تنشغل أوساط سياسية واقتصادية واعلامية في لبنان بموضوع ترسيم الخط البحري الجنوبي وعملية التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي. وبعد جدل بشأن التحديد العلمي والحقوقي للخط الذي يفصل المصالح اللبنانية عن المصالح الفلسطينية التي استولى عليها الإسرائيلي، تبنّت الدولة اللبنانية الخط 23 إضافة الى حدود حقل «قانا»، علماً ان مراجع قانونية واكاديمية كانت قد حددت الخط البحري 29 كخط يضمن حقوق لبنان بدقة في المنطقة البحرية المتنازع عليها. (راجع القوس عدد 29 كانون الثاني)ان عدم اعتماد الدولة اللبنانية المعايير القانونية والعلمية التي تخلص الى تبني الخط 29، وقبولها تولي ديبلوماسي أميركي على صلة وثيقة بالعدو الإسرائيلي ملف التفاوض غير المباشر يشكلان، جزءاُ أساسياُ من المشكلة. لكن الجزء الأصعب من المشكلة هو عدم شرعية الجهة التي يتم التفاوض معها، ولو بشكل غير مباشر. فلا حق للعدو الإسرائيلي في مياه فلسطين ولا في ارضها ولا في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وبالتالي، فإن القبول بإجراء تفاوض غير مباشر مع الإسرائيلي قد يعد اعترافاً غير مباشر بشرعية احتلال فلسطين.
هذه المشكلة الأخلاقية والحقوقية ليست جديدة، بل قد يكون مفيداً التذكير بها مع اقتراب موعد الاتفاق بشأن المنطقة البحرية المتنازع عليها. فصحيح، مثلاً، ان قرارات مجلس الامن الدولي 425/78 و242/67 تناولت وجوب انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. لكن هذه القرارات التي حظيت بتأييد واسع عربياً ودولياً، أخفت بين سطورها اعترافاً بملكية الاسرائيلي الشرعية للأرض المطلوب منه الانسحاب اليها.
قد يصنّف هذا الكلام بالخشبي من قبل بعض هواة الدبلوماسية والساعين الى المكاسب على حساب المبادئ واتباع البراغماتية الواقعية. وقد يستغله البعض الآخر في محاولات تبرير التطبيع بحجة ان "إسرائيل" باتت كياناً علينا التعايش معه. غير ان ذلك لا يغيّر حقيقة عدم شرعية قيام الكيان العبري على ارض فلسطين. ولا ولن يمرّ الزمن على هذه الجريمة الدولية المتمادية حتى لو تمت تصفية كل المطالبين بحقوقهم، وحتى لو طبعت كل الدول، واستسلمت وتآمرت كل الأنظمة.
بعد اندحار العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، أقيم ما يسمى «خط أزرق»، وهو خط تقني يحدّد خط الانسحاب وليس رسماً للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. وقد يكون مفيداً اعتبار الخط البحري 29 او أي خط آخر تقرر الدولة اعتماده حتى لو لم يضمن حصول اللبنانيين على حقوقهم كاملة، خطاُ ازرق بحرياُ لمنع عده حدوداً دائمة. خط مؤقت يفصل بين المنطقة البحرية التي ما زال العدو الإسرائيلي يسطو عليها بغير وجه حق من جهة والمنطقة البحرية التي قرر لبنان القبول بتحديدها لأنها تشكل جزءا من حقوقه. فلا يفترض منح العدو الإسرائيلي أي حق في ما يعدّه البعض، حتى في لبنان، ملكاً اسرائيلياً بينما هو أملاك فلسطينية مسروقة.
في 29 كانون الثاني نشرنا عدداً خاصاً يحدد علمياً وقانونياً حق اللبنانيين في المنطقة البحرية المتنازع عليها، فماذا عن حقوق الفلسطينيين؟ الا يفترض ان نطالب بها أم ان العدل والانصاف ينطبقان على البعض ولا ينطبقان على البعض الآخر؟