لأن «القاعدة» هي أن أي ماروني هو «مرشح طبيعي» للرئاسة، يكثر المرشحون في البترون ذات الغالبية المارونية. قبل سنوات، كان المرشح الأبرز بطرس حرب الذي شكل ركناً أساسياً في المشهد البتروني منذ نهاية الستينيات. لكن، على غرار البيوت والزعامات الفردية، كان مصير زعامته الانحسار عاجلاً أو آجلاً. المحامي الناجح لم ينزع عن نفسه صفة «وريث الإقطاع» حتى بعد التحاقه بجبهات المعارضة للوجود السوري في لبنان. إرثه وطرح اسمه دوماً للرئاسة لم يكونا كافيين لضمان استمرار الزعامة الحربية التي كادت تدخل عامها المئة. مقاطعة حرب للانتخابات النيابية الأولى بعد الحرب عام 1992 مع زميله الكتائبي جورج سعادة، زادت من شعبيته مسيحياً. ومنذ عام 1996، حجز تمثيل البترون حتى عام 2018، عندما خسر للمرة الأولى أمام جبران باسيل. في الانتخابات الأخيرة، لم يتمكّن نجله مجد من الفوز بعد تحالفه مع حزب الكتائب ومستقلين. بحسب مقربين، فإن «الشيخ بطرس بالغ في تماهيه بحركة 14 آذار، حتى بات أبناء مناصريه ينجذبون مباشرة إلى الكتائب والقوات وحركات المجتمع المدني ويقلعون عن وراثة ولاء أهاليهم». عززت انتخابات 2022 محاصصة البترون بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بعد عقود من المداورة حزبياً وعائلياً. منذ انتخابات 2005، لم تغب القوات عن أحد المقعدين النيابيين، فيما ورث باسيل مقعد حرب منذ 2018 في المدينة التي تشكل، مع زغرتا وبشري، أحد أطراف مثلث «نادي المرشحين» للرئاسة. لذلك، كان هدف القوات الأساسي، مع بقية حلفائها، في الانتخابات الأخيرة، «كسر» باسيل في إطار إلغائي استحضر معارك الكتائب والأحرار ضد المردة في السبعينيات في شكا وحامات وراسنحاش. نجح خصوم باسيل في بعض جولات المنازلة في وجهه، وخسروا في بعضها الآخر. في انتخابات 2005، خسر الانتخابات أمام القوات وحرب، رغم «تسونامي» ميشال عون، حظي على مستوى القضاء وخسر على مستوى الدائرة التي ضمّت حينها الكورة والمنية والضنية وبشري وطرابلس وزغرتا. عندما صغرت الدائرة الى قضاء في 2009، خسر أيضاً. لكن في 2010 و2016، فاز مرشحوه بالانتخابات البلدية. ورغم فوزه بالنيابة في الدورتين الماضيتين، إلا أن شعبيته تراجعت من أكثر 12 ألف صوت تفضيلي في 2018 (منهم 1750 في مدينته البترون) الى 8922 صوتاً في 2022 (منهم 1309 أصوات في البترون).
يعيد غابي مارون السبب إلى «تحالفه مع حزب الله وإبرام تحالف مار مخايل وهو ما خسّره انتخابات 2009 التي جرت على مستوى القضاء». هكذا، من دون لف ودوران، يستعرض«المزاج الطائفي المسيطر في المنطقة، ولا سيما على جيل الشباب». الناشط وابن مختار البترون يوسف مارون (عين عام 1975)، يقرّ بأن باسيل «أدى دوراً رئيسياً في البترون منذ ترشحه للمرة الأولى إلى الانتخابات البلدية عام 1998 ضمن لائحة شبابية. حينها حصل على 500 صوت من أصل 2700.
تماهي بطرس حرب مع 14 آذار «أرشد» أبناء مناصريه إلى الكتائب والقوات

بعد 6 سنوات أعاد الكرّة وكان قد أصبح صهر الجنرال (ميشال عون). نال ألف صوت من أصل 3 آلاف. بعدما صار وزيراً منذ 2011، أمّن مشاريع وخدمات كثيرة للقضاء برمته، عبر الوزارات التي شغلها هو والعونيون. وللمدينة بشكل خاص عبر البلدية المحسوبة عليه». إنجاز مشروع أوتوستراد البترون أو طريق القدّيسين وشبكات إضاءة بالطاقة الشمسية وتأهيل المدينة الأثرية وتنشيط السياحة فيها حتى صارت قِبلة سياحية رئيسية (...). كما قام بحركة توظيف هائلة على مستوى المنطقة، فيما القوات ما عملت شي». مع ذلك «الناس مشيت خلف السياسة بمعزل عن الخدمات» قال مارون. الأخير نفسه كان مقرّباً من «جاري جبران». لكنه اختلف معه وانخرط في صفوف المجتمع المدني عقب 17 تشرين. لكن «نكاية به وبالعونيين بسبب أخطاء ارتكبوها»، وافق مارون على إدارة ماكينة القوات الانتخابية لمصلحة منافس باسيل، غياث يزبك. يرى مارون أن مواقف الكنيسة المنتقدة لسياسات فريق رئيس الجمهورية ميشال عون «أثرت سلباً على شعبية باسيل. حتى أصبح غير مقبول عند بعض المسيحيين بسبب التحريض عليه من بوابة حزب الله والسلاح غير الشرعي ومحور الممانعة، الأمر الذي خدم القوات والمجتمع المدني اللذين جذبا الكثير من مناصريه». ويؤكد مارون على تأثير الكنيسة العميق في السياسة البترونية: «البيئة المارونية متزمّتة ومحافظة. وما زاد من التصاق الأهالي بها، وقف الكثير من أملاكها لمصلحة الأديرة. حتى غدت 20 في المئة من أراضي القضاء أوقافاً». لذلك، المزاج الطائفي والانعزالي راقَهُ خطاب القوات. لكنها أيضاً تراجعت من دورة إلى أخرى لأن «طبيعة البترونيين لا تلتزم بالأحزاب، وإنما تتماهى مع الجو العام».