توجه طارق، في سيارته، إلى شارع الحمرا لإجراء مقابلة لوظيفة في مؤسسة تجارية. رغم خروجه قبل وقت كاف من منزله في منطقة سن الفيل للوصول إلى الموعد مبكّراً وإعطاء انطباع إيجابي وإظهار مدى جدّيته للحصول على الوظيفة، أخفق في الوصول في الوقت المحدد بسبب زحمة سير خانقة. بعد تأخر نصف ساعة، وصل أخيراً إلى منطقة الحمرا، فواجه مشكلة إيجاد مساحة لركن سيارته. «مواقف السيارات مفوّلة، وعلى طول الشارع سيارات مركونة على وسلاسل حديدية تحجز الأماكن العامة الأخرى». عشرون دقيقة مرّت حتى وجد مكاناً أمام أحد المحلات التجارية يشغله حوض زراعي. ترجّل طارق لإزاحة الحوض، فخرج صاحب المحل غاضباً: «عمي ممنوع تصف هون ما شايف الزريعة؟ ما فيك، بتقطع برزقتي إذا بدو يجي حدا لعندي وما في محل يصف سيارته، شو بدو يعمل؟»، فأجابه طارق بصوت مرتفع: «عمي مش مشكلتي. العالم فوق بعضها وعندي مقابلة لشغل تأخرت كثير وما في باركينغ قريب. هيدا الشارع مش ملكك أو ملك بيك!». مشكلات كهذه غالباً ما نصادفها يومياً في بيروت. ممنوع الوقوف في الأماكن العامة والجميع يستولي على الطرقات.

(أرشيف ــ بلال جاويش)


الخاص يطغى على العام
يعود حق استعمال الأملاك العمومية، عقارية كانت أم غير عقارية، للجميع، على عكس الأملاك الخاصة التي لا يعود حق استعمالها أو التصرف بها إلا لصاحبها. تشمل الأملاك العمومية كل الاشياء المعدة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع او لاستعمال مصلحة عمومية، وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن (المادة الأولى من القرار رقم 144تاريخ: 10/06/1925). وتعتبر الطرقات والشوارع والممرات والخطوط من الأملاك العمومية (المادة الثانية من القرار رقم 144 تاريخ: 10/06/1925)، أي يعود حق استعمالها للجميع من دون استثناء.
المنفعة العامة هي أساس الاستملاك، وهي استثناء لمبدأ حماية الملكية الفردية بحسب الدستور اللبناني المادة 15 التي تنص: «الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً». وللسلطات الإدارية الحق في التعرض للملكية الفردية بهدف إقامة مشاريع ذات نفع عام (كإعادة تنظيم المدن بشق الطرق الواسعة أو بتوسيع القديم منها، وإقامة الحدائق العامة والمستشفيات). والاستملاك هو العمل الذي بموجبه تفرض السلطة على الفرد التفرُّغ عن ملكيته العقارية في سبيل المنفعة العامة، لقاء تعويض. وبانتفاء هذه الغاية لا يعود من مبرر للتعرض للملكية الفردية (مادة 1 من قانون الاستملاك رقم 58 تاريخ: 29/05/1991).
أما في المقابل فإن المخالفات التي نراها من قبل المواطن، والجامعات، والمستشفيات الخاصة، وكذلك الأحزاب والسياسيين؛ من مصادرة للأملاك العامة، ليست فقط لمنفعة خاصة بل مخالفة للقانون. فقد حصر القانون بعض الاستثناءات التي يسمح بها باستخدام الملك العام، وهي:
■ ذوو الاحتياجات الخاصة بحسب المادة 49 من القانون 220 تاريخ 29/5/2000 التي تنص: «يحق لكل شخص مزود ببطاقة المعوق الشخصية وببطاقة الموقف الخاص ان يتقدم الى البلدية (أو أي مرجع مختص) في مركز سكنه بطلب لحجز موقف واحد خاص له في الموقف المخصص لمركز سكنه الأقرب الى المدخل، أو على مسافة اقصاها خمسون متراً إذا لم يتوفر موقف خاص، يمكن ان يكون على الطريق العام شرط ان لا يتعرض ذلك للسلامة العامة».
■ أصحاب المقاهي والمطاعم بحسب المادة 75 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977 التي تنص: «يجوز لرئيس السلطة التنفيذية أن يرخص بالإشغال المؤقت أو بوضع البضائع مؤقتاً في الطرق والأماكن العامة أو بعرضها على جوانب الأرصفة والساحات العامة، وله أن يرخص أيضاً لأصحاب المطاعم والمقاهي بأن يضعوا طاولات ومقاعد وكراسي على أرصفة الطرق والساحات المذكورة.
■ الصيدليات، عبر تخصيص موقف للحظة وفق اتفاق بين نقابة الصيادلة ووزير الداخلية والمحافظ، ويتم تقديم طلب الترخيص إلى البلدية.
■ كما حدد قانون البناء رقم 646/2004 في المادة 19 فقرة 1 تخصيص مساحة للمرآب داخل المباني السكنية، وأجاز القانون نفسه في المادة 19 فقرة 4 بإنشاء مرآب إضافي وجامعي للعموم.
حدد المرسوم التطبيقي رقم 15874 لقانون البناء في المادة 15 عدد المواقف المتوجبة تبعاً لوجهة استعمال الأقسام ومساحتها. كما نص في المادة 16، الفقرتين الأولى والثانية، على شروط تأمين مرآب إضافي زيادة عن المرآب المتوجب قانوناً وشروط إنشاء مرآب جماعي للعموم. ونصّت الفقرة الثالثة من المادة 16 على إشغال الأملاك العمومية لإنشاء مرائب عمومية حيث يمكن الترخيص بإشغال الأملاك العمومية (غير البحرية) العائدة لكل من الدولة والبلديات من أجل بناء مرائب للعموم وإستثمارها لأجل محدد بعد موافقة المجلس الأعلى للتتنظيم المدني. ويتم الترخيص بإشغال الأملاك العامة بموجب عقود يجريها الوزير المختص، وتصدق بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على إقتراح الوزير المختص.
هل معاقبة مالك محل تجاري بسبب حجزه موقفاً بطريقة غير قانونية في شارع مكتظ للحفاظ على باب رزقه أمرًٌ منصف؟


