في الأساس، اللجان النيابية هي "مطبخ" المجلس النيابي، فيها تُرسم المشاريع واقتراحات القوانين، وتوكل إليها مهمّة التشريع والرقابة على عمل السلطة التنفيذية. في هذا الظرف الاستثنائي، لا يملك النواب ترف الغرق في "العموميات" و"الكلام الكبير" الذي يقال في كلّ الأوقات ولا يتطابق مع الواقع.لا يكفي مثلاً أن تطالب النائبة التغييرية المهتمّة بعمل لجنة التربية النيابية، حليمة القعقور، بتطوير المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية وبتأمين تعليم نوعي للجميع، بل أن تحاول البحث جدّياً عمن يضع الخطط في وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وكيف يتم تفريغ الأخير من كوادره وكفاءاته، ولماذا يُسلّم قرار "الحل والربط" "لمستشارين" يتحكّمون بالقرارات التربوية والإدارية والمالية، وسط استبعاد "مفتعل" للخبرات الأكاديمية بتغطية من الجهات المانحة، كمورد بالفريش دولار، وبالتالي قطع الطريق على أيّ قراءة لواقع الأزمة واجتراح الحلول المناسبة لمسبّباتها. وإذا كانت لجنة التربية في السابق ساهمت في "تخريب" التعليم فهو لدراية بعض القيّمين عليها بدهاليز القطاع وخفاياه، وبالتالي، فإن ذلك يدعو المهتمين الجدد إلى تكوين ملفاتهم الخاصة والتعمّق فيها لإعادة إصلاح ما يمكن إصلاحه.
وبهذا المعنى، أمام القعقور ورئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد وأعضائها الجدد ومنهم النائب أسامة سعد، مهمة محددة هي مواجهة نهج مستمرّ من الممارسات الخاطئة في الوزارة والمركز، المؤسستين المسؤولتين عن رسم سياسات التعليم، والتحقّق عملياً من جدوى الدراسات التربوية المعدّة في السنوات الأخيرة وأثرها في تأمين جودة التعليم، مقارنةً بالهبات والقروض والمنح التي قدّمتها وتقدّمها الجهات المانحة لدعم التربية ومعرفة من يراقب كيفية صرف الأموال.
على القعقور وسعد وغيرهما في اللجنة التقصّي وراء العوامل التي فرضت وتفرض اعتماد سياسات ملتبسة لا تحقق غايات التعليم، إذا أردوا فعلاً فتح ثغرة في جدار أزمة هذا القطاع.
ليست مهمة النواب المطالبة بتعزيز التعليم الرسمي، بل الضغط، باتجاه وقف الدعم التشريعي غير المحدود للمدارس الخاصة وإمعانها في امتصاص مقدّرات أهالي التلامذة والدولة، من خلال سحب القوانين التي تعزّز سطوة مصالح أصحاب هده المدارس على وزارة التربية. الحلّ لأزمة التعليم الرسمي لا يكون بسنّ قوانين مثل قانون "البطاقة التربوية" الذي يسهل انتقال تلامذة التعليم الرسمي عبر مساعدات ومنح تقدمها الدولة إلى التعليم الخاص، ولا بقانون الـ350 مليار ليرة لسدّ ديون المدارس الخاصة ومتأخّراتها لصندوق التعويضات، ولا بقانون فتح سقوف الزيادات على الأقساط المدرسية بلا أي ضوابط، بل بجعل التعليم الرسمي متساوياً مع الخاص ليكون للأهل الحق في اختيار المدرسة التي يرغبون في تعليم أبنائهم فيها.
ويمكن سنّ قوانين ناظمة للتربية ومستقبلها تدرس الأثر الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي التربوي لأيّ قانون أو مرسوم أو تدبير متعلّق بالتعليم، على غرار الأثر البيئي مثلاً، وأن يصدر استناداً إلى دراسات يقوم بها اختصاصيون وباحثون لا أن يسنّها قاض مستشار للوزير أو مشرّع من دون العودة إلى الأكاديميين.
من الأسئلة التي ينبغي الإجابة عليها، أو جمع داتا حول حجم نزوح التلامذة من التعليم الخاص إلى التعليم الرسمي وبالعكس، أسباب هجرة المعلمين من التعليم الرسمي ومن سيحلّ مكانهم، وكيف يمكن أن نضع خطة تتضمّن تصوّراً عن الفاقد التعليمي وخصوصية التعليم حلال الأزمات، وما الذي يعوق فعلاً تشكيل مجالس تحكيمية تربوية تنظر في النزاعات القضائية بين إدارات المدارس الخاصة وأهالي التلامذة؟ وما هي حقيقة تزوير الشهادات الجامعية، ولماذا لم يحاسَب المرتكبون حتى الآن؟ وكيف تجري الموافقة على تقديم مدير عام لطلب استيداع والتوجه للعمل لصالح منظمة دولية، فيما البلد يعيش إحدى أشد أزماته التربوية، وهو مسؤول عن جزء منها؟ فضلاً عن ملفات الفساد التي أضاء عليها الإعلام وتحدّث عن بعضها وزير التربية السابق طارق المجذوب مثل اختفاء أجهزة كمبيوتر وغيرها.
يُعوّل على النواب أيضاً التصدي لـ"سياسة التسويات" التي أعلن وزير التربية، عباس الحلبي، في بداية عهده أنه سيتبناها، وهي السياسة نفسها التي دفعت في السابق إلى سلوك طريق التعاقد العشوائي غير القانوني لسدّ الحاجات في التعليم، وكانت النتيجة أن يضاهي عدد الأساتذة المتعاقدين عدد أساتذة "الملاك". وتحت ستار هذه السياسة نفسها مارست لجنة التربية النيابية، على مرّ عقود، ضغوطاً لعدم إقرار القوانين الناظمة والمتقدّمة لتحسين التعليم.