في كل أنحاء العالم، يقبع أطفال خلف القضبان لفترات طويلة أحياناً، ويواجهون ظروفاً غير إنسانية. الافتقار إلى السجلات وتعدد مؤسسات الاحداث يعنيان أن عدد الأطفال المحتجزين في العالم في مثل هذه البيئات غير معروف. وقد قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن أكثر من مليون طفل يقبعون خلف القضبان في كل أنحاء العالم، كثيرون منهم محتجزون في ظروف مهينة ومحرومون من التعليم والوصول إلى أنشطة هادفة والاتصال المتنظم بالعالم الخارجي. الأفلام الوثائقية والسينما وصلت إلى هؤلاء الأطفال، وأعطتهم حرية إبداء رأيهم، وأن الكثير منها كان ضد عقوبة سجن الأطفال. في ما يأتي خمسة أفلام القت الضوء على سجون الاحداث ورفعت الصوت عالياً ضدها، وأوضحت كيف أن هؤلاء المساجين أطفال بالنسبة لعائلاتهم، وبالغون بالنسبة للنظام، ووحوش بالنسبة لضحاياهم.
«اختبار سجن ستانفورد
The Stanford Prison Experiment" (2015)

«اختبار سجن ستانفورد»، دراسة نفسية مهمة عن الاستجابات الإنسانية للأسير والصراعات داخل السجن. أجري الاختبار عام 1972 تحت إشراف فريق من الباحثين يقوده الدكتور فيليب زيمباردو من جامعة ستانفورد، وشمل عينة من 24 متطوعاً، جميعهم طلاب في الجامعة، قسّموا الى مجموعتين: الأولى لعبت دور السجناء، والثانية دور حراس سجن. ووُضعوا جميعاً في قبو جامعة ستانفورد جهز ليكون محاكاة لسجن حقيقي. هذا الاختبار الذي كانت مدته أسبوعين لم يتجاوز الستة أيام فقط، وأُنهيت التجربة بأكملها، بسبب تضاعف حالات العنف والسادية التي أصابت الحراس، والاضطرابات النفسية للمساجين. هذا عدا الانتقادات الواسعة التي وجهت الى الاختبار واعتباره منافياً للأخلاق وغير علمي. بعد 12 عاماً، تحولت الدراسة إلى فيلم من إخراج كايل باتريك ألفاريز.


واستندت على الأحداث والبحوث الفعلية وواقع الدراسة وحياة الدكتور زيمباردو. وعُزز الفيلم بمقابلات حقيقية وحوارات مع المتطوعين. الفيلم، صوّر بطريقة تعطي انطباعاً بأنه وثائقي وهنا تكمن ميزته. فيلم مكثف لا يعطيك الوقت للاستراحة، مثير للقلق ومزعج. تجد نفسك مسجونا في عقلك وجسدك. وتقترب أكثر وأكثر من النفسية المنهارة للسجناء الذين وجدوا أن عالمهم وحياتهم وحريتهم تم تقييدها على أيدي الحراس. أما الحراس فازدادوا سادية مع مرور الساعات وتحولوا إلى آلة للقمع النفسي والتدمير الذاتي. حتى علماء النفس الذين كانوا يراقبون الدراسة لعدم السماح للأمور بالخروج عن السيطرة، صاروا جزءاً من هذه الحالة النفسية، إذ سيطرت عليهم التقلبات والتغييرات النفسية والمشاكل، ليصل الأمر بالدكتور زيمباردو إلى رفع صوته أمام الجميع، صارخاً: «أوقفوا هذه التجربة فوراً».
تثير الدراسة العديد من التساؤلات حول طبيعة البشر ونُترك للإجابة عليها. والسؤال البديهي الذي يخطر في بالنا: ماذا سيحدث لو أعطينا أحدهم القوة والسلطة الكاملة للسيطرة على الآخرين؟ ممكن أن يكون الجواب سهلاً، لأن معظمنا يعتقد بأننا بشر طبيعيون. ولكن على أرض الواقع النفسية تتغير. وهذا ما اشار إليه الدكتور زيمباردو بجملة واحدة: «الشيء الأكثر وضوحا الذي لاحظته لدى معظم المشاركين في الدراسة كيف أن إحساسهم بالهوية يأتي من محيطهم المباشر وليس من داخل أنفسهم». أما السؤال الأهم فهو: ماذا كان سيحدث بعد مرور وقت على التجربة، وإذا قلبت الأدوار، ووضع السجناء مكان الحراس؟

