رغم فكرة أن الجميع متساوون بموجب القانون، يتم التعامل مع الرجال والنساء المشتبه بهم بشكل مختلف في إطار نظام العدالة الجنائية. غالباً ما تؤثر «الهوية الجندرية» للمشتبه بهم على سير التحقيقات الجنائية التي، بدورها، تؤدي الى استنتاجات مستعجلة يمكن ان تصعّب لاحقاً الوصول الى الحقيقة. فالمشتبه بها التي تكسر دورها الجندري أو تخرق النمط الاجتماعي المتعارف عليه تكون، في كثير من الأحيان، عرضة للأحكام المسبقة أثناء التحقيقات الاولية، وخلال الاجراءات القضائية اللاحقة، حتى في قاعات المحاكم. بالإضافة الى تأثير الهوية الجندرية بحد ذاته، يلعب المظهر الخارجي للمشتبه بها تأثيراً عميقاً على نتيجة التحقيقات الأولية. فتشكّل القرارات القضائية الصادرة أثناء التحقيقات الأولية وفترة المحاكمة، والمبنية على الاحكام المسبقة والخلاصات والاتهامات والادانات المتسرعة، العائق الأساسي أمام الوصول الى الحقيقة، وتحول دون توفير الإجراءات القانونية الواجبة على قدم المساواة بموجب القانون. التزاماً بالقواعد العلمية المهنية وتعزيزاً لمعايير العدل والانصاف، من المفترض ان يتجنّب القائمون على نظام العدالة الجنائية، من محققين ومدعين عامين وقضاة وغيرهم، الاحكام المسبقة، ليكون البحث والتحقيق في جميع الاحتمالات والفرضيات المنطلق العلمي الأساسي لمنع افلات المجرمين من العقاب، بغضّ النظر عن هويتهم الجندرية
(ليكس فرانكو ــ البرازيل)

تعتبر المحاكمة العادلة من العناصر الأساسية لحماية حقوق الإنسان، والوسيلة الإجرائية للمحافظة على سيادة القانون، فتشكل بالتالي كفالة إقامة العدل وإحقاق الحق. لكن في مؤسسات نظام العدالة الجنائية، التي لا ينبغي أن تلعب فيها الهوية الجندرية دورًا، يُنظر إلى الرجال والنساء المشتبه بهم ويعاملون بشكل مختلف. ففي حين انه من المفترض محاكمة جميع الأفراد على الجرائم المرتكبة على قدم المساواة، إلّا أنه في الجرائم حيث تكون المشتبه بها امرأة، غالباً ما تؤثر «الاحكام المسبقة» خلال التحقيقات الأولية بشكل عميق على القرارات القضائية، فتشكّل العائق الأساسي أمام الوصول إلى الحقيقة.
تأثير الهوية الجندرية على إجراءات اتخاذ القرار القضائي هو عملية متعددة الأوجه تتطلب مرور المحكوم عليهم عبر العديد من العمليات التي يقوم فيها مسؤولو نظام العدالة الجنائية بتقييمهم (المدعون العامين، المحققون، القضاة السابقون، الضباط في السجن وما إلى ذلك). صحيح ان الاختلاف بين الجنسين في ما يتعلق بخطورة «التاريخ الجنائي» يشكل جزءًا من تفسير سبب اختلاف نتائج الأحكام بين الرجل والمرأة ، الا ان هذه الاختلافات القائمة على الجندر في مرحلة العقوبة تتأثر ايضاً في وقت مبكر من الدعاوى القضائية.

