من حيّ شعبي استحدثه في خمسينيّات القرن الماضي عدد من أبناء عشيرة آل جعفر من أهالي بلدة دار الواسعة، في سفوح السلسلة الغربية، تحوّل الشراونة إلى عنوان يومي في الأخبار العاجلة التي تربطه بعمليات خطف وسلب وإتجار بالمخدرات. أقلّ من 100 مطلوب للقضاء طغى صيتهم على آلاف الفقراء من آل جعفر وأبناء عائلات وعشائر أخرى، وحوّلوا الحي مرتعاً للفارين من العدالة. ع. م. زعيتر، الملقب بـ«أبو سلّة» واحد من هؤلاء. بعدما فرّ من منطقة الفنار في بيروت، لم يلجأ الى حي التل الأبيض حيث يقطن أبناء عشيرته، وإنما إلى الشراونة الملاصق له. وهو، بحسب مصادر أمنية، «صاحب ملف كبير»، ومطلوب بمئات المذكرات والوثائق الأمنية والأحكام الغيابية في جرائم تتنوّع بين الإتجار بالمخدرات وبيعها لطلاب الجامعات والمدارس وأعمال خطف وسرقة وتزوير وإطلاق نار على الأجهزة الامنية والعسكرية.منذ أربع سنوات، جعل زعيتر من «ديوانيّته»، كما يقول أحد أبناء الحيّ لـ«الأخبار»، «مركزاً» لاستقبال المتعاطين وبيعهم كل أنواع المخدّرات والحبوب المخدّرة من السيلفيا إلى الـ XTC وغيرهما. نفّذت الأجهزة الأمنية على اختلافها، ومنها مكتب المخدّرات المركزي ومخابرات الجيش، عمليات دهم عدّة لمنزله في الشراونة، إلا أنه كان «في كل مرة يتمكّن من الفرار من خروم الشبك». إذ يتحصّن في منزله المحاط بغرف حراسة يتولّاها شبان من آل زعيتر وآخرون سوريون، وزرع كاميرات مراقبة حول المنزل وعلى طول الطريق المؤدية الى الحيّ، ما يسمح له بكشف أيّ تحركات «مشبوهة» لسيارات عسكرية أو مدنية قد تستعملها الأجهزة الأمنية، فضلاً عن توزيع شبّان يعملون لمصلحته على محالّ تجارية وعربات الـ«إكسبرس» من جنوب بعلبك إلى شمالها لرصد أيّ حركة أمنية.
أمس، أيضاً، «زمط» زعيتر بعدما نجا بأعجوبة من عمليّة دهم نفّذتها مخابرات الجيش. كان الهدف من العملية توقيفه وسحبه بهدوء إلى خارج الحي. بعد تحريات وتشخيص دقيق للأماكن التي يتردد إليها، إستمرت بحسب معلومات «الأخبار» نحو 6 أشهر، أوكلت المهمة إلى قوة خاصة من مديرية المخابرات بعد التأكد من وصوله إلى منزله السابعة صباحاً. دخلت القوة الحي في سيارات رباعية الدفع مدنية مصفحة، غير انه لم يكن بالامكان الحفاظ على عنصر المباغتة بسبب رصد تحركات الجيش من خلال كاميرات المراقبة ومصادر بشرية تعمل لمصلحة زعيتر. أثناء إقتحام الوحدة للمنزل، ومع وصول أفرادها إلى إحدى طبقاته، فوجئت بتحصن مجموعة كبيرة من المسلحين داخله، ما ادى إلى وقوع إشتباك من مسافة صفر أحياناً، استخدمت فيه الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية. كما وقع إشتباك مع مجموعة الحماية المنتشرة خارج المبنى والتي استطاعت ضد هجوم مجموعة حاولت مساندة المطلوب واستهدقت العناصر الأمنية بقذائف صاروخية ما أدى إلى إصابات في صفوف العسكريين.
كاميرات مراقبة وعناصر بشرية لرصد الجيش عطّلت عنصر المباغتة

استمرت الاشتباكات نحو ساعتين ونصف ساعة، مع المسلحين في المنزل ومع المجموعة المساندة خارجه، واستقدم خلالها الجيش تعزيزات عسكرية وطوافة ومسيّرة، وأوقف بعدها ثلاثة أشخاص. فيما تمكّن زعيتر من الفرار، ونشر تسجيلات صوتية أكّد فيها أنه «بخير» وبات في «مكان آمن»، وأن «النينو» و«البيبو» وقعا في قبضة الجيش. والأخيران هما «المعاونان» الرئيسيّان له والمسؤولان عن ترويج المخدرات. وبحسب مصادر أمنية، فإن «النينو» هو اللبناني ح. ف. د.، فيما «البيبو» سوري الجنسية غير معروف الهوية. كما أوقفت القوة المهاجمة ع. ف. زعيتر، وهو أحد الذين يعتمد عليهم «أبو سلة» في ترويج المخدرات. وترجح الأجهزة الأمنية بأن زعيتر فرّ الى الجرود الواقعة بين اليمونة – دار الواسعة وفرضت قوات من الجيش طوقاً أمنياً حول الشراونة والتل الأبيض ونفّذت عمليات دهم وأقامت حواجز أمنية ثابتة وظرفية على طريق بعلبك الدولية، وجرف «الديوانية» التي يقصدها المدمنون لشراء المخدرات. وقالت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» إن المطلوب فرّ تحت غطاء كثافة النيران التي باغتت الجيش بعدما حاصر منزله، ورجّحت أنه «تلقّى المساعدة من قاطني المنازل المجاورة التي لم يستهدفها الجيش». وأكّدت أن «أبو سلّة» واحد «من أكبر تجّار المخدرات في البقاع مع شبكة ترويجيّة ضخمة تضمّ فتيات وسائقي سيارات أجرة وفانات يعملون في نقل المخدرات وترويجها بين الطلاب في الجامعات والمدارس»، وهو معروف بـ«سخائه» بالمال على من يعملون معه، ما يجعلهم شديدي الوفاء له، ويمكّنه من الفرار عند كل مداهمة للأجهزة الأمنية.
واشتهر «ابو سلة» خلال إقامته في منطقة الفنار بتجارة المواد المخدرة على انواعها من خلال «سلة» تتدلى من شقته. وبعد تحوله إلى المطلوب رقم واحد، غادر إلى البقاع وأقام في حي الشراونة. وهو يعد أكبر مصدر للمخدرات في العاصمة ومحيطها. ويعرف بألقاب أخرى كـ«علوش» و«الحاج». وإلى جانب الاتجار بالمخدرات، تؤكد الأجهزة الأمنية انه يعمل أيضاً في تزوير العملة والاشراف على عصابات للسلب وسرقة السيارات بعد استئجارها، وفي حقه اكثر من استنابة قضائية بجرم إطلاق النار ومحاولة قتل عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام.
ونعت قيادة الجيش – مديرية التوجيه أمس «العريف الشهيد زين العابدين شمص، وهو من مواليد 24 / 1 / 1994 بعلبك، متأهل وله ولدان. وينقل جثمانه اليوم إلى بلدته بوداي (بعلبك) ليوارى الثرى.