فجأة دبّت الحياة في نقاش مشروع قانون «الكابيتال كونترول». فقد دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي اللجان المشتركة إلى جلسة لدرس ورقة الملاحظات التي أعدّتها مجموعة شخصيات دعاها نائب رئيس المجلس الياس بو صعب إلى سلسلة اجتماعات للاطلاع على رأيها في المشروع. شارك في هذه الاجتماعات كل من: بول أبي نصر، سابين الكك، كارول عياط، مروان بركات، فادي عبود، زياد بارود، نيكولا شيخاني، نقولا شماس، ليلى داغر (حضرت الجلسة الأولى فقط)، كريم ضاهر (حضر الجلسة الأولى فقط)، نسيب غبريل، علي نور الدين، جاد غصن، موريس متى، رائد خوري، إيلي شمعون. أما ورقتهم فهي خلاصة ثلاثة اجتماعات وعبارة عن عرض لوجهات نظر متعدّدة.أعد بو صعب لهذه الاجتماعات في محاولة غير واضحة المعالم والأهداف. إذ إنها لا تقدّم جديداً، باستثناء استعمالها كمدخل لانعقاد اللجان المشتركة. وهذه الجلسة تأتي بعدما فشلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تمرير نسخة من هذا القانون قبل الانتخابات النيابية على اعتبار أنه متداخل مع خطّة الحكومة التي تضمنت شطب 60 مليار دولار من الخسائر. آنذاك طالب النواب بتعديل الخطة من أجل بتّ مشروع الكابيتال كونترول. لا الخطّة عدّلت، ولا الكابيتال كونترول أقرّ، بل واصلت المصارف ومصرف لبنان تطبيق القيود غير الشرعية. كذلك تأتي هذه الجلسة في سياق مشروع إعادة هيكلة المصارف الذي لم يكشف عنه بعد.

(هيثم الموسوي)

الملاحظات المعروضة على النواب لا تتضمن تعديلات جوهرية على المشروع الأساسي. فالمادة الأساسية المتنازع عليها في المشروع المعدّ من الحكومة، هي المادة 12 التي لا يختلف أحد على أنها تمنح المصارف براءة ذمة تجاه الدعاوى المرفوعة ضدّها في الداخل والخارج. وقد أعدتها الحكومة لتتلاءم مع ما يطمح إليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف لتتكامل مع خطتهم الرئيسية بإطفاء الخسائر على حساب المال العام والخاص. وبإقرار هذه المادة، تطوى صفحة الجرائم المالية المرتكبة.
لكن في ورقة الملاحظات ثلاثة اقتراحات بعدما فشل المجتمعون في التوافق على اقتراح واحد؛
- فريق المصارف طالب بإبقاء المادة على حالها مبرراً ذلك بالحرص على أموال المودعين وبعدم الاستنسابية بينهم، مشيراً إلى أنه لا قدرة لجميع المودعين على تقديم دعاوى في الخارج، بالتالي يجب منح المصارف حصانة كل الدعاوى. إذ إن صدور قانون الكابيتل كونترول ومن ضمنه هذه المادة يمنع المحاكم الأجنبية من قبول دعاوى المودعين في الخارج لاستعادة ودائعهم.
- فريق ثان طالب بـ«إلغاء هذه المادة كونه يحقّ للمودعين المطالبة بودائعهم سواء في الداخل أو في الخارج».
- فريق ثالث اقترح صياغة فقرة «مبكّلة» تشير إلى تعليق تنفيذ «الأحكام والقرارات المبرمة التي صدرت قبل صدور هذا القانون وتلك التي ستصدر بعد دخوله حيّز التنفيذ والمتعلقة بمطالب أو تدابير مخالفة لأحكامه، ويبقى هذا التعليق سارياً لغاية انتهاء مهلة تطبيقه المنصوص عنها في المادة الرابعة عشرة وانتهاء تمديدات هذه المادة في حال حصولها».
يصف رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر، اقتراح الفريق الثالث بـ«الفخ المنصوب من مصرف لبنان والمصارف وحزبها النيابي لإدخال البلد والمودعين والناس فيها ثم إقفال الباب». فعبر هذا المشروع سيقوم ممثلو الشعب بتشريع «كل تجاوزات الماضي المنفّذة من قبل المصارف وكل تعاميم مصرف لبنان، لإعطائها عفواً عاماً مالياً عن كل ما حصل قبل وبعد 17 تشرين، من دون أن يتمكن المودع أو أي جهة قضائية من مراجعتها أو ملاحقتها أو الطعن بشرعية ودستورية التعاميم والمسار الانحداري لقيمة الودائع كما الهيركات».
والأخطر من ذلك أنه لا قدرة على الطعن بمسألة توقف المصارف عن الدفع لكن يتم منحها في المقابل إمكانية اعتبار نفسها «مليئة» وغير مفلسة. هكذا، يوضع المودع والمواطن تحت رحمة مصارف «الزومبي» فيما الودائع محجوزة وثمة تركيز على تعزيز «الاقتصاد الأسود» عبر منع فتح حسابات جديدة أو إعادة فتح الحسابات المغلقة في المادة التاسعة التي لم يقترح أي تعديل بشأنها. كل ذلك يأتي بذريعة «مطلب صندوق النقد» الذي، بحسب ضاهر «يضع الكابيتال كونترول في آخر السلم وتتقدّم عليه الخطة المالية وإعادة هيكلة المصارف». وبرأيه لا يجب أن يمرّ هذا المشروع قبل «مشروع إعادة هيكلة المصارف، ومشروع توحيد سعر صرف العملة»، واعداً بالتصدّي للقانون ومواجهة من يريدون إمراره لخدمة مصالحهم».

