مع تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان، ارتفعت معدلات الجرائم بشكل كبير، لا سيما جرائم السرقة والنشل التي استهدفت المواد الغذائية، والأدوية، وحليب الأطفال. هذا الواقع انعكس على الأطفال كما على البالغين. فمع ازدياد معدلات الفقر ومع التسرب المدرسي، أصبح الأطفال أكثر عرضة للانحراف والتورط في النشاطات الاجرامية. تعتبر التجارب الشخصية للأطفال، والعلاقات الأسرية، والعنف في دوائرهم الاجتماعية، وغيرها، من العوامل المساهمة في «جنوح الأحداث». فغالبًا ما يكون الأطفال المشتبه بهم من خلفيات محرومة، أكثرهم يواجهون اضطرابات نفسية، يمكن أن تتفاقم بسبب الاحتجاز والتوقيف في مراكز الشرطة. لذلك، هناك حاجة ملحّة لتحسين عملية استجواب الأطفال المشتبه بهم لتجنب الأخطاء المحتملة لإخفاق العدالة. بغض النظر عما إذا كان الطفل الذي يتم استجوابه ضحية، أو شاهداً، أو حتى مشتبهاً به، فهو طفل بشكل أساسي. وهذا يعني إن نمو دماغه ونضجه العاطفي مختلفان عن الشخص البالغ. يستخدم الأطفال أدمغتهم بطريقة مختلفة عن البالغين، وهم أكثر عرضة للتصرف على أساس الاندفاع، من دون النظر بشكل كامل في عواقب قراراتهم أو أفعالهم. هذه الاختلافات في النمو لها تأثير كبير على عملية استجواب الأحداث. على وجه الخصوص، يوجد خطر متزايد من أن الأحداث المشتبه فيهم سيعترفون زوراً عندما تضغط عليهم الشرطة أثناء عملية الاستجواب، ما يمكن أن يجعل أي «حدث» عرضة للإدلاء ببيانات لا إرادية أو غير موثوقة أثناء المقابلات والاستجوابات، لا سيما إذا لم يتم استخدام تقنيات استجواب معينة كالأساليب الدقيقة المنصوص عليها في «بروتوكولات استجواب الأحداث»، التي تزود المحققين بالإجراءات القانونية لاستجواب الاحداث، وتتوافق مع قيود نضجهم وتطورهم العاطفي، وحمايتهم من الإكراه أو التخويف. سيستعرض هذا المقال عدداً من الاعتبارات المهمة اثناء التحقيقات مع الاحداث، مثل أسلوب الاستجواب، ومدة جلسة الاستماع، وتوثيق الجلسة، ونوع الأسئلة التي يفترض تجنبها، وغيرها.
في غرفة التحقيق، جلس رامي (١٣ عاماً) على كرسي. طوى ذراعيه، وحدّق في الأرض. يبدو أنه حذر ومتوتر بعد أن أخبره الضابط المحقق انه مشتبه به بالتورط في جريمة نشل وقعت الليلة الماضية في حي قرب مدرسته. يبدأ الضابط بطرح بعض الأسئلة، لكن رامي لا يزال مترددًا في التواصل، ويتفاعل منذ البداية بنفي شديد للجريمة التي أسندت اليه.
لحسن الحظ، يدرك الضابط المسؤول عن التحقيق أنه يفترض استخدام أساليب خاصة عند إجراء مقابلات مع الأحداث المشتبه بهم، للتأكد من أن المعلومات والافادات التي يقدمونها طوعية وموثوق بها. بناء «علاقة صادقة وحقيقية» يعد خطوة أولى حاسمة في العلاقة مع رامي. هكذا يبدأ المحقق بطرح أسئلة على رامي حول المدرسة ومواضيع محايدة أخرى، ويتشارك معه المعلومات عن نفسه. لبناء الثقة، يكون الضابط صادقًا بشأن الغرض من المقابلة، لكنه يؤكد أيضًا لرامي أن المقابلة ستُجرى بطريقة تحترم مشاعره.

