يُقارب عدد مستخدمي الانترنت في لبنان، وفق التقديرات، حوالي 89.3% من إجمالي السكان، شريحة كبيرة منهم من فئة الشباب الذين يستعملون تطبيقات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المخصصة للمؤسسات الحكومية والخاصة، من دوائر الدولة والجامعات والشركات الخاصة والمصارف، إضافةً إلى الألعاب الإلكترونية وبرامج المراهنات. تستخدم كل هذه التطبيقات طبقة واحدة من الإنترنت تسمى بالإنترنت السطحي أو "Surface Web".وفي خضَمّ الأزمات المتلاحقة وتصاعد استخدام الإنترنت، تبرز مخاطر كبيرة لا تقف عند حدود الرقابة على الأطفال لحمايتهم من محتوى قد لا يتناسب مع أعمارهم.
فمع هذه الشبكة، هناك عالم يتمدد ببطءٍ وصمت، ويحمل في طياته تهديدات جديدة، تختلف خطورتها تبعًا للتطور التكنولوجي لكل دولة، وهو يُعرف بـ «الشبكة المُظلمة» أو الـ Dark Web.
فالتكنولوجيا ووسائل الاتصالات الآخذة بالتوسع بسرعة كبيرة لديها القابلية لتوفير أدوات قوية وفعَّالة بهدفِ إنشاء أسواقٍ رديفة (سوق سوداء) لتجارة افتراضية تعتمد بالدرجة الأولى على الثقة المتبادلة بين أطرافٍ ثلاثة: البائع والمشتري والوسيط، تَدَّعي ضمان سرية الهوية الشخصية، مما يُبقي الأطراف بعيدين نسبيًا عن نطاق عمل أجهزة إنفاذ القانون.

تعريف الـ Dark Web
شبكة الـ Dark web جزء من شبكة الإنترنت، حيث يُسمح بإصدار مواقع إلكترونية ونشر معلومات من دون الكشف عن هوية ناشر المعلومة أو موقعه، ويمكن الوصول إليها من خلال متصفحاتٍ خاصة بها مثل TOR الذي يتم تحميله مجاناً من شبكة الإنترنت العادية.
تنتشر على شبكة الـ Dark Web أسواق كثيرة متخصصة ببيع مختلف أنواع المخدرات والسلاح، إضافة للمواد الإباحية ولائحة طويلة بالمواد الممنوعة التي قد تغري كثيرين للدخول اليها، بدافع الفَضول وللسعي الى جمع المال والانخراط في التداولات غير الشرعية.
وفق آخر التقديرات، يزداد نمو هذه الاسواق بشكلٍ مستمر لعدة أسباب، منها تزايد التجارة بالعملات المشفرة (بيتكوين وغيرها)، انتشار منتديات «التهكير» والخدمات التي تقدمها، إضافة للكثير من «الخدمات» كبيع الآثار المسروقة والمهربة، والتجارة والمضاربة بالعملات الرقمية.
العملات الرقمية ومضاربات البورصة غير الشرعية وتبييض الأموال سوق مغرية للباحثين عن الربح السريع والسهل، وهم الفئة الأبرز التي تعمل على الشبكة المُظلمة التي تعرضت لضرباتٍ كبيرة بعد انهيار الأسعار في أسواق العملات المشفرة.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

عقلية السوق وحاجته هي التي تحكم مدى انتشارهذه الشبكة وكيفية الاستفادة منها في لبنان. فالأمر البديهي ان شراء كمية صغيرة من المخدرات أو عدد محدود من الأسلحة لا يحتاج للاتصال بشبكة الـ«دارك ويب»، لأن هذه الأمور تتم عبر التواصل بالوسائل المتوفرة في الشبكة السطحية. وحتى على صعيد تجارة العملات المشفرة، من السهل شراء هذه العملات بصرف النظر عن مصدر المال، عبر الـ Surface Web واعادة بيعها في لبنان بالعملة الصعبة، ليتم تبييضها وتحويلها بعملية واحدة.
أما التداول بكميات كبيرة وشراء كميات كبيرة من المخدرات والسلاح والممنوعات فتستدعي مزيداً من السرية والحذر وبالتالي يرجح ان التفاوض والاتفاق بشأنها يتم عبر الشبكة الالكترونية المظلمة.
الخطورة تكمن في «السحر» والغموض المحيطين بهذه الشبكة، وبالفضول الذي يدفع الشباب إلى تصفح هذا النوع من الصفحات، فيما تعمل هذه الأسواق وفق المبدأ نفسه الذي تعمل به الأسواق الإلكترونية الشهيرة، مثل Ebay وAmazon.
علماً ان تطبيقات الـ«دارك ويب» لا تقتصر على الأعمال غير الشرعية. فهناك الكثير من الشركات التي تتخذ من هذه الشبكة مسرحًا لأعمالها. ووفق بعض الإحصاءات، تبلغ نسبة الأعمال الشرعية على هذه الشبكة حوالي 68%، أما الأعمال غير الشرعية فتبلغ نسبتها حوالي 32%، وبما أن الـ Dark Web تشكل 5% من الحجم الكلي للإنترنت، نستطيع الاستنتاج بأن حجم الأعمال غير الشرعية التي تجري عبر الـ Dark web يبلغ 1.9% فقط من حجم الإنترنت الكلي حول العالم. صحيح ان هذه النسبة تبدو ضئيلة غير ان بعض المؤشرات تدل الى ان كمية المخدرات والسلاح والممنوعات المتداولة من خلال الشبكة المظلمة كبيرة ولا يمكن احصاؤها بدقة. والخطر يكمن في تكاثر اعداد الشباب الذين يزورون مواقع هذه الشبكة باحثين عن فرص للربح السريع بالعملات الصعبة.

