لم تكن والدة علي الرضا تعرف أن ابنها البكر، سيدخل عامه الرابع والعشرين معوّقاً لمدى الحياة. كانت ترسم له مستقبلاً مغايراً، وفي لحظة واحدة انقلبت فرحتها بحفيديها التوأم، ولدَيْ علي الرضا، حزناً على الأب الموقوف منذ أربعة أشهر وبضعة أيام. لم تستوعب الأم، ومعها بقية العائلة المؤلفة من أب وشابين وثلاث فتيات، بعد، التهمة التي لأجلها طار جزء من دماغ علي، وبات يعاني من شلل نصفي في أطرافه وصعوبة في النطق، إضافة إلى معاناته الدائمة اليوم من نوبات الكهرباء وسلس البول. وهي معاناة وثقتها تقارير الطبيبَيْن الشرعيَيْن اللذين أشرفا على حالته في سجن الريحانية، حيث أودعته مخابرات الجيش قبل أن تنقله إلى سجن بيروت.
موقوف في المنصورية
قبل أن يحدث كلّ ذلك، كان علي الرضا «عريساً جديداً»، تقول أمه، وأب لتوأم حديثي الولادة. وفي ذلك اليوم المشؤوم عند الساعة الرابعة والنصف، أراد أن يتناول طعام الغداء مع زوجته في أحد المطاعم، فأودع طفليه مع أمه وخرج... إلا أنه لم يعد. تروي أمه أنه «بعدما تناول الطعام مع زوجته، أوصلها إلى منزل أهلها وقال لها إنه سيعود بعد نصف ساعة ليدخن النارجيلة معها». مرّت ساعة ولم يعد، فاتصلت به عبر الهاتف، إلا أنه لم يردّ. بعد مرور ساعتين، اتصلت الأم بزوجة ابنها للاطمئنان «فأجابتني بأنه لم يعد، فطلبت منها أن تعود إلى البيت بسيارة أجرة». وقبل أن تصل الزوجة إلى بيتها، اتصلت بوالدة علي الرضا «اعتقدت أنها ستخبرني عن عودته، لكنها كانت تصرخ وتقول لي إن هناك من اتصل بها وأخبرها أن علي موقوف لدى مخابرات الجيش». اتصلت الأم بصاحب الرقم، فكرّر إفادته بأنّ علي موقوف «وهو في مستشفى في المنصورية».

إصابة في الرأس
في المنصورية؟ تسأل الأم، فهي لا تعرف أبعد من مكان سكنها، إلا أنها «استدلّت» ووصلت إلى المستشفى التي «لا تشبه المستشفى، بل كانت أقرب إلى ثكنة عسكرية، يمنع الدخول إليها». بقيت أم علي يومين تلهث خلف «العساكر» من دون طائل، إذ لم يوافق أحد على السماح لها بالدخول لرؤيته إلا «عندما سحبت مشرطاً من الطوارئ وهدّدت بقتل نفسي». هناك، انتهى كل شيء. كل التطمينات التي كانت قد سمعتها لم تعد تعني شيئاً بعدما رأت ابنها «بين الحياة والموت، إذ كان في غيبوبة والجهة الشمالية من رأسه بلا جمجمة، مكسّرة». بقي علي في المستشفى ستة عشر يوماً، قبل أن تنقله مخابرات الجيش إلى سجن الريحانية حيث قضى شهرين هناك بين الصحو والغياب، وهو اليوم يقبع في سجن بيروت موقوفاً.
لم يسمح للوالدة برؤية ابنها إلا عندما هدّدت بقتل نفسها في المستشفى


بأي تهمة؟
لا تعرف عائلة علي الرضا التهمة التي أوقف بسببها على ذمة التحقيق. فطوال أربعة أشهر، لم يصدر أي بيان رسمي «يقول لنا ما الذي يجري، وفي المرة الأخيرة التي رأيته فيها سألته، كلّ ما قاله لي إن عناصر مخابرات الجيش أوقفته وهو لا يعلم ما الذي يجري، يتذكّر فقط أنهم ساروا به مسافات طويلة وهم يضربونه فيما هو مكبّل اليدين ولا يستطيع الدفاع عن نفسه». في تلك المرة، رأت الوالدة آثار التعذيب على ابنها «فعدا عن نصف دماغه الذي خرج من رأسه، كانت رقبة ابني مذبوحة وأذنيه أيضاً مقطبتين من النصف».

عجز العائلة
في البيت المتواضع الذي يؤوي اليوم الأم والأب وأبنائهما وأحفادهما، انقلبت الحياة رأساً على عقب. تقلّب أم علي الرضا صور ابنها على الهاتف وتغرق في نوبة بكائها. فهي لم تشف بعد من وجعها على ابنها هادي الذي يعاني من سرطان في الدماغ اليوم «وجاءت حادثة علي لتكسرلي قلبي». تذكر بأن «وضعنا كان كتير منيح، إلى أن مرض هادي. بعنا كل شيء من أجله، والآن جاء همّ علي الرضا».
اليوم، لا تملك العائلة أكثر من قوت يومها. الأب يعمل على «بسطة» لبيع السجائر عند موقف منطقة حي السلّم، وما يجنيه من ساعات العمل الطويلة لا يكفي لشراء احتياجات البيت. أما شقيقتا علي فتعملان في محاولة تأمين أدويته لعلاج نوبات الكهرباء في رأسه وسلس البول. مع ذلك، لم يعد ثمنها الباهظ هو ما يوجع، وإنما «البحث عنها كل شهر من صيدلية إلى أخرى، فيما الذين عطبوه لا يتكفلون بشيء».