دراسات النوع الاجتماعي
لطالما اهتم الباحثون بما إذا كان الرجال والنساء يتلقون معاملة مختلفة من قبل القائمين على نظام العدالة الجنائية، بما في ذلك القضاة والشرطة والمدعون العامون. فقد تعددت دراسات النوع الاجتماعي (Gender Studies) في حقل العلوم الجنائية والتي ناقشت تأثير «الهوية الجندرية» للمشتبه به على إجراءات اتخاذ القرار القضائي.
ووجدت بعض الدراسات الجندرية ان «القوالب النمطية الجندرية» هي سبب الاحكام المسبقة والتناقضات عند تقييم الجناة من مختلف الهويات الجنسية. حيث تُعتبر المرأة ضعيفة جسديًا ويُتوقع منها إظهار الطاعة، وفي حال كسرت المرأة القالب النمطي والتقليد المتعارف عليه في مجتمعها، ستكون عرضة لأحكام إدانة مسبقة وخلاصات مستعجلة قبل ختم التحقيقات، مما قد يساهم في مزيد من التساهل الممنوح للرجل في إطار العدالة الجنائية.
إضافة الى ذلك، وجدت العديد من الدراسات الحديثة صلة واضحة بين الأحكام النهائية وجنس الجاني حسب نوع الجريمة. فإذا كسرت المرأة دورها الجندري، والتي يُتوقع عمومًا منها ارتداء ملابس أنثوية نموذجية وأن تتسم بالتهذيب والرعاية، تعاقب بشدة وصرامة أكثر مقارنة مع الجاني الرجل لنفس الفعل المرتكب. على سبيل المثال، إذا كانت الأم تؤذي طفلًا، فقد تتعرض لعقوبة أقسى مما لو كان الأب يؤذيه. بالتالي، فإن الجندر ليس عاملاً قانونياً، لكنه يبدو العامل الأكثر تأثيرًا خلال مراحل التحقيقات الجنائية وإجراءات المحاكمة.
يولّد المظهر الخارجي للمشتبه بها انطباعاً أولياً لدى المحققين يمكن أن يؤثر على نتيجة التحقيقات


الى ذلك، يولّد المظهر الخارجي للمشتبه بها انطباعاً أولياً لدى المحققين يمكن أن يؤثر على نتيجة التحقيقات بغض النظر عن أي عوامل أخرى. ففي جرائم الدعارة مثلاً، ولأن المشتبه بها ترتدي ملابس عصرية متحررة، فإن ذلك يزيد بشكل كبير من احتمال تلقيها حكماً مسبقاً بالإدانة حتى قبل بدء التحقيقات. والعكس صحيح أيضاً، يمكن ان يزيد اللباس المحتشم للمشتبه بها بشكل كبير من احتمال تبرئتها منذ البداية. في كلتا الحالتين، تضيع الحقيقة، فتلك الاحكام المسبقة هي، في جوهرها، المحدد الأساسي للنتيجة النهائية للمحكمة.
في المقابل، وجدت دراسات أخرى أنه رغم تكافؤ الجرائم المرتكبة، تستمر معاقبة الرجال الجناة أكثر من الجانيات على معظم أنواع الجرائم. فيتم الحكم على الرجال إلى حد كبير بقسوة أكبر بينما يتم التعامل مع النساء برفق. في هذا الإطار، يُنظر للرجل على أنه «الجاني المثالي» في حين تعتبر المرأة «الضحية المثالية». يمكن أن تعود هذه الصورة النمطية الى واقع انه غالبًا ما يرتبط العنف بالرجال أكثر من النساء، وتخلق الأعراف الثقافية والاجتماعية تصورات معينة عن الذكورية والأنوثة، وترتبط الأفعال المختلفة بالجندر اعتمادًا على هذه التصورات.