أسلوب الاستجواب
يفترض أن يبدأ المحقق باستخدام أسئلة مفتوحة تنتج عنها إجابات سردية، تستخرج أدق وأكبر قدر من المعلومات من الأطفال. بعد أن يقدم الطفل سردًا كاملاً، يقوم المحقق بطرح أسئلة مستهدفة حول أجزاء معينة من السرد: «لقد ذكرت أنك كنت بالخارج مع أصدقائك الليلة الماضية. أخبرني عن ذلك». إذا اعتقد المحقق أن الطفل يكذب، فعليه أن يدقق في هذا التفصيل من القصة بشكل أكبر من دون توجيه اتهامات صريحة: «هل يمكنك مساعدتي في فهم سبب إخباري سابقًا أنك كنت في المنزل الليلة الماضية؟».
فقط بعد استنفاد قدرة الطفل على توفير المعلومات من خلال عملية السرد - والتي قد تستغرق وقتًا طويلاً - يمضي المحقق قدمًا في استخدام الأسئلة المباشرة أو الأسئلة التي تبدأ بـ «من» و«ماذا» و«أين»، و«متى» و«كيف». من المفترض استخدام هذه الأسئلة فقط لاستنباط معلومات محددة لا تزال مطلوبة، وعندما يسأل الضابط هذه الأنواع من الأسئلة يمتنع عن تقديم خيارات للطفل، كما في: «أين كنت واقفًا؟ على الرصيف أم على الشرفة؟». بصياغة السؤال بهذه الطريقة، يكون المحقق قد نبّه الطفل إلى أن إحدى هاتين الإجابتين ستكون مقبولة؛ ويمكن للطفل بعد ذلك محاولة تخمين الإجابة «الصحيحة» من أجل إرضائه بدلاً من قول الحقيقة.


من الضروري أيضًا، خلال المقابلة بأكملها، ألا يستخدم المحقق مطلقًا الأسئلة الإرشادية أو الإيحائية. على سبيل المثال «أين كنت واقفًا في الشرفة؟» عندما لم يذكر الطفل سابقًا أنه كان على الشرفة، أو «كنت واقفًا على الشرفة، أليس كذلك؟». عندما يكون الاستجواب بهذا الأسلوب، يصبح من المستحيل معرفة ما إذا كانت المعلومات المقدمة جاءت في النهاية من الطفل أو من المحقق.
من جهة أخرى، رغم أنه من المفترض ان يحافظ المحقق على «شكوك صحية» في ما يتعلق بإدانة الطفل، إلا أنه من المفروض التحلي بذهن متفتح في ما يتعلق باحتمال أن الطفل قد يكون بريئا بالفعل. الإشارات غير اللفظية مثل الموقف والتواصل البصري غامضة للغاية، خاصة مع الأطفال. فالطفل الذي يبدو متوتراً قد يكون قلقاً بسبب الشعور بالذنب، أو قد يكون ببساطة غير مرتاح لدى سؤاله عن مثل هذه الموضوعات الخطيرة. مع الأخذ في الاعتبار تصرفات رامي، الذي لم يجر التواصل البصري وبدا متوترًا؛ في حين أن هذه الإشارات يمكن أن تشير إلى أنه كان يخفي شيئًا ما، فإنها يمكن أن تشير أيضًا إلى أنه ضحية، أو عدم ارتياحه لعملية الاستجواب، أو أي شيء آخر تمامًا.

من المفروض أن يكون حاضرا؟
من المهم عدم إرباك الأطفال المشتبه بهم بحضور العديد من الضباط. إذا شعر الطفل بالخوف أو بأنه محاصر من قبل رموز للسلطة، فهناك خطر من أن يختلق «الحقيقة» التي يعتقد أن هذه الشخصيات الرسمية تريد سماعها. أفضل طريقة لإجراء المقابلات مع الأحداث المشتبه بهم هي اقتصار عدد المحققين على فرد واحد فقط. مع ذلك، هذا لا يعني أنه لا ينبغي أن يحضر أي شخص آخر المقابلة. على العكس من ذلك، من المهم إشراك «شخص بالغ ودود» في عملية استجواب الحدث - سواء كان هذا الشخص أحد الوالدين أو مندوب الأحداث أو المحامي. وفي حين أن وجود أحد الوالدين مهم اثناء الاستجواب، من المفترض ألا يمارس أي منهما أي نوع من الضغط على الطفل، إذ يمكن لوالد «حسن النية» المساهمة في الحصول على إفادة كاذبة من خلال الضغط على الطفل ومطالبته بإخبار الشرطة بالحقيقة، ليعترف الطفل بعد ذلك بالذنب الكاذب امتثالاً لأوامر الوالد.
«يوجد خطر متزايد من أن الأحداث المشتبه فيهم سيعترفون زوراً عندما تضغط عليهم الشرطة أثناء عملية الاستجواب»


