كانت 24 ساعة كافية لأن تثير القلق لدى أهالي البلدات والقرى المحيطة بحرج السّفيرة للصنوبر البرّي في الضنّية، الذي يُعدّ أكبر حرج من نوعه في لبنان والشّرق الأوسط إذ تقارب مساحته الـ3 ملايين متر مربع. عادت الذاكرة بهم إلى العام 2002، عندما اندلع حريق ضخم في الحرج استمرّ أسبوعاً كاملاً، وقضى على مساحة واسعة من حرج يعتبر بنظر الأهالي "رئة الضنية".ظهر أول من أمس تكرّر المشهد، بعدما شوهدت أعمدة الدّخان ترتفع من 3 نقاط داخل الحرج، في الجهة المحاذية الشمالية الشرقية لبلدة بطرماز، ما ترك انطباعاً سريعاً لدى المعنيين في المنطقة وفي أوساط الأهالي بأنّ الحريق مفتعل، نظراً لتجارب عدة سابقة، فسارع عناصر الدفاع المدني ومركز أحراج الضنّية بالتعاون مع الجيش ومتطوّعين إلى إخماده، لكنّهم وجدوا صعوبة بسبب اندلاع الحرائق في منطقة يصعب الوصول إليها إلا مشياً على الأقدام، بسبب عدم وجود ممرّات وطرقات ترابية تسمح لآليات الدّفاع المدني بالدخول وإخماد النيران.
ترجيح أن يكون الحريق مفتعلاً استند إلى تقارير أوّلية أشارت إلى أنّه تمّ إضرام النيران في 3 مواقع محددة داخل الحرج في توقيت واحد تقريباً، وعلى خط شبه مستقيم يبلغ طوله نحو كيلومتر واحد، وهو ما أشار إليه وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين الذي زار الضنّية لساعات وأشرف على عملية إخماد الحرائق، عندما لفت إلى "وجود صورة أولية تظهر كيفية اندلاع الحريق في ثلاثة أماكن متقاربة، ممّا يرجّح فرضية أن يكون مفتعلاً".
واجهت عملية إخماد الحرائق في الحرج صعوبات إضافية، كان أبرزها الضباب الكثيف الذي غطّى المنطقة ما منع طوّافات الجيش من العمل كما يجب، والنقص الحاد في العناصر البشرية المتخصّصة في إطفاء الحرائق في المنطقة، ما دفع للاستعانة بفريق "جمعية درب عكار" لإخماد الحرائق، إضافة إلى نقص حادّ في المعدات اليدوية، وفي المحروقات، ما اضطر آليات الدفاع المدني إلى الاستعانة باتحاد بلديات الضنّية لتزويدها بالمازوت، بينما كانت اتصالات فاعليات المنطقة بالمسؤولين تتوالى للمساعدة في إخماد الحرائق.
خلال ساعات النّهار كانت الجهود تتسارع لإخماد الحرائق، من محاصرتها أولاً ومنع تمدّدها، وصولاً إلى إطفائها بشكل كامل ومن ثم تبريد الأرض بالماء والتراب منعاً لإعادة اندلاع النّار مجدّداً. ولهذه الغاية تم تأمين بركة مياه جرى تركيبها في الجهة السفلية من الحرج، في الجهة الشمالية الشرقية من بلدة بطرماز، سعتها 10 آلاف ليتر، استعانت بها الطوّافات خلال عملية الإطفاء، حيث تمّت تغذيتها من مأخذ رئيسي لشبكة المياه، كما كانت آليات الدفاع المدني تعمل على تعبئتها بالمياه بشكل مستمر.
باشرت القوى الأمنية تحقيقاتها في الموضوع


قبل عصر أمس كانت السيطرة قد تمّت على الحرائق وفق ما أوضح الوزير ياسين لـ"الأخبار"، لافتاً إلى "وجود بعض الجيوب يعمل الدفاع المدني والأحراج والجيش اللبناني مع متطوّعين على إخمادها"، مشيراً إلى "وجود ارتياب وشكوك بأن تكون الحرائق مفتعلة، وباشرت القوى الأمنية تحقيقاتها في الموضوع، وقد اتصلت بوزير الداخلية بسام مولوي لهذه الغاية".
وعن اقتراح البعض شقّ طرقات ترابية داخل المناطق الحرجية لتسهيل دخول آليات الدفاع المدني ومكافحة الحرائق، ردّ ياسين بأنّ "هذا الأمر هو أحد الحلول المقترحة، لكنّه قد يؤدّي إلى هجوم على الأحراج وتعديات وقطعها وقيام إنشاءات"، مقترحاً في المقابل "إنشاء ممرّات يتراوح عرضها بين متر ومتر ونصف على الأكثر، تكون بمثابة فواصل داخل الأحراج، وتنظيف المناطق الحرجية ومنع رمي النفايات فيها، وإنشاء برك مياه ومآخذ مياه للاستعانة بها عند إخماد أيّ حريق".