وجدت العديد من الدراسات الحديثة صلة واضحة بين الأحكام النهائية وجنس الجاني حسب نوع الجريمة

بحسب هذه الأبحاث، في مراحل التحقيقات الأولية، عادة ما يتم التعرف على النساء على أنهن بريئات أوفي حالة صحية سيئة دفعتهن إلى ارتكاب الجريمة، مما يجعل التعامل معهن من قِبل القائمين على التحقيق أكثر تساهلاً، وبالتالي فإن النساء ليسن فقط أقل احتمالا أن ينتهي بهن الأمر في السجن، ولكن عندما يحكم عليهن بالسجن، يحصلن على عقوبة أقل من تلك التي يحصل عليها الجاني الرجل لنفس الجرم المرتكب. إضافة الى ذلك، لا يتعلق الأمر فقط بإصدار أحكام بالسجن وطول مدة هذه الأحكام، إذ أن الاختلافات بين الجنسين يمكن ان تؤثر أيضاً على مبلغ الكفالة المحدد على سبيل المثال. فالنساء بشكل عام يتكبّدن مبلغ كفالة أقل من الرجال.
ووجدت دراسات أخرى ان الأعراف الاجتماعية تجعلنا نعتقد أن النساء لسن خطرات أو أنهن لا يرتكبن جرائم. ومع ذلك، إذا ارتكبت المرأة جريمة، فغالبًا ما يُنظر إلى ذلك على أنه خارج عن ارادتها او سيطرتها وأنها «مجنونة»، أو لأنها هي نفسها «ضحية»، أو لأنها «سيئة»، وبما أن لكل مجتمع ثقافة وتوقعات لأدوار الجنسين، تختلف القوالب النمطية الجندرية التي يتم وضع المرأة خلالها، مما يفتح النقاش حول نطاق توصيف المرأة بـ«السيئة».



■ «المجنونة»
تاريخياً كان هناك اعتقاد راسخ بأن سبب ارتكاب المرأة للجرائم هو بسبب عدم استقرارها العقلي. تشير الأبحاث إلى أن حوالي نصف حالات النساء اللواتي يرتكبن قتل الأطفال لديهن أمراض عقلية.

■ «السيئة»
هناك عنصر إضافي للشر يفرض ارتكاب الجريمة. ويرجع العنصر «السيئ الإضافي» إلى انتهاك العديد من القواعد والأعراف المجتمعية بما في ذلك الدور الجندري للمرأة، مما يجعل من الصعب وصف المرأة بالجنون أو بالضحية. على سبيل المثال، المرأة السليمة عقلياً ونفسياً التي تقتل طفلها من شأنه أن يصنفها على أنها «سيئة» بدلاً من «مجنونة».

■ «الضحية»
وبصورة أدق «متلازمة النساء المعنفات»، كونهن يتعرضن للعنف المنزلي، ولهذا السبب تقدم المرأة على قتل الشخص الذي عنّفها لأنها فقدت السيطرة. من خلال استخدام «متلازمة النساء المعنفات»، كسبب أو عذر للقتل، فإن النساء لا يتحملن المسؤولية عن أفعالهن، بل هن ضحايا، والفعل الذي فعلنه هو لأنهن كن في وضع الضحية.


أحكام مسبقة على الرجال والنساء
في جرائم التحرش، في كثير من الأحيان يُنظر إلى ملابس المرأة بمثابة «دعوة» للتحرش بها، وتبريراً لفعل المتحرش. وغالباً ما يتم إلقاء اللوم على الضحية. وخلال التحقيقات يتم استجواب النساء باستمرار حول ما كن يرتدينه يوم الحادثة. يؤيد الكثير من الناس الفكرة القائلة بأن ضحايا التحرش والعنف الجنسي يتحملون المسؤولية عن اعتداءاتهم.
في جرائم العنف المنزلي، في كثير من الأحيان يُنظر إلى الرجل على أنه الشخص الذي بدأ الهجوم وأنه كان أكثر عدوانية. ولكن إلى جانب النساء، يقع الرجال أيضًا ضحايا للعنف القائم على النوع الاجتماعي، فإلى جانب الحالات الأخرى، فان الرجال المعوقون جسديًا أو فكريًا هم أكثر عرضة بأربع مرات مقارنة بغيرهم لأن يكونوا ضحايا للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي من قبل القائمات على مراكز الرعاية.
اتركوا الاحكام المسبقة. كي لا يفلت المجرم من العقاب.