الى ذلك، من المهم وجود مندوب أحداث في غرفة التحقيق تتمثل وظيفته في ضمان حماية حقوق الطفل بشكل مناسب. مع ذلك، فإن وجود مندوب الأحداث ليس بديلاً مناسبًا لشخص بالغ ودود. في بعض الحالات، لا يقوم مندوب الاحداث بما يكفي للوفاء بواجبه تجاه الطفل. وفقًا لذلك، من المفترض أن يكون هذا المندوب حاضراً بالإضافة إلى شخص بالغ قريب من الحدث.

تجنّب الوعود
إذا قال المحقق للطفل المشتبه به: «إذا اعترفت، يمكنك العودة إلى المنزل» يشكل ذلك وعدًا غير مسموح به بالتساهل، وقد يؤدي الى اعتراف غير طوعي. لهذا السبب، من المفترض ان يحرص المحقق على عدم إعطاء وعود أو تهديدات صريحة، أو غير مباشرة.
قد يقوم المحقق في بعض الأحيان بتقديم وعود ضمنية: «كل شيء سيكون على ما يرام، لكني أريدك أن تتحدث معي»، يمكن للأطفال، الذين يميلون إلى التفكير بشكل ملموس وحرفي، أن يفسروا مثل هذه العبارة في كثير من الأحيان على أنها تعني أنهم إذا قالوا فقط ما يريد الضابط سماعه، فسيكون كل شيء على ما يرام حقًا - وهو ما يعني بالنسبة للطفل غالبًا الذهاب للمنزل. لهذا السبب، من المفترض أن يتجنب المحققون الإدلاء بأي تصريح يمكن أن يساء فهمه من قبل الطفل.

تسجيل الاستجواب
في سياق استجواب الأحداث، من المهم تسجيل المقابلات مرئياً ومسموعاً. عندما يتم تسجيل جلسة استجواب من البداية إلى النهاية، سيكون لدى الضباط سجل كامل يسمح للمحامين والقضاة والمدعين العامين بمراجعة المقابلة بالكامل، والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من التقييم اللاحق للحدث. والأهم من ذلك، فان التسجيل يحمي الضباط من الادعاءات الكاذبة بالإكراه أو التهديد، من خلال مراجعة طبيعة الاستجواب ومكانه وظروفه.



ساعة واحدة
تقدّر «بروتوكولات مقابلة واستجواب الأحداث»، أن الأطفال لا يمكنهم تحمل سوى حوالي ساعة من الاستجواب. إذا استمرت المقابلة لساعات، فإن خطر الحصول على اعتراف كاذب أو غير طوعي يرتفع بشكل كبير


أخطاء شائعة | الاعتراف ليس سيد الأدلة
لا يفترض أن تركز الجهة المكلفة بالتحقيق على انتزاع اعتراف من الحدث أو الطفل المشتبه به. تمامًا كما في جرائم البالغين حيث يعتبر من الضروري تأكيد حجة المشتبه به، ينبغي أن يتأكد القائمون على التحقيق من أن المعلومات التي قدمها الطفل متسقة مع مسرح الجريمة، وإفادات الشهود الآخرين، والأدلة المادية.


مبادئ توجيهية
أصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODC كتيباً بعنوان «المبادئ التوجيهية بشأن توفير العدالة في المسائل التي تشمل الأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها». وقد تمت صياغة هذه المبادئ لتكون بمثابة دليل توجيهي للأطفال (child-friendly) والمهنيين العاملين معهم.
تستند المبادئ التوجيهية وتتوافق مع المعايير والمبادئ الدولية والإقليمية ذات الصلة بمعاملة الأطفال الضحايا والشهود على الجريمة من قبل أنظمة العدالة الجنائية، وتساعد على التأكد من أن القوانين والقواعد في أي بلد تحمي بشكل كامل حقوق الأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها، وانه تتم معاملتهم معاملة عادلة عندما يتحدثون إلى الشرطة والقضاة والمحامين والأخصائيين الاجتماعيين وأي شخص آخر يقابلونه قبل المحكمة وبعدها.