مع وصول الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة عاموس هوكشتين إلى بيروت، تنطلق الجولة الجديدة من المفاوضات الفعلية مع الولايات المتحدة بشأن معالجة مشكلة ترسيم الحدود البحرية مع العدو. وبحسب ما هو مؤكد على لسان مرجعيات كبيرة معنية، فإنّ آلية التواصل ومقاربة الملف باتت مختلفة تماماً عن المرحلة السابقة. وقد بات واضحاً أن المسار يقوم على الآتي:أولاً، اتفاق على ترك الإدارة العليا للملف للرئيس ميشال عون، وهناك تفاهم واضح بين قيادتَي أمل وحزب الله على السير خلف الرئيس عون، وهو الموقف نفسه الذي أكده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وبناءً عليه، تم الاتفاق على إعادة تنظيم العمل، بحيث يكون هناك تشاور مباشر ومفتوح بين عون وميقاتي، وتشاور غير مباشر مع الرئيس نبيه بري وحزب الله من خلال نائب رئيس المجلس إلياس بوصعب والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، على أن يصار في اليومين المقبلين الى إعادة تنظيم العلاقة مع قيادة الجيش، لتحديد دورها التقني، والسعي الى عدم صدور أي مواقف ذات بعد سياسي من قبل ضباط حاليين أو سابقين أو شخصيات قريبة أو محسوبة على قائد الجيش، وخصوصاً أن المواقف التي تُعلن تظهر كأن هناك في الحكم من يريد التفريط بحقوق لبنان.
ثانياً، تم التفاهم على سقوف تشكل خطاً أحمر لا يقبل لبنان تجاوزه تحت أي اعتبار، وهي تشمل رفض أي اقتراح أميركي بتكليف شركة أميركية أو من جنسية أخرى أعمال التنقيب في المناطق المتنازع عليها، وبالتالي رفض مطلق لفكرة الصندوق الاستثماري المشترك بين لبنان والعدو، وكذلك رفض فكرة الخط المتعرج، بينما المطلوب الاتفاق تقنياً على نقطة برية يجري على أساسها رسم الخط المستقيم داخل البحر. ولبنان يتصرّف على أن الخط 29 هو خط تفاوضي لكن بما لا يقود أبداً الى التراجع عن الخط 23.
ثالثاً، التفاهم على إبلاغ الجهة الأميركية الوسيطة والجهات الغربية والشركات العاملة في هذا الملف أن هناك عواقب كبيرة ومخاطر جدية لأي محاولة لبدء العدو في استخراج النفط قبل الاتفاق مع لبنان الذي لا يمكن أن يقبل بحرمانه من التنقيب، فيما يحقّ لإسرائيل ذلك، سواء في المنطقة المتنازع عليها أو غيرها.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن مشاورات مكثفة جرت الأسبوع الماضي معظمها بعيد عن الأضواء، واتفق على أن يقود الرئيس عون المهمة من دون الخضوع لكل أشكال الابتزاز أو المزايدات أو محاولات حشر لبنان لجرّه الى تنازلات أو الى مواجهات غير محسوبة، فيما أكّدت قيادة المقاومة للجهات المعنية في لبنان أنها جاهزة لتحمّل المسؤولية ربطاً بالموقف الذي يصدر عن الحكومة.
الردّ على اقتراح هوكشتين يستند إلى رأي رئيس مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش


وعليه، أكّدت أوساط معنيّة بالملفّ أن هوكشتين «سيستمع إلى موقف لبناني موحّد» على اقتراح الخط 23 معدلاً الذي قدّمه الى لبنان في شباط الماضي. وأوضحت أن الردّ اللبناني على اقتراح هوكشتين يستند في جوهره إلى تقييم رئيس مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني المقدم عفيف غيث الذي كُلّف من قيادة الجيش، بعد إحالة رئيس الوفد المفاوض العميد بسام ياسين إلى التقاعد، حضور الاجتماع الفني - التقني في قصر بعبدا في آذار الماضي لدرس اقتراح هوكشتين. وأكّدت أن أحداً لم يعرف بعد ما في جعبة هوكشتين الذي تبلّغ قبل حضوره بأن على العدو وقف العمل في حقل كاريش.
