للمرة الأولى منذ وقت طويل، تعيش عصابات الجريمة التي تستوطن الضاحية الجنوبية لبيروت، أسوأ أيامها. من المبكر الادّعاء أن المنطقة تتعافى أمنياً في ظلّ الخطة السارية المفعول، إنما يمكن القول إن نسبة الاعتداءات، وفقاً لما تظهره بيانات مختلف الأجهزة، في تراجع مستمرّ مقارنة بالأشهر التي سبقت انطلاق العملية.«الخطة الأمنية» التي تحافظ على وتيرة تصاعدية، تقوم بحسب مصادر متابعة على عملية استنزاف مستمرّة وطويلة لتحقيق «الأمن الاجتماعي». وفي هذا الإطار تكشف مصادر منخرطة في العملية لـ«الأخبار»، أنه ومنذ منتصف أيار الماضي حتى أواخر حزيران الجاري، تمكّنت استخبارات الجيش من توقيف 70 مطلوباً، من خلال مداهمات أو عمليات دقيقة، من بينهم 13 صُنّفوا من ضمن المطلوبين الخطيرين، 3 منهم يُعدّون من بين «بارونات» سرقة الدراجات النارية في الضاحية، و3 آخرون من مروّجي المخدرات المختصين في استهداف طلاب المدارس والجامعات، وشخص آخر ينشط بأعمال المراهنات ويُعتبر من أهم المطلوبين وأخطرهم في هذا المجال.

اعترافات سارقي الدرّاجات
تُعدّ سرقة الدراجات النارية آفة في الضاحية الجنوبية. غالباً ما يكون السارقون منخرطين ضمن عصابات أكبر، بالتنسيق مع تجار آخرين يتحصّنون في داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ولا سيما في برج البراجنة وصبرا وشاتيلا. تباع الدراجة المسروقة غالباً إلى «التاجر» بمبلغ يُراوح بين مليونين وثلاثة ملايين ليرة لبنانية، بالنسبة إلى الدراجة الصغيرة الحجم 50cc (سعرها في السوق يُراوح بين 600 إلى 900 دولار أميركي) فيما يرتفع سعر الدراجات ذات القياس الأكبر.
في حوزة الأجهزة الأمنية جداول بأسماء «بارونات» سرقة الدراجات، الذين يتوزّعون مركزياً في مناطق برج البراجنة، الليلكي وحي السلم، صحراء الشويفات ومحيطها، وهذا لا يلغي وجود أفراد ينشطون في مناطق أخرى كحارة حريك والصفير وغيرهما. وقد تمكّنت استخبارات الجيش من توقيف 4 من أبرز سارقي الدراجات، قدّموا اعترافات خلال التحقيق معهم بإشراف القضاء المختص.

سرق 500 درّاجة
يعدّ م.ص (مواليد عام 1991) من أبرز السارقين. أوقف منتصف الشهر الجاري، واعترف بأن عدد المسروقات لديه تخطّى 500 دراجة نارية، كان يبيعها إلى «تاجر» مقيم في مخيم برج البراجنة. كما اعترف بإقدامه على إنجاز العديد من السرقات باستخدام السلب والنشل على متن دراجات كان يقوم بتبديلها دورياً. اكتشف عناصر مديرية المخابرات بعد عمليات رصد وتدقيق، وجود «مسلك» جانبي يستخدمه في التنقل إلى المخيّم وإيصال مسروقاته، وظهر أنه يُستخدم في تأمين المسلك أفراداً مقيمين في المنطقة. وبعملية دقيقة، تمكّنت دورية من المخابرات من أن تكمن له عند المسلك، بعد إقفاله، لتلقي القبض عليه.
يُدعى ع.ق (مواليد عام 1986) وأوقف منتصف الشهر الجاري. ينشط في سرقة الدراجات النارية بشكل محترف وغير مألوف، حيث يظهر للمحيط أنه يقوم بنقل الدراجة لصيانتها، وفي حال صودف أن سُئل من قبل أحد المتواجدين، يكون جوابه بأنه ينقل الدراجة بناءً على طلب صاحبها.
وبحسب بيانات التحقيق، اعترف بأنه يستعين بشبكة تعمل لديه ومَهمتها اختيار الدراجة ومراقبتها ورصد صاحبها وتأمين ظروف سرقتها والتدخل في حال لزم الأمر. كما اعترف بأنه يضع الدراجة المسروقة في «التوك توك» العائد له ثم ينقلها إلى مكان آمن، حيث يلتقي بسيارة من نوع «فان» تتولى نقلها إلى منطقة البقاع لصالح المدعو ع.أ، ويقوم الأخير بإرسال المسروقات إلى الأراضي السورية.

