح التي وجهت إلى الراعي، تبين أن رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي جان فهد، اقترح حلاً قانونياً في مستهل انفجار القضية من دون أن يسير أحد به. وبحسب مصدر متابع، قضت استشارة فهد بأن يبادر عقيقي إلى تقديم الادعاء بحق المطران الحاج بعد رفض الأخير المثول أمام المحققين ثم يُحال الملف إلى قاضي التحقيق الأول فادي صوان، فيبادر الأخير إلى رفض البت فيه بحجة «عدم الاختصاص» فيصبح عالقاً. غير أن الاقتراح رفض السير به من قبل مرجعيات اشتغلت على الملف، لما يخلفه من ضرر على صورة القضاء. إضافة إلى كونه يمثل سابقة في ادعاء قاضٍ ماروني على رجل دين ماروني! عند هذه النقطة، أعيد يومذاك تذكير بكركي بطريقة تعاطيها بما خص قضية راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر السابق المطران عبدالله نجيم أواخر ستينيات القرن الماضي، يوم اكتشف ضلوعه في طبع وترويج العملة المزيفة وامتلاكه آلة للتزوير ونقله أموالاً لمصلحة مطلوبين. إذ بادر حينها المطران نصرالله صفير (قبل أن يصبح بطريركاً) إلى الحضور إلى المطران ونزع الصليب من عنقه، قبل أن تجبره الكنيسة على الاستقالة ثم تُبعده إلى الفاتيكان.