لدى الحديث عن تداعيات الأزمة الاقتصادية على الأطفال، تثار غالباً قضيتا الصحة والتعليم فيما تغيب الصحة النفسية عن الواجهة. غير أن انعكاسات الأزمة النفسية على الأطفال، ولا سيما الفقراء منهم، ليست هامشية لدى فئة انقلبت حياتها رأساً على عقب فجأة من دون أن تدرك أسبابها."مؤلم جداً أن ترى طفلاً يبكي بشدة لأن والده لم يستطع أن يشتري له لوح شوكولا، فكلّ ما يملكه الأب يكفي لشراء ربطة خبز واحدة". بحرقة، يروي عماد وهو صاحب ميني ماركت هذه القصة، التي تتكرّر داخل محله بين فترة وأخرى. "الله يعين الفقير وابن الفقير، شو بدن يشتروا؟" يسأل عماد، الذي سئم من إعادة عبارة "عمّو، مصرياتك ما بكفوا" لزبائنه من الأطفال الذين باتوا يواجهون صعوبة في شراء بعض حاجاتهم من الشوكولا والسكاكر وبطاطا التشيبس، بعدما ارتفعت أسعارها بشكل كبير، حتى"البونجيسة" التي كانت "مضرب مثل" نسبة إلى صمود سعرها على الـ 250 ليرة لسنوات طويلة، بات ثمنها حالياً 5000 ليرة.

صيفية منزلية
في السابق، كان الأهل يبحثون عن وسائل مختلفة للترفيه عن أولادهم خلال إجازة الصيف. حالياً، مجرد التفكير في الأمر، بات أمراً مزعجاً لهم. زيارة المطاعم وصالات السينما والمسارح والمسابح لم تعد طقساً عادياً بالنسبة إلى كثير من العائلات اللبنانية، بل صارت أمراً يصعب تحمّل تكاليفه. البحر، والذي كان من المفترض أن يكون المتنفس الأول للبنانيين، أصبح ممنوعاً على الفقراء بعدما تحوّل بأغلبه إلى أملاك خاصة، أما الشواطئ المجانية، فكثير منها غير صالحة للسباحة نتيجة تلوّث مياهها. حتى النوادي والملاعب الرياضية بات الاشتراك فيها واستئجارها مهمة غير يسيرة للعديد من الأولاد نتيجة ارتفاع أسعار الاشتراكات.
خشية من أن تحوّل الأزمة أطفال اليوم إلى جيل هاجسه جمع المال


هذا العام، وعلى عكس الأعوام السابقة، لم ترسل سوسن ولديها إلى أكاديمية مخصّصة لكرة القدم، بعدما اشترطت الأخيرة دفع رسوم التسجيل بالدولار أو ما يعادلها على سعر الصرف. "بس شوف ولاد الجيران لابسين تياب الفوتبول ورايحيين عالأكاديمية بيتقطع قلبي وأنا مش قادرة سجّل ولادي"، تقول سوسن، التي لم تعد تعارض كثيراً خروج ولديها للعب في الشارع المقابل لمنزلها بعدما كان هذا الأمر ممنوعاً عليهما سابقاً. تقول بحسرة: "مش معقول يضلن مزروبين بالبيت كل الوقت، الله يعين الولاد بهالزمن الصعب". قلّة الحدائق العامة وانعدام المساحات الخضراء الواسعة وخصوصاً في بيروت وضواحيها يزيدان من صعوبة الترفيه عن الجيل الجديد، ما يجعل من الشوارع أماكن لهوهم ولعبهم رغم ما يحمله هذا الأمر من خطر على سلامتهم العامة.

مواجهة مبكرة
مشاهدة الأطفال لمعاناة أهلهم اليومية من أجل تأمين الحاجات الأساسية، بالإضافة إلى تراجع مستوى معيشتهم وتقلّص وسائل ترفيههم، أمور لها انعكاسات نفسية سلبية على الأطفال بحسب الاختصاصي النفسي الدكتور نبيل الخوري، الذي يشير إلى أن أطفال اليوم معرّضون بدرجة كبيرة للاكتئاب ونوبات القلق نظراً إلى ما يواجهونه من ضغوطات وصعوبات. ورغم أنه يفترض بهم أن يعيشوا طفولتهم وأن يتحضّروا بهدوء لمواجهة تحديات المستقبل، فإذا بهم يواجهون هذه التحديات بشكل مبكر.
يذكر الخوري أن التفاوت الطبقي الحاصل حالياً ستكون له انعكاسات عديدة مستقبلاً، لأن الأطفال يعملون وفق قاعدة المقاربة والمقارنة، وبالتالي رؤية رفاقهم يتمتعون بأمور هم محرومون منها، ستزيد لديهم من مشاعر الحقد والغيرة، وهذا ما سينعكس سلباً على سلوكهم المستقبلي. ما يخشاه خوري أن تحوّل الأزمة الاقتصادية أطفال اليوم إلى جيل هاجسه الأول والأوحد جمع المال، فالمحروم من الشيء سيسعى بشتى الأساليب إلى تعويض حرمانه ولو كان ذلك أحياناً من خلال تصرّفات خاطئة تناقض القيم والأخلاق. انطلاقاً من هذه المعطيات، يطالب خوري بإيلاء الإرشاد النفسي داخل المدارس أولوية قصوى خلال هذه الظروف الصعبة، ومعالجة الحالات النفسية للطلاب قبل أن تسوء أكثر، وتشجيعهم على التعبير عن مشكلاتهم والإفصاح عن مكنوناتهم الداخلية.