بدت لافتة، في الساعات الماضية، قدرة مراجع رسمية على تحويل الأزمة إلى صراع طائفي يتخِذ طابعاً دستورياً وسياسياً، فيما تزداد الخشية من أن يدفع التأزيم البلاد نحو مرحلة شبيهة بتلك التي شهدها عام 2008 عندما تعطّلت كل السلطات الدستورية لأكثر من سنة. وعادت هذه التجربة إلى الأذهان من منطلق الخلاف الناشئ على «صلاحية» حكومة تصريف الأعمال في تسيير البلاد في حال الفراغ الرئاسي، مع تصلّب كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بموقفهما من مسألة «دستورية» أن ترِث حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الأولى.ومع الحرب المستمرة بينَ الطرفين، لجأ ميقاتي إلى استخدام ورقة دار الفتوى ونجح في الحصول على موقف داعم من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، بعد تواصل مع الرئيس فؤاد السنيورة الذي أكدت مصادر أنه التقى ويلتقي المفتي بعيداً من الإعلام للتنسيق في هذا الأمر. وقد صدر عن المجلس بيان أبدى فيه «حرصه على صلاحيات رئيس الحكومة في ممارسة المهام المنوطة به والمحددة له في الدستور واتفاق الطائف، ولا سيما في ما يتعلق بتشكيل الحكومة. ولا يمكن المس بهذه الصلاحيات تحت أي ذريعة أو مصالح فئوية لأنها تستهدف لبنان وعيشه المشترك وهي قضية وطن وبناء دولة، مما ينبغي الترفع عن الحسابات الضيقة فيها». وفي الإطار، علمت «الأخبار» أن ميقاتي يعمَل على خط النواب السنة للحصول على غطاء نيابي منهم، بينما يتولى السنيورة التنسيق مع شخصيات مسيحية ومع البطريركية المارونية بهدف تأمين «غطاء وطني» لميقاتي وتأمين الحماية للمركز السني الأول.
ولم يتأخر القصر الجمهوري في الرد على البيان، فأصدر بياناً مُفصلاً حذّر فيه ««من تمادي البعض في دس الأخبار والمعلومات الكاذبة والتحريض الطائفي والمذهبي وتضليل الرأي العام واستهداف أمن البلاد واستقرارها (...) هذه المحاولات باتت مكشوفة ومعروف من يقف وراءها»، خاتماً بمقولة: «إن أولاد الحرام هم الذين يقوّلون الرئيس ما لم يقله، ويحملونه وزر أفعال لم يفعلها».
تجدّد الخلاف بين الرئاستين بوتيرة أعلى، جعلَ المتابعين والمعنيين بالملف الحكومي، يُقرّون بسقوط أي أمل في تشكيل حكومة جديدة، وحتى تعويم الحكومة الحالية باعتبارها «الوريثة الشرعية» الوحيدة حتى الآن، من وجهة نظر البعض. وأبدى هؤلاء خشية كبيرة خصوصاً أن الأزمة الحالية «تختلف عن كل الاختبارات التي مرّ بها البلد سابقاً، فنحن لا نعيش أزمة سياسية بل أزمة نظام قد تؤدي بنا إلى تجارب كتلك التي شهدها لبنان في الثمانينيات تمهيداً لصيغة جديدة للعيش والحكم، وهذا ما لا يُمكن أن يحصل من دون توترات أمنية».