بعد مراجعة أولية للعملية الانتخابية التي جرت في 15 أيار 2022 والأيام الانتخابية الثلاثة: اقتراع غير المقيمين التي جرت في 6 أيار و8 أيار، واقتراع الموظفين والمعلّمين المولجين بالمهام الانتخابية التي جرت في 12 أيار، ويوم الاقتراع المحلي المحدد في 15 أيار، ومقارنتها بما يرد في نص قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب (القانون 44/2017)، تتبيّن ضرورة التدقيق في بعض وقائع تلك العملية الانتخابية من قبل هيئة الاشراف على الانتخابات، وبناء المقتضى اللازم المنصوص عليه بحسب القوانين المرعية الإجراء. وقد يقتضي ذلك من المجلس الدستوري التدقيق في هذه الوقائع المدّعى بحصولها وترتيب النتائج القانونية اللازمة أثناء النظر في الطعون . المحتمل تقديمها. لم تكن القوانين يوماً مجرّد آليات ومنهجية تذكر في نصوص، بل هي مناهج تطبيقية ينبغي تنفيذها والسير على أساسها. لكن ما يجري في لبنان لا يبشّر بدولة القانون. فما تم تداوله في الإعلام وعلى وسائل التواصل وفي تقارير رسمية وغير رسمية من هيئات المجتمع المدني ذات الاختصاص المرخّص لها حول العملية الانتخابية، ورغم أن بعضها تضمن مزاعم حول شوائب قد تكون غير دقيقة، إلا أن البعض الآخر قد يكون حقيقة يقتضي التدقيق فيها وإجراء التحقيقات اللازمة بشأنها، بهدف تصويب كل عملية انتخابية آنية أو مقبلة، وإرساء مبدأ المحاسبة في دولة يريدها البعض أن تكون دولة قانون ومؤسسات. نستعرض في ما يلي بعض المبادئ والمواد الانتخابية ذات الصلة بعملية الاقتراع
التمويل والإنفاق الانتخابي
قام عدد من المرشحين بتوزيع مساعدات لم يتم التدقيق في ما إذا كانت مصرّحا عنها ضمن النفقات الانتخابية، علماً أن جزءاً منها، لا سيّما توزيع المال النقدي على الناخبين، يندرج ضمن الرشوة الانتخابية الممنوعة قانوناً، إذ تعتبر محظورة، أثناء فترة الحملة الانتخابية، الالتزامات والنفقات التي تتضمن تقديم خدمات أو دفع مبالغ للناخبين.
ورغم ما ورد في الإعلام عن قبض رشى وأن القضاء يحقق في بعضها بناء على تحرك من النيابة العامة الاستئنافية المختصة، تلقائياً، لم يتبيّن قيام هيئة الإشراف على الانتخابات بإحالة أي مخالفة الى النيابة العامة ولو للتحقيق فيها سيّما اذا كانت هذه المخالفة ينطبق عليها وصف الجرم الجزائي عملاً بالمادة 65 من القانون.

الاعلام والاعلان الانتخابيان
ظهرت للعيان قدرة عدد من المرشحين على الظهور بكثافة على وسائل الإعلام في مقابل غياب تام لآخرين في حين أن القانون فرّق بين الإعلام الانتخابي والدعاية الانتخابية والاعلان الانتخابي. وفيما يتوجب على وسائل الاعلام والاعلان إبلاغ هيئة الإشراف بالمشاركة بالدعاية الانتخابية مرفقاً بلائحة أسعار، ولا يحق لها ان ترفض اي اعلان انتخابي مطلوب من لائحة أو مرشح يلتزم بها، كانت وسائل الإعلام متاحة لمرشحين متمكّنين مادياً ومحظورة على آخرين. وكان على هيئة الإشراف أن تراعي حق المرشحين في المساواة في الظهور الاعلامي ضمن حدود القانون والمنافسة الانتخابية المشروعة بما يضمن تأمين العدالة والتوازن والحياد في المعاملة بين المرشحين واللوائح، وان تلزم وسيلة الاعلام، لدى استضافتها لممثل لائحة أو لمرشح، ان تؤمن في المقابل استضافة منافسيه بشروط مماثلة لجهة التوقيت والمدة ونوع البرنامج وفق أحكام المادتين 71 و72 من القانون. وهذا الأمر كان غائبا بالمطلق عن معظم وسائل الإعلام، علماً أنه لا يجوز لأي وسيلة من وسائل الاعلام الخاص اعلان تأييدها أي مرشح أو لائحة انتخابية.
ولا يبدو أن هيئة الإشراف على الانتخابات اتخذت أي إجراء بحق اي من وسائل الاعلام والاعلان المخالفة للأحكام المتعلقة بالإعلام والاعلان الانتخابيين.