■ كما نصت المادة 48 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية قانون رقم 60 تاريخ 12/08/1988 على تعيين المجلس البلدي (في بيروت تعود هذه الصلاحية إلى المحافظ كون السلطة التقريرية في المجلس البلدي تعود لمحافظ بيروت بموجب المادة 67 من قانون البلديات اللبنانية المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977) لأماكن وقوف السيارات والآليات في الاملاك العمومية البلدية، ويحدد معدلات الرسم تبعاً لمدة الوقوف، كما يعين طرق ووسائل تحصيله.
أما بالنسبة للعقوبة فنصّت المادة 49 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية رقم 60 تاريخ 1988/08/12 على أن يتعرض كل من يشغل ملكاً عمومياً بلدياً من دون ترخيص مسبق لغرامة تعادل مجموع قيمة رسمي الترخيص والإشغال علاوة على الرسوم الأساسية المتوجبة، بالإضافة إلى نزع ما هو مخالف.
أما قانون العقوبات اللبناني فقد نص في المادة 751 فقرة 2 على معاقبة كل من «سد الطريق العام دون داع ولا إذن من السلطة بوضعه أو تركه عليها أي شيء يمنع حرية المرور وسلامته أو يضيقهما» بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.



مشكلة أفراد؟
لماذا هذا العدد من المخالفات؟ هل هي مشكلة أفراد أم قانون؟ هل يمكن اعتبار معاقبة مالك محل تجاري بسبب اقدامه على حجز موقف بطريقة غير قانونية في شارع مكتظ للحفاظ على باب رزقه أمرًا منصفاً؟ وهل كان ارتكاب مثل هذه المخالفات عن حاجة أم عن سابق تصور وتصميم؟ وهل الدافع لارتكاب المخالفة هو نفسه عند الجميع؟ هل المؤسسات الخاصة التي تحجز شارعاً بأكمله لمنع الوقوف في الشوارع العامة محقة؟
ظروف عديدة تؤدي إلى الإقدام على ارتكاب المخالفات وفي ظل استفحال الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة قد يجد المواطن نفسه أمام حلول يعاقب عليها في القانون... في دولة القانون الغائبة.