وكان بري قد غاب عن اجتماع القصر الجمهوري السبت بين عون وميقاتي، في حضور بوصعب وإبراهيم. المصادر أكّدت أن موقف رئيس المجلس «مطابق» لموقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالوقوف وراء أيّ قرار يتخذه رئيس الجمهورية، وأنّ أحد المعنيين بالتنسيق تواصل معه بعد الاجتماع لوضعه في أجواء ما دار فيه «والتنسيق يتم خطوة بخطوة». فيما قالت مصادر عين التينة إن عدم حضور بري سببه عدم حصول أي تطور إضافي على ما تم التوافق عليه سابقاً بين أركان الدولة، سواء حيال ملف الترسيم البحري وضرورة اعتماد اتفاق الإطار كـ«نقطة ارتكاز»، أو لجهة ثوابت لبنان في نيل كل حقوقه. وأشارت إلى أن لبنان يتقدم باتجاه تحصيل حقوقه، وأحد وجوه التقدم حصول «شبه إقرار» من الجانب الأميركي بالخط 23 كمرتكز للحق اللبناني، وأن لبنان «قفز فوق خط هوف». فيما دعت مصادر رسمية في الوفد المفاوض إلى إدراج بدء العدو الإسرائيلي خطوات لإطلاق دورة التراخيص الرابعة في البلوكات الغازية في مياه المتوسط كبند على جدول أعمال لقاءات الوسيط الأميركي، كون جزء من هذه البلوكات يقع في المياه المتنازع عليها.



إسرائيل تهوّل رداً على تهديدات نصرالله
عشية وصول الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، اختارت إسرائيل أن توجه رسائل تهويلية إلى لبنان، وأوكلت المهمة إلى رئيس أركان جيشها أفيف كوخافي الذي كرّر، إلى حدّ كبير، التهديدات التي أطلقها مطلع السنة الماضية أمام مؤتمر معهد أبحاث الأمن القومي, في رد يومها على كلام للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
ولعل أبرز ما تكشفه رسائل كوخافي هو أن إسرائيل - إلى جانب محاولة الضغط على المسؤولين اللبنانيين لتقديم تنازلات للمبعوث الأميركي - تدرك جدية المقاومة وتصميمها على منع كيان العدو من فرض وقائع في ما تحدّده الدولة اللبنانية مناطق متنازع عليها، وتسعى إلى إنتاج قدر من التوازن في الصورة بعد كلام نصرالله الخميس الماضي وتحذيراته للعدو، والتي أظهرت أن لبنان الرسمي يستند إلى عناصر قوة لا تقل أهمية عما تملكه إسرائيل، خصوصاً أن إسرائيل والولايات المتحدة والعالم الغربي أكثر من يحتاج إلى الاستقرار الأمني في هذه المنطقة من البحر المتوسط لتوفير البيئة الملائمة لاستخراج ثرواته الطبيعية. ويبدو أن ما تخشاه إسرائيل هو أن يتمسك المسؤولون اللبنانيون بحقوق لبنان البحرية بالاستناد إلى التوازن الذي أحدثته المقاومة في المعادلة.
وتقاطعت مواقف كوخافي مع رسائل لرئيس شعبة العمليات اللواء عوديد بسيوك، في مؤتمر الجبهة الداخلية، تحدث فيها عن حجم الدمار في لبنان في حال نشوب حرب، متغافلاً عن حقيقة أن المقاومة أصبحت قادرة على إحداث دمار مشابه وبنسب أكثر خطورة ضد المنشآت الاستراتيجية في إسرائيل. وهو ما تقرّ به كل التقارير والقيادات الإسرائيلية. وتشكل هذه المواقف مؤشراً على ما قد تشهده وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام المقبلة من تقارير تنطوي على رسائل مشابهة انسجاماً مع الخط الذي حدده كوخافي وبسيوك.