هيئات أصحاب الرساميل تتقدّم
في ورقة الملاحظات تم اختصار هدف مشروع القانون عبر حصره بـ«وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على السحوبات النقدية وعمليات التحويل إلى الخارج وحذف ما يتعلق بحماية المودعين. علماً بأن أساس مشروع الكابيتال كونترول هو الحدّ من التحاويل والسحوبات المصرفية لمعالجة الخلل البنيوي في ميزان المدفوعات. وكان يفترض أن تأتي هذه الإجراءات وفق خطة مالية شاملة تحدد حجم الدولارات التي ستستخدم لضبط الاقتصاد.
ثمة خوف هنا من أن تستخدم ملاحظات الأكاديميين والخبراء كمظلّة لتغطية إصدار براءة ذمة للمصارف ولمصرف لبنان. فعلى سبيل المثال يزايد المصرفيون على الحكومة في البند 17 من المادة الثانية المتعلق بتعريف «الأموال الجديدة». هذا المصطلح ينطبق وفق الصيغة الحكومية على «تدفقات العملات الأجنبية كافة المحولة من الخارج إلى حسابات مصرفية في لبنان أو الإيداعات النقدية بالعملة الأجنبية التي تمت بعد 17 تشرين الأول 2019 باستثناء المبالغ المحوّلة عملاً بأحكام قرار مصرف لبنان رقم 13262 تاريخ 27/\8/ 2020». إنما يبدو الورقة اقترحت إضافة عبارة «على أن تعود وتعتبر أموالاً جديدة بعد انتهاء العمل بالقانون الحاضر أو بعد انقضاء مدة الخمس سنوات المشار إليها في القرار المذكور أيهما يحصل أولاً». وهذه الإضافة مصدرها هيئات أصحاب الرساميل، وهي تدخل في إطار خدمة التجار والطعن بمبدأ المساواة عبر السماح لهم بالاستفادة من دولاراتهم المودعة في المصارف مقابل ليلرة كل الودائع وضرب قيمتها.
الملاحظات المعروضة على النواب تقترح مصرف لبنان رئيساً للجنة التنفيذ


في الإطار نفسه، لم تقترح ورقة الملاحظات أي تعديل بنيوي على المادة الثالثة المتعلقة بإنشاء لجنة خاصة تتألف اللجنة من وزير المال وحاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين وقاض من الدرجة 18 وما فوق يختارهم رئيس مجلس الوزراء. ورغم أن هذه الصيغة لاقت اعتراضاً كبيراً حتى من القوى السياسية لجهة ضرورة فصلها عن تأثيرات المقربين من حاكم مصرف لبنان والمصارف، لم يجد فيها المجتمعون لدى بو صعب، أي شائبة بل هناك من اقترح أن يترأسها سلامة نفسه!
على هذا النسق، تمت إضافة عبارة في نهاية فقرة المادة الرابعة (نقل الأموال عبر الحدود ودفوعات الحساب الجاري والتحاويل) تنصّ على التالي: «باستثناء ما يتعلق بالأموال الجديدة التي يبقى التداول بها حرّاً». فالتفريق ما بين «أموال قديمة» و«أموال جديدة» متعمد لطمس التعديات وكل ما يتعلق بالودائع القديمة إلى حدّ اعتبارها غير قانونية.
كذلك حرصت الهيئات على ضمان حقوق شركات التأمين مع إضافة عبارة ضمن المادة الخامسة تتحدث عن ضرورة إضافة فقرة تتعلق بصافي أرصدة إعادة التأمين. وبينما حددت المادة السادسة السحوبات النقدية بمبلغ لا يزيد على 1000 دولار بالعملة الأجنبية أو الوطنية أو الاثنين معاً، ألغيت هذه الفقرة في ورقة الملاحظات واستبدلت بطلب استيضاح من مصرف لبنان عن المبلغ الشهري الذي يمكن للمصارف تسديده للعملاء والمدة الممكن الالتزام بها وأي عملة ستعتمد.
ثمة من يشرح هذا الاقتراح بإيجابية عبر الإشارة إلى أن ثلاثة قوانين صدرت للدولار الطلابي وحددت سقوفاً من دون أن يطبق أي منها تحت حجة عدم إرسال مصرف لبنان دولارات للمصارف. لذلك وتفادياً لتحديد سقوف مالية أخرى، ترك تحديد هذا الأمر لمصرف لبنان طالما أن لا قانون سيلزمه بالدفع وحتى يتحمل مسؤولية مالية ومعنوية.

خلطة وجهات النظر
يستبعد بو صعب في حديثه إلى «الأخبار» أن يتم إقرار هذا القانون في جلسة واحدة، ويؤكد بموازاة ذلك «أنني لن أقبل بوضعه في الأدراج بل سأحرص على عقد جلسات متتالية لإقراره أو رفضه». وبرأيه «فإن الصيغة الأصلية كما تلك التي تحمل ملاحظات من اجتمعت معهم، بحاجة إلى إدخال تعديلات عليها كي تحفظ حقوق المودعين بشكل واضح». ويشير إلى أنه لم يتبن أي وجهة نظر بل ركّز عمله على جمع وجهات النظر المختلفة بهدف توفير الوقت وتسهيل العمل».