العملات الرقمية وأجهزة «التعدين»
تجري عمليات البيع والشراء على الشبكة المُظلمة بالعملات المشفرة كونها آمنة ومن الصعب اختراقها أو تتبعها، وقد انتشرت في لبنان بدءًا من العام 2021 ظاهرة مزارع «تعدين العملات المشفرة»، والتي تَستَخدم كومبيوترات وأجهزة ذات مواصفاتٍ عالية وقادرة على إجراء عمليات حسابية معقدة. هذه الاجهزة بحاجة لكم هائلٍ من التيار الكهربائي، الذي تُضاف فواتيره لكلفة التعدين مع ثمن الأجهزة.
وقد داهمت الأجهزة الأمنية اللبنانية مطلع هذا العام العديد من مزارع التعدين، في أكثر من قرية في البقاع الغربي، بالتنسيق مع هيئة أوجيرو ومؤسسة كهرباء لبنان، بعدما تسبب وجود هذه المزارع بضغطٍ هائل على شبكة الكهرباء التي تُغذى من معامل التوليد الكهرومائية، مما تسبب بالكثير من الأعطال على الشبكة. وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قد طلبت بكتابٍ رسمي في تشرين أول من العام 2021 من مؤسسة كهرباء لبنان، وزارة الطاقة والمياه، وزارة الداخلية والبلديات، والنيابة العامة التمييزية، إزالة التعديات والسرقات على شبكة التوزيع في منطقة القرعون ومشغرة، ولفتت الى أن الحمولة الإضافية على خطوط التوتر العالي 15 ك. ف. تخطت العشرين في المئة.
عملية التعدين لا تقتصر على نوعٍ واحدٍ من العملات، فاختيار العملة التي يتم تعدينها ليست له معايير واضحة، وتخضع سوق أجهزة التعدين أحيانًا لتوافر البضاعة «الدارجة» في السوق، والتي تُباع أيضًا كسوقٍ سوداء بأسعار تفوق سعرها الرسمي في شركات التصنيع. وبحسب «خبراء» التعدين الذين يديرون الحسابات والمزارع لقاء نسبة مئوية أو ثابتة، فأغلب المستثمرين لا يجيدون التعاطي بالأسواق العملات المشفرة، وليس لديهم الخبرة التقنية اللازمة، مما ساهم ببروز هذه المهن الجديدة.



ثلاث طبقات من الشبكات
الإنترنت شبكة الكترونية تضمّ مئات الملايين من صفحات «الويب» وقواعد البيانات والمعلومات، ويبلغ عدد عمليات البحث على محرك «غوغل»، بحسب تقديرات الشركة، حوالي 3.5 مليار عملية يوميًا، أي بمتوسط 40 ألف عملية في الثانية. ويبلغ عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم حوالي 5.02 مليار، يتصفحون حوالي 1.92 مليار موقع إلكتروني. وقد ارتفع هذا العدد بشكلٍ كبير عام 2021 بسبب جائحة كورونا.
رغم ضخامة هذه الأرقام إلا انها لا تُشَكِّل سوى جزء صغير يبلغ حوالي 5 في المئة من إجمالي حجم الويب. إذ أن شبكة الإنترنت مكوّنة من ثلاث طبقات:

■ شبكة الانترنت السطحي أو الـSurface web:
لدى ولوجنا محرّكات البحث مثل "Google" أو "Bing" وتصفّحنا للمواقع، نقوم باستخدام «الإنترنت المرئي» أو «إنترنت السطح» الذي يحتوي على الغالبية العظمى من المواقع المتاحة أمامنا كمستخدمين عاديين.

