التاسعة والنصف. كان الوقت لا يزال مبكراً لبدء جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه عندما بدأ النواب بالتوافد إلى ساحة النجمة. ذوو «الخبرة» يعرفون أنّ «سعادتك... سعادتك» تعني أن يقترب من الصحافيين للإدلاء بموقف. الانتشار الأمني كثيف. عسكريون من الجيش وقوى الأمن الداخلي وشرطة المجلس، إضافة إلى ملّالات للجيش تتوزّع على مداخل المجلس المقفلة بالعوارض الحديدية. وكما في الخارج، كذلك حول الباحة؛ العسكريون في كل مكان: ينظّمون السير، يسألون عن هوية الداخلين، ويمنعون من ليس له عمل من الاقتراب. سريعاً، يقفزون من مكانهم لإرجاع من «تسوّل له نفسه» الاقتراب من النواب أو حتّى من باب المجلس.بعض النوّاب اكتفى بالتلويح من بعيد، والبعض الآخر أشار للصحافيين بأنه سيتحدّث بعد الجلسة. نواب جدد غير متمرّسين سارعوا إلى الدخول من دون الالتفات يميناً أو يساراً. أما الغالبية فانتقلت إلى الرصيف المقابل لتوزيع الأحاديث على الميكروفونات المتدلّية من خلف الحواجز الحديدية.

(مروان بوحيدر)

وحدها ستريدا جعجع استوقفها الصحافيون للحظات على الدرج المؤدي إلى المجلس، لا من أجل حديث صحافي أو موقف سياسي. جلّ ما في الأمر صورة فوتوغرافية. سريعاً، عدّلت نائبة القوات وقفتها وأعطت المصوّرين «بروفيلها» مع تحيّة يد. أنهت المشهد وأكملت سيرها نحو المجلس من دون أن تتفوّه بكلمة. حاولت ندى البستاني منافسة جعجع. تنورة برتقالية فضفاضة مع حقيبة يد من «yves saint laurent» وحذاء رياضي يتيح لها التنقّل بحريّة بين الصحافيين، هي التي دخلت ضاحكة إلى المجلس قبل أن تعود إلى المكان المخصّص للصحافيين للإدلاء بموقفها.
مع اقتراب موعد الجلسة، ازدادت الزحمة. مواكب سيارات رباعية الدفع «مفيّمة» تنتظر دورها للتوقف عند باب المجلس. نواب قليلون ارتضوا الترجّل قبل المدخل الرئيسي بأمتارٍ قليلة. علي حسن خليل واحدٌ منهم. الرجل يحفظ مداخل المجلس ومخارجه عن ظهر قلب. لم ينتظر أن تصل سيارته إلى الدوار، فترجّل منها على مقربة من الصحافيين..
وصل نواب حزب الله «بلوك» واحداً. موكبٌ ضخمٌ من السيارات دخل إلى باحة المجلس وتوقّف عند الدوار. في وقت واحد، فُتحت الأبواب ليترجّل منها نواب الحزب، كل من سيارته. وحدهم النواب: حسن فضل الله وإيهاب حمادة وعلي المقداد أتوا بعد أكثر من ربع ساعة من الجهة المقابلة.

(هيثم الموسوي)

المجد للـ«جيب شيروكي» بعدما خفّ وهج الـ«مرسيدس». وبعدما كانت سيارة أسامة سعد تجذب الأنظار عادةً، فإنّ «العزّ» كان أمس لسيارة بلال عبد الله الخضراء الصغيرة، وسيارة النائب كميل شمعون. «رولس رويس» رمادية تحمل الرقم 1000 تعود للرئيس الراحل كميل شمعون توقّفت عند باب المجلس في رسالة واضحة من النائب الذي وصل إلى البرلمان على حصان تحالف القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بأن أمجاد الزعامة الشمعونيّة لم تزل بعد.
يصل تيمور جنبلاط من شارع خلفي. «على الدعسة» يسير نجل وليد جنبلاط مع وائل أبو فاعور كأنهما في نزهة نحو المدخل. يلتقط جنبلاط كمامته البيضاء من جيبه ويضعها من دون أن يعير اهتماماً للصحافيين الذين يلتفت إليهم أبو فاعور لتحيتهم. من الجهة نفسها، يصل عماد الحوت. يبدو أن الرجل بعد غياب 4 سنوات عن المجلس، نسي أين مداخله. أصرّ على مرافقة سائقه بالسيارة إلى داخل الموقف قبل أن يتبيّن أنّه ممنوع عليه الركون هنا.
موكب المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان لم يأبه للسيارات التي تهم بالخروج من الباحة، بما فيها تلك التابعة للسفراء والدبلوماسيين. «دعسة بنزين» متواصلة، لتتوقف أكثر من 10 سيارات في أرضها ويترجّل اللواء من إحداها. وبعدد سيارات أقل (اثنتين فقط)، ولكن بالطريقة نفسها، دخل وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي. موكب سيارات المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يتقدم مسرعاً من جهة مقر بلدية بيروت. يقفز المرافقون من السيارات قبل توقّفها. يحيّي اللواء الصحافيين وهو يصعد الدرجات المؤدية إلى المجلس. أما «اللواء السابق» أشرف ريفي فتقصّد أن يلبس كما يريد أن تراه «الجماهير». طوى أكمام قميصه الأبيض مع كرافة خضراء، وحمل جاكيتته على اليد نفسها التي حمل فيها ملفاته. دخل إلى المجلس قبل أن يعود أدراجه إلى حيث يقف الصحافيون. الفرصة مؤاتية للتذكير بموقفه الداعي إلى «تحرير لبنان»، ولم يشأ تفويت فرصة الإسراع نحو ميكروفون قناة «MTV». حضر نبيل بدر بسيارة «بورش» فارهة ترجّل منها، راكضاً بنشاط نحو المجلس.
وصل نواب حزب الله «بلوك» واحداً... والـ«شيروكي» تسرق وهج الـ«مرسيدس»


لا صوت يعلو فوق صوت المحرّكات والإطارات التي «تشفّط» مسرعةً. وحده دخول النواب التغييريين يثير الهرج والمرج. بدا هؤلاء متوترين. لم يلتفتوا إلى الصحافيين الذين صرخوا لهم، قبل أن يومئ ملحم خلف الذي يعرف كيف يتعاطى مع الإعلام إلى زملائه للاقتراب من الصحافيين ليلحقوا به. صفٌ من النواب الجدد يوزّعون تصريحات. يتنقّل هؤلاء بين قناةٍ وأُخرى. مارك ضو يتأبّط لوحة بيضاء ملفوفة، يمسح عرقه بسبب طول المشوار. يؤكد أن النواب الجُدد لم ولن يمتهنوا التعطيل، قبل أن يدخل إلى المجلس ويُفرج عن لوحته التي تضم صوراً لشهداء انفجار المرفأ ويرفعها في قلب المجلس. كانت المرة الأخيرة التي سُمع فيها صوت ضو قبل أن يهمّ بالدخول إلى القاعة ثم الخروج منها... كما دخل.