قبل نحو شهرين من انتهاء مهلة الاستكشاف الأولى، وجّهت شركة «نوفاتيك» الروسية، كتاباً إلى وزارة الطاقة تبلغها فيه بأنها لم تعد ترغب في الاستمرار بالتزاماتها التعاقدية من ضمن حصّتها البالغة 20% من العقد الموقع مع تحالف الشركات الملتزمة استكشاف الرقعتين (البلوكين) 4 و9. أثار هذا القرار خضّة، لا سيما أن انسحاب شركة روسية يمكن تفسيره جيوسياسياً، سواء لجهة انفجار الحرب في المنطقة، أو تداعيات أخرى متّصلة بإعادة تموضع استراتيجي للشركات العاملة في حوض المتوسط في سياق الحرب الروسية - الأوكرانية، وهذا ما يعني في كل الأحوال، أنه ستكون هناك تعقيدات أوسع في البلوكات اللبنانية.وبحسب نصّ الرسالة التي وجّهتها «نوفاتيك» إلى وزارة الطاقة، بوصفها تملك 20% من حقوق الالتزام الممنوحة لتحالف مكوّن من ثلاث شركات (إيني الإيطالية، توتال الفرنسية بوصفها القائد والمشغّل، ونوفاتيك الروسية)، لم تعد راغبة في الاستمرار بالتزاماتها التعاقدية. ويأتي هذا الإبلاغ قبل نحو شهرين من موعد انتهاء مهلة الاستكشاف الأولى الممنوحة للتحالف والممدّدة لغاية 22 تشرين الأول 2022. وقالت الشركة، إن قرارها يتضمن، وليس محصوراً، بـ«الوضع الاقتصادي والمالي» و«المخاطر السياسية العالمية». عبارتان تنطويان على الكثير من التفسيرات، إنما ما جاء تالياً في نصّ الرسالة بدا أوضح، إذ تضمن الإشارة إلى أن شركاء التحالف يفترض أن «يؤكدوا استمرارية التزاماتهم التعاقدية»، وأنها «ستقدّم لهم أي مساعدة ممكنة».
ويتعزّز هذا الوضوح من خلال الكتب الموجّهة إلى وزارة الطاقة من الشريكين الآخرين، أي «توتال إينرجي» التي تملك 40% ولديها حقوق القائد والمشغّل للالتزام، و«إيني» التي تملك 40%. فالشركتان، أعربتا في رسالة بدت كأنها نصّ واحد، أنهما سيواصلان التزاماتهما التعاقدية بشأن الاستكشاف في الرقعتين 4 و9، وأنهما مستعدتان للنقاش في ما خصّ حقوق الآخرين في التحالف.
كل هذا الكلام يعني أن نوفاتيك لم تتخذ قراراً منفرداً وعشوائياً بالانسحاب، بل نسّقت الأمر مع شركائها المستعدين للاستمرار بالالتزام أولاً، وبالاستحواذ على حصّتها ثانياً. والأمر الثاني يتطلب نقاشاً في بنود العقد. أي أن العبارة التي تشير إلى الاستعداد للنقاش في حقوق الآخرين، تطلّبت نقاشاً مفصلاً في بنود العقد مع «نوفاتيك» قد يكون توصّل إلى اتفاق بينهما على إنهاء العلاقة بشكل ودّي.
لذا، تقول مصادر مطلعة، إن القرار «مدروس ومحبوك بشكل جيّد، وهذا ما يعني أن التفسيرات والربط قد يكون مبالغاً فيه بشكل واسع». فالمسألة ربما تتعلق بقدرة «نوفاتيك» على الاستمرار في ظل العقوبات الأميركية، ولا سيما أن الاستمرار قد يتطلب منها ضخّ سيولة كبيرة. كذلك، يمكن الإشارة إلى أن نوفاتيك ليست سوى شريك استثماري، أي أنها ليست شريك تنفيذي، بالتالي فإن الجدوى من وجودها أصلاً ضمن هذا التحالف هو الوجود الروسي لتحقيق عوائد استثمارية حصراً، بخلاف وجود «روزنفت» في لبنان التي تقوم بأعمال تنفيذية.
بالنسبة للجانب اللبناني، فإن بنود العقد واضحة وهي تتضمن خيارين: السماح لشركاء التحالف بالاستحواذ على حصّة «نوفاتيك»، أو استحواذ الدولة اللبنانية على حصّتها ثم بيعها لشركة ثالثة.فالبند 5 من المادة 36,2 من اتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج العائدتين للرقعتين 4 و 9 الصادر نموذجهما بالمرسوم 43/2017، يعطي الحقّ لوزارة الطاقة في الاستحواذ على الحصّة. وفي هذه الحالة يختار الوزير أن تقوم الدولة، أو أي كيان مملكوك بالكامل من قبلها شرط أن يكون قادراً مالياً على الالتزام بموجباته، أن يأخذ تنازلاً جبرياً عن كامل نسبة مشاركة «نوفاتيك». كما يمكن، أن تستحوذ الشركتان على حصّة «نوفاتيك» بناءً على قرار من وزارة الطاقة وبالاتفاق معها.
يقال إن تركيا وقطر مهتمّتان بالاستحواذ على حصّة «نوفاتيك»


وحتى الآن، لا يبدو واضحاً من هي الجهة ذات المصلحة في الاستحواذ على حقوق «نوفاتيك». على جدول الأعمال ثمة مجموعة جهات تعد «هيئة إدارة قطاع البترول» واحدة منها، ويعود إليها تقديم اقتراحات في هذا الشأن. يُطرح سياسياً معلومات عن شركات محسوبة على دولة قطر قد ترغب في أداء دور ما في هذا المجال. في المقابل، نقل عن تركيا استعدادها للمشاركة في «كونسورتيوم» توتال وإيني. لاحقاً جرى «تكذيب المعلومات» التي قيل إن مسؤولاً لبنانياً نقلها. غير أن المعلومات تفيد بأن أنقرة التي علمت بخروج «نوفاتيك» قبل مدة، قد تكون لديها مصلحة بالمشاركة وبالفعل قد تكون مستعدة لتقديم عرض جدّي. ما يعزّز احتمال ما تقدم، عودة العلاقات الثنائية بين أنقرة و تل أبيب إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، وهذا يخدم الشركات التركية، الساعية إلى جانب أنقرة، في تأمين حضورها ضمن محيط المتوسط الواعد بالغاز، لا سيما أن تركيا تمتلك أباراً واعدة بدورها.