■ شبكة الإنترنت العميق أو Deep Web:
وهي أكبر من الإنترنت السطحي بحوالي 500 مرة، تحتوي على معلوماتٍ لا تُفهرس ولا تظهر في محركات البحث الاعتيادية مثل: البريد الالكتروني، الخدمات المصرفية، معلومات وكالات الاستخبارات، الجامعات وحسابات الطلَّاب، مستشفيات وتقارير طبية، منتديات وبرامج تتطلب كلمة سر واسمًا للمستخدم للولوج إليها مثل: فيسبوك، تويتر، وانستاغرام...

■ شبكة الإنترنت المظلم أو الـ Dark web:
هي جزءٌ فرعيٌ من الإنترنت العميق، لا أحد يعرف على وجه الدقة الحجم الفعلي لهذه الشبكة، إلا أن أغلب التقديرات تشير إلى نحو 5% من إجمالي الانترنت.

«بونزي» الكتروني
نشط سوق التداول بالعملات الرقمية في لبنان بعد انهيار القطاع المصرفي، ومعه ارتفعت نسبة حالات الاحتيال المرتبطة بهذه العملات. وتعرف هذه العمليات باسم «بونزي»، وهو أسلوب احتيال مالي يُمارس في كثير من الدول خصوصاً التي تعاني من أزماتٍ اقتصادية ومصرفية.
تلقى هذه الطريقة نجاحًا كبيرًا لدى الباحثين عن المال السهل والكسب السريع، والغريب انها تنطلي على مختلف الشرائح، وهي تتلخص بإيداع مبلغٍ من المال لدى شركة يُفترض أنها تقوم باستثماره واعطاء المُستثمر جزءاً من الأرباح. أول من استعمل هذه الطريقة كان تشارلز بونزي، في الولايات المتحدة عام 1920، وتمكّن من كسب مبالغ كبيرة من خلال المتاجرة بقسائم تستعمل لبيع الطوابع البريدية.
العملات الرقمية والمضاربات غير الشرعية وتبييض الأموال سوق مغرية للباحثين عن الربح السريع


منذ سنوات، لم يكن لبنان بعيدًا عن هذا النوعٍ من العمليات، وكانت الاخيرة نهاية عام 2021 عندما أُنشئت منصة تحت اسم binancesfund تتعامل بعملة الـ USDT (راجع تقرير الزميل علي عواد في الأخبار عدد 22-10-2021)، يودع فيها المُستثمر دولاراته بعد ان يحولها إلى USDT، على ان يجني جزءًا من الأرباح. وبالفعل، حقّق بعض «المستثمرين» ارباحًا في البدايات، قبل أن تُقفل المنصة وتختفي الأموال. اللافت أن بعض الضحايا أكدوا أنهم كانوا يدركون منذ البداية بأن المنصة عبارة عن عملية «بونزي»، إلا أنهم رغم ذلك استثمروا فيها.



نظام TOR مدخل الى الشبكة المظلمة
نظام TOR هو متصفح خاص لشبكة الـ Dark Web، والأشهر بين المتصفحات الخاصة بتلك الشبكة، وقد بدأ كمشروعٍ للبحرية الأميركية للتواصل الآمن بين قطعاتها والقيادة المركزية. يسمح البرنامج بالوصول السري إلى شبكة الانترنت المظلمة، مع ضمان عدم كشف الهوية أو الموقع الخاص بالمتصفح، ولا يحتاج تثبيته على جهاز الكومبيوتر سوى إلى تحميل الملف مجانًا من شبكة الإنترنت العادية واستعماله كمتصفح «كروم» العادي.


انتاج البيتكوين
تداول العملات الرقمية يتم عبر شبكة الانترنت من خلال نظام تداول يسمى بالـ Blockchain، وهو نظام شبيه بنظام التداول المصرفي السويفت بين الدول إلا أنه على درجة عالية من التشفير والحماية، يتم التشفير من خلال إجراء حسابات بالغة التعقيد، ومع الكم الهائل لعمليات التداول الحاصلة (حوالي 16.5 مليون عملية يوميا)، لا يستطيع server واحد أو كومبيوتر واحد القيام بكل هذا، فيتم تقسيم بيانات التداول إلى كتل، ويتم توزيعها عبر الشبكة على كومبيوترات وأجهزة التعدين المنتشرة حول العالم، التي تقوم معالجة هذه البيانات من خلال عمليات رياضية، الوقت الذي يحتاجه الجهاز للانتهاء من معالجة كتلة واحدة من البيانات يبلغ حوالي عشرة دقائق، يتلقى بعدها المُعدِّن المكافأة بالعملات الرقمية، إلا أن إنتاج عملة واحدة من البيتكوين على سبيل المثال يحتاج إلى أشهر طويلة (أكثر من سنة) من العمل المستمر على مدار الساعة، بحسب عدد كتل البيانات.