محافظ بيروت «لقوننة» المخالفات
يعاقب القانون كل من سد طريقاً عاماً وكل من ترك عليه أي شيء (من دون إذن) يعيق المرور أو يضيّق الطريق. فأين مؤسسات الدولة اليوم، في ظل وجود العديد من المخالفات (التعدي على الأملاك العامة) التي يتم ارتكابها في شوارع بيروت؟
يوضح محافظ بيروت مروان عبود لـ «القوس» أن العاصمة تعاني من اكتظاظ سكاني. كما أن سوء التنظيم المدني الذي جاء نتيجة قوانين قديمة، كقانون البناء قبل تعديله الذي أجاز إلغاء المرآب من المباني السكنية، أدى إلى إنشاء العديد من المباني من دون مواقف، وهذا ما دفع سكان المبنى إلى التعدي على الأملاك العامة. ويُضيف: دبيروت بحاجة إلى إعادة تنظيم من أول وجديد. هناك أحياء يجب هدمها وإعادة بنائها، وإجراء دراسة حول كيفية استعمال المساحات العامة. كما يوجد العديد من المواطنين الذين يضعون مركبات قديمة على الطريق العام بغية استعمالها كمستودعات». ولا تقتصر المخالفات، بحسب عبود، على المباني السكنية لحجز مواقف أو أصحاب المحلات التجارية، بل أيضاً على المؤسسات الخاصة كالجامعات والمستشفيات وحتى الأحزاب: "الجامعة الأميركية مثلاً تضع عوائق على الأملاك العامة، وهناك أحزاب تفعل الأمر نفسه لأسباب أمنية. وهذا غير قانوني، إذ يرتبط بمسألة السيادة والدولة التي يجب أن تفرض القانون وأنظمتها ضمن أراضيها».

(هيثم الموسوي)

«الخوازيق وين ما كان» يقول عبود الذي يقوم بحملات لإزالتها غالباً ما تواجه مصاعب. بعد إزالة العوائق في الأحياء الشعبية يقوم المواطن بإعادتهم فور مغادرة القوى المولجة إنفاذ القانون. ويلفت المحافظ إلى أن لا صلاحية لحرس البلدية لإزالة المخالفات، لذلك يتم إرسال دائرة السير التابعة لمصلحة الهندسة رغم أن وضع الموظفين صعب ويواجهون صعوبة في الحضور إلى مكاتبهم. وتعود الصلاحية أساساً إلى شرطة بيروت وقوى الأمن الداخلي، «لكنهم لا يعيرون هذا الموضوع أي اهتمام علماً أننا نذكّرهم بأهميته. لكن، من جهة، وضعهم تعبان بسبب الوضع الاقتصادي، ومن جهة أخرى غالبية مرتكبي المخالفات من زعران الأحياء المدعومين». لذلك، يقوم المحافظ بمراعاة كل الأطراف ويلجأ إلى التفاوض مع المواطنين لإزالة المخالفات. إذا لم يكن هناك تجاوب يتم اللجوء إلى الوسائل الجبرية. ففي ظل انهيار البلد وعجز الدولة عن تأمين الكهرباء كيف ينكم إجراء ضبط في حق صاحب سوبر ماركت صغير لوضعه مولداًعلى الرصيف العام».
ولفت عبود إلى أنه يدرس إمكان إعطاء تراخيص مواقف لحالات معينة، كشخص لديه محل تجاري أو مطعم، من خلال التقدم بطلب ترخيص لموقف أو موقفين مقابل بدل سنوي. «بذلك فإن مصلحة الفرد والدولة محفوظة. تصبح المخالفة قانونية ونظامية ويتم تأمين مردود لصندوق البلدية». وأشار إلى أن البلدية كانت تتجه إلى بيع فضلات العقارات، أما «اليوم فلا نعتمد ذلك إلّا في حالات اضطرارية للإستفادة من الفضلات في إنشاء مواقف للسيارات في كل حي مما قد يؤدي إلى انخفاض عدد المخالفات.
كما أن هناك توجهاً قيد الدرس لفرض غرامات ورسوم على أصحاب أراضي بور يمكن تحويلها إلى مواقف في حال لم يستخدوها كمواقف عامة.