التباهي بالاحتراف
مطلع الشهر الجاري، أوقفت دورية من المخابرات المدعو ن.ز (مواليد عام 1985). والأخير خصّص لنفسه منطقة نشاط لسرقة الدراجات النارية تتمركز في محلتَي حي السلم والليلكي، ويُعدّ من أشهر سارقي الدراجات في هذه المنطقة تبعاً لأشرطة الفيديو العديدة المتوفّرة لعملياته، والتي تم تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. اعترف بأنه «محترف سرقة دراجات». وبدا الموقوف أمام المحقّقين وهو يتباهى بقدرته على السرقة في الظروف الصعبة وخلال وقت قصير.
أما م.ي (مواليد عام 1985) فكان يتفق مع سارق يتولى المهمة، فيما يتحول هو إلى تاجر «يساعد الناس» من خلال بيعهم الدراجات (المسروقة) بأسعار أقلّ من السوق بعد أن يوهمهم بأنها قانونية. حيلة المطلوب الذي أُوقف قبل أيام، تقوم على استخدام براعته في التزوير، على «أوراق الحجز»، فيقوم بختمها وتوقيعها بخط يده.

بيع الممنوعات
أسهم تسلسل الأحداث، خلال «عملية البقاع» التي استهدفت القبض على أحد أكبر تجار المخدرات «أبو سلة»، في تسريع ملاحقة المتورطين ضمن الضاحية. من بين المستهدفين كان شبكة تتألف من ن.ق (مواليد عام 1991) وح.ف (مواليد عام 2004) يعاونهما سوري يدعى أ.ش (مواليد عام 2003). اعترف هؤلاء بأنهم يستهدفون في عمليات الترويج والإتجار، فئة طلاب المدارس والجامعات. كانوا ينتشرون على مسالك يستخدمها الطلاب، عبر الإيحاء بأنهم يبيعون الخُضر عبر «عربة» ثم يقومون ببيعهم الممنوعات، في حين تتولى مجموعة أخرى عمليات الإيقاع بطلاب ليتحولوا لاحقاً إلى «زبائن». بحسب اعترافات الموقوفين الثلاثة، قالوا إنهم يمتلكون سجلّات بأسماء الطلاب المدمنين المتواجدين ضمن نطاق عملهم، فيقومون بالاتصال بهم من خلال هاتف خلوي قديم (غير ذكي) والاتفاق معهم على الالتقاء عند المسلك.
اعترف مروّجو مخدرات أنهم يستهدفون فئة طلاب المدارس والجامعات

كذلك اعترفوا بأنهم يديرون مجموعة من الشبان مهمتها تأمين الحماية لقاء بدل مادي. ومن بين المهام رصد أي حركة مريبة بجوار المنطقة والإبلاغ عن أي عنصر أمني يتواجد فيها. اعترف الموقوفون أيضاً بأنهم يعملون لصالح كلّ من المطلوب ع.ز الملقب بـ«جبران»، و ع.ز أيضاً، الملقب بـ«الحاج».

ضحايا المراهنات بالمئات
تُعدّ المراهنات واحداً من الأساليب المبتكرة التي تحوّل الكثير من الشبّان إلى ضحايا. ومنذ دخول البلاد في أزمة تحوّلت هذه المهنة إلى وجهة لكسب المال بأسهل الطرق. صنّفت الأجهزة الأمنية المدعوّ م.م (مواليد عام 1975) من أبرز الأشخاص الذين ينشطون في هذا المجال رغم امتلاكه لشبكة توزيع إنترنت غير شرعي ومولّدات كهربائية في منطقة الصفير. وقد تجاوز عدد ضحاياه المئات، بعدما ألّف عصابة لتحصيل الأموال منهم من خلال اللجوء إلى الاعتداء وإطلاق النار، ما حمل كثيرين من ذوي الضحايا على بيع ممتلكاتهم بهدف إنقاذ أرواح أبنائهم. بحق الموقوف مذكّرات توقيف، ونشرات قضائية. وقد اعترف بما نُسب إليه أمام المحقّقين.

فرض خوّات
وكان لظاهرة حصتها من التوقيفات، وطاولت ع.ض (مواليد عام 2002) الذي حوّل محيط الرحاب/ صبرا/ شاتيلا إلى مركز لنشاطه إلى جانب أنشطة أخرى تولّاها كإدارة عصابة مسلّحة مختصّة في عمليات تشليح وسلب، بالإضافة إلى قبض خوّات من مروّجي مخدرات ينشطون ضمن «منطقته». أُوقف من قبل دورية «متخفّية» من مديرية المخابرات بعد الإطباق عليه. اعترف بأنه كان يتخذ مخيم شاتيلا وجهة إقامة احتياطية عند شعوره بالخطر الأمني، وبأنه كان يستهدف عمالاً سوريين غالباً بعمليات النشل من خلال ضربهم باستخدام «عصا».
في منطقة الليلكي حيث تنتشر المظاهر المسلّحة عبر الاستقواء أيضاً بحالات اجتماعية مماثلة، قامت مجموعة مسلّحة أفرادها من المقنّعين باستعراض عسكري تخلّله إطلاق نار. وبحكم عمليات الرصد، بات في حوزة الأجهزة الأمنية والعسكرية هُويات الأشخاص المشاركين في الاستعراض، عُرف منهم ع.س (مواليد عام 1993) و ح.ز (مواليد عام 1987)، وقد تم توقيفهما، ليعترفا أمام المحقّقين بضلوعهما في عملية الانتشار المسلّحة التي نُفِّذت.