باتت «اللقمة» التي يحتاج رب العائلة إلى تأمينها يومياً لأولاده وعائلته «مغمّسة» بالتدافع تارة وبالتلاسن والتضارب بين اللبنانيين أنفسهم وبينهم وبين النازحين السوريين تارة أخرى، في مشهد لا يحمل في طياته إلا الذلّ للجميع. تتعدّد أسباب المشكلات، إلا أنّ أكثر ما يثير استياء اللبنانيين، إقدام بعض السوريين على شراء الخبز وبيعهم إيّاه بسعر «السوق السوداء». وفيما تجترح حلول من قبيل تنظيم صفوف عند أبواب الأفران للسوريين من جهة واللبنانيين من جهة ثانية، ترتفع بعض الدعوات إلى اعتصامات تطالب بترحيل السوريين كما حصل في مدينة بعلبك أول من أمس.
إقفال مخبزين
في بعض البلدات البقاعيّة ثمة حسابات خاصة للأزمات، وحيثيات ترتبط بالواقع الديموغرافي والاجتماعي ـ المعيشي. بلدة عرسال إحدى هذه القرى التي فرض عليها النزوح السوري واقعاً قاسياً. فالبلدة تحتضن ما يفوق الـ70 ألف نازح، عدا عن العراسلة المقيمين الذي يفوق عددهم الـ45 ألف نسمة. منذ أيام تعيش البلدة معاناة شحّ في رغيف الخبز، بعد إقفال مخبزين في البلدة وبقاء مخبز آلي واحد في الخدمة، لا يحصل على كمية الطحين الكافية لتلبية طلبات البلدة من الخبز.

وضعت أكثر من خطة لمنع تفاقم المشكلات (هيثم الموسوي)

فرن السماح، هو المخبز الآلي الوحيد الذي لا زال يواصل إنتاج الخبز لأكثر من 115 ألف نسمة، ويفتح أبوابه للتسليم ليلاً، كما يؤكد حافظ الحجيري صاحب المخبز، موضحاً أن مخبزه يعمل بطاقته القصوى ولا يمكنه تأمين كامل احتياجات المقيمين إلى الخبز بعدما قلّصت وزارة الاقتصاد والتجارة كمية الطحين التي تُسلّم إليه من 207 أطنان شهرياً إلى 90 طناً. هذه الكمية لا تتيح له أن يفتح الفرع الآخر للفرن «إلا إذا رفعت الوزارة كمية الطحين».
وعليه، مع تقلّص كمية الطحين إلى ما دون النصف واقتصار تصنيع الرغيف على فرن واحد الأمر، بدأت المشكلات تقع بين المنتظرين عند باب الفرن، وتزداد حساسيتها إذا وقعت بين ابن عرسال وبين نازح سوري «حتى اليوم تُحلّ هذه الخلافات بالتي هي أحسن ولكننا نخشى من أن تتطوّر».
ويُعيد بعض أبناء البلدة استياءهم من السوريين إلى فترة زمنية مضت (قبل أشهر)، مع مزاحمة السوريين للبنانيين في المحلات التجارية والبيع بأسعار تنافسية «يستقدمون بضائعهم من سوريا ويبيعونها بأسعار أرخص». وقد أقدم عدد من الشبان العراسلة على إقفال محلات وتكسير دراجات للسوريين ومنهم من طالب بمغادرتهم إلى بلداتهم السورية.

رفع كمية الطحين
هذه الخشية يعبّر عنها الطرفان، ويقترحان لها حلولاً كلّ على طريقته.
يشير رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري إلى اتصالات مكثفة أجراها مع مسؤولين «لم تعط ثمارها، رغم أننا لم نطالب إلا بإعادة الكميات التي كانت تسلّم إلى المخبز الآلي الوحيد في عرسال كما كانت سابقاً». ويُطالب وزارة الاقتصاد تحمّل مسؤولية تسليم الطحين مع مراعاة أعداد المقيمين في البلدة «إذ لا يمكن أن تتساوى بلدة تحوي أكثر من 115 ألف نسمة مع بلدات صغيرة لا يقطنها أكثر من 20 ألف نسمة».
أحد أبناء عرسال طالب الجهات المانحة ومفوضية الأمم المتحدة المسارعة إلى تسليم النازحين الخبز أو الطحين، وهو ما طالب به أيضاً نازحون سوريون المفوضية «بعدما بات صعباً تأمين الخبز».

اقتراحات حلول
يؤكد إبراهيم المسلماني، رئيس لجنة صوت النازح السوري في عرسال على تفاقم الخلافات مع أبناء عرسال «وبات السوريون يتعرّضون إلى الإهانة والكلام المسيء في كلّ مرة ينتظرون فيها الحصول على ربطة خبز، ونسعى دائماً إلى التواصل مع الأخوة والوجهاء في عرسال من أجل المساعدة في درء الفتنة». يذكر أن النازحين السوريين في عرسال كانوا يحصلون من إحدى الجمعيات على كيس طحين يؤمن حاجة نحو 30% منهم، ولكن هذه المساعدة توقفت. «طرحنا فكرة ترشيد استهلاك الخبز، وأوصينا باعتماد الطبخات التي لا تحتاج إلى الخبز، ورغم ذلك لا زلنا نشهد استفزازات ومشكلات يومية.
أقفل مخبزان في البلدة ولم يبقَ إلّا وحداً لا يحصل على كمية طحين كافية

كما طلبنا من صاحب الفرن تخصيص وقت محدّد للسوريين، ووضعنا بعض الخطط والآليات لنكون جزءاً من الحلّ، لكن أول من أمس لم يسلّم للسوريين ولا ربطة، وخصص البيع في الفرن للبنانيين وأصحاب فانات التوزيع». المسلماني أكدّ على «التواصل المستمر مع المفوضية عبر مكتب زحلة ومسؤولة مكتب عرسال ولم نحصل بعد على جواب شاف علماً أن مطالبنا لا تتعدى الإسراع في معالجة أزمة الطحين عند النازحين السوريين في عرسال».
وعلمت «الأخبار» من مصادر في وزارة الاقتصاد والتجارة أن حصة عرسال بالفعل تقلّصت لفرن السماح، إلا أنه في المقابل هناك أيضاً من لا يزال يتسلّم بونات طحين ولكنه يعمد إلى تهريبها وبيعها إلى سوريا، ويحقّق أرباحاً أفضل من خبزها إذ يتسلم كيس الطحين بـ400 ألف ويبيعه بمليون ليرة».