حثالة Scum (1979)
انكلترا، أواخر السبعينات. ثلاثة مراهقين مسجونين في «بورستال» (نوع من مراكز الاحتجاز مخصص للأحداث في المملكة المتحدة). من اللحظة الأولى للفيلم، يتعين عليهم مواجهة الظروف الصعبة. مشاهدة فيلم «حثالة»، للسير آلان باركر، تجربة مروعة ومؤثرة وعميقة. لا توجد هنا رؤية مانوية. كل سجين يحاول البقاء على قيد الحياة في هذا العالم الصغير حيث كل شيء تقريباً ضده. ليس فقط الإدارة – شبه الدكتاتورية - ولكن أيضاً زملاؤهم السجناء.
في هذا السجن، يتحوّل الأقوى إلى جلاد بينما الأضعف يسحقه انعدام الامن والمعاناة والاذلال. يضع الحراس والمدير والمحافظ أيديهم على عقول السجناء ويفرضون طريقة التفكير والايمان والمعتقدات ويزيلون بقايا الإنسانية منهم، ومن دون أي تعاطف يتلاعبون بالمراهقين بسرور سادي. يكشف الفيلم الكثير عن الشباب والشرطة والسلطة الفاسدة التي تشرف على إعادة تأهيلهم. ينتقد باركر الفشل الذريع لهذه المؤسسات الذي تحبس هذه الأرواح المفقودة من دون أي حكم على جرائمهم. يُعد الفيلم بمثابة لائحة اتهام لعيوب النظام البورستالي، من دون أي محاولة لإعادة تأهيل هؤلاء الشباب حيث يتم معاملة السجانين والمدانين بوحشية على حد سواء من قبل النظام «النظام العقابي لا يعمل» نُقطت هذه الكلمات في فيلم باركر، وفاز هو والسجناء والسجانون من خلال هذا العمل الذي تجاوز منتقديه وعمل كدافع لتغييرات حقيقية في هذا النظام المعيب وكانت أولها عام 1982 مع الغاء برنامج البورستال.

أطفال خلف القضبان Kids Behind Bar (2005)
منذ أوائل الالفية، سُجّلت زيادة كبيرة في عدد الشباب الذين تم إرسالهم إلى مؤسسات الجانحين الاحداث. في «أطفال خلف القضبان» يزور صانع الأفلام الوثائقية ريكس بلومستين مؤسستين للأحداث في بريطانيا لمقابلة السجناء والسماح لهم برواية قصص حول سبب وجودهم في الداخل ووجهات نظرهم في ما يتعلق بفهم خطأهم والندم عليه، وما إذا كان إضفاء الطابع المؤسساتي في الداخل يساعدهم على التغيير.


بلومستين يشتغل أفلاماً عن السجون منذ أكثر من 30 عاماً، ويقول إن وظيفة السجون موضع خلاف اجتماعي. ففيما يراه البعض كعقاب، يرى فيه آخرون إصلاحاً. من خلال هذا الفيلم وأفلامه السابقة قدم بلومستين صوتاً للأشخاص المهمشين وفتح حواراً حول سجون الاحداث، وكانت أفلامه بالنسبة للأطفال المسجونين أملاً في إعادة التأهيل على رغم أن المخرج نفسه يظهر ان سجون الأطفال لها تأثير ضار ويحارب من أجل الغائها.

يسموننا وحوشاً: They Call Us Monster (2017)
في هذه المنشأة ذات الحراسة الشديدة في الولايات المتحدة، حيث تؤوي لوس أنجلوس أكثر المجرمين الصغار عنفاً، كل شيء ليس كما نتوقعه. الفيلم الوثائقي «يسموننا وحوشاً» يتبع ثلاثة مذنبين شباب قاموا بالتسجيل لحضور فصل دراسي في كتابة السيناريو مع المنتج والمخرج غابي كوان. اعتقل غراد في السادسة عشرة، ويواجه عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة القتل. أُلقي القبض على أنطونيو وهو في الرابعة عشرة ويواجه عقوبة تتراوح بين تسعين عاماً والمؤبد بتهمة القتل.


خوان تم القبض عليه ويواجه عقوبة تتراوح بين تسعين عاماً والمؤبد بتهمة القتل أيضاً. بينما يحاول الأولاد تعلم كتابة السيناريو مع غابي، يكشفون لنا سيناريو حياتهم وقصصهم المعقدة. يكشف الفيلم أن في ولاية كاليفورنيا، يمكن محاكمة الاحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً كالبالغين، وينالون أحكاماً أطول من متوسط العمر الطبيعي المتوقع لهم. كما يكشف كيف أقرّت الدولة في السنوات الماضية الدولة مشاريع قوانين لخفض عقوبة الاحداث، وهي خطوة أعادت إشعال نقاش وطني حول طبيعة هؤلاء المجرمين الصغار.