إخلال عدد من رؤساء الأقلام بموجباتهم؟
يلزم القانون رئيس القلم والكاتب أن يكونا حاضرين طوال مدة العملية الانتخابية، ويكلف رئيس قلم الاقتراع وحده بسلطة المحافظ على النظام داخل القلم، ولا يجوز لأي من عناصر القوى الامنية الوجود داخل القلم الا بطلب منه وبصورة مؤقتة وحصراً لتأمين سلامة العملية الانتخابية. رغم ذلك، شوهد مباشرة على الهواء عدد من عناصر القوى الأمنية في الأقلام من دون طلب من رئيس القلم، حتى ان بعض وسائل الإعلان أفادت بأن مندوبي المرشحين يعاونون رئيس القلم وهو أمر غير جائز قانوناً، لا بل أن مرافقة المندوبين للمقترعين الى مكان العازل واللوقوف معهم وراء العازل خالف أصول الانتخاب بعدم إشهار الاقتراع، وكان يقتضي على رئيس القلم منع الناخب من الاقتراع في هذه الحالة أو الطلب الى المندوب التزام مكانه أو طرده بسبب الاخلال بالنظام رغم تنبيهه وتدوين هذا التنبيه في المحضر.

شوائب اقتراع غير المقيمين
بعد انتهاء عملية الاقتراع، يقتضي أن ينظم كل قلم محضرًا بالعملية الانتخابية يتم توقيعه وترسل نسخة منه فورا مع المغلفات الخاصة الكبيرة العائدة لأوراق الاقتراع وباقي المستندات الانتخابية الى مصرف لبنان عبر وزارة الخارجية والمغتربين، على أن ترسل هذه المغلفات الى لجنة القيد العليا في بيروت لفرزها وتوثيق نتائجها. إلا أنه تبيّن أن عددا منها لم يصل أو وصل مكسورا خلافا للقانون الذي ينص على وجوب مراعاة سلامة النقل والفرز ما استدعى «تصفير» هذه الصناديق المصابة أو نتائج تلك التي لم تصل منها ، وكان يقتضي على وزارة الخارجية تأمين وصول الصناديق سالمة إلى لبنان. والأمر يستدعي جديا إجراء تحقيقات حول أسباب وصول صناديق مكسرة أو عدم وصول صناديق أخرى، وتحميل المسؤولين المسؤولية عن هذه الارتكابات. فكيف يُعقل إلغاء أصوات مقترعين و«تصفيرهم» وهم انتظروا لساعات للاقتراع وقبلها قاموا بالتسجيل لدى السفارات والقنصليات، ثم ولسبب غير مبرّر يتم إلغاء أصواتهم لأن أحد الموظفين المعنيين أو عددا منهم لم يقم بواجبه؟

«طوشة» الصمت الانتخابي
خرق الصمت الانتخابي من قبل مرشحين ومراسلي وسائل الإعلام في الأيام الأربعة المحددة لالتزام الصمت الانتخابي، في حين أنه ابتداء من الساعة الصفر لليوم السابق ليوم الانتخابات ولغاية إقفال صناديق الاقتراع، يحظر بث أي إعلان أو دعاية أو نداء انتخابي مباشر باستثناء ما يصعب تفاديه من صوت و/أو صورة لدى التغطية المباشرة لمجريات العمليات الانتخابية، وكذلك الأمر في يوم الاقتراع إذ توالت التصريحات من مرشحين ومراسلين إعلاميين في حين ان القانون ينص على اقتصار التغطية الاعلامية على نقل وقائع العملية الانتخابية.

حق اقتراع ذوي الاحتياجات الإضافية
يجيز قانون الانتخابات وقانون حقوق ذوي الاحتياجات الإضافية للناخب من ذوي هذه الاحتياجات ان يستعين بناخب آخر يختاره هو ليعاونه على ذلك تحت اشراف هيئة القلم، على أن يُشار الى هذه الواقعة في الخانة المخصصة للملاحظات في لوائح الشطب. في حين لم تأخذ الوزارة بالاعتبار حاجات هؤلاء الأشخاص ولم تضع دقائق تطبيق المادة 96 من قانون الانتخاب ولم تسهل الاجراءات التي تسمح لهم بممارسة حقهم بالاقتراع من دون عقبات.

خرق حياد موظفي الدولة
خلافا للقانون حول عدم جواز استخدام المرافق العامة والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة والجامعات والكليات والمعاهد والمدارس الرسمية والخاصة ودور العبادة لاقامة المهرجانات وعقد الاجتماعات واللقاءات الانتخابية أو القيام بالدعاية الانتخابية، ظهرت بشكل واضح على نشرات الأخبار المهرجانات واللقاءات في هذه الأمكنة.
كما ظهر ترويج عدد من موظفي الدولة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات لمصلحة مرشحين أو لمصلحة لوائح خلافا للمادة 77 من القانون.

التدقيق في حسابات كل مرشح ولائحة
يجب على كل مرشح ولائحة إعداد بيان حسابي شامل يتضمن بالتفصيل مجموع الواردات والمساهمات العينية، ومجموع النفقات، المدفوعة، منذ بدء الحملة الانتخابية. كما يجب أن يُقدّم هذا البيان إلى الهيئة خلال مهلة 30 يوماً من تاريخ إعلان النتائج الرسمية للانتخابات، مرفقاً بالوثائق الثبوتية العائدة لجميع بنود الحساب مثل الإيصالات وسندات الصرف وسواها، وبكشف مصرفي شامل للحساب العائد للحملة يبين العمليات التي تمت على هذا الحساب من تاريخ فتحه حتى تاريخ تقديم هذا البيان. وتقوم الهيئة بدرس البيان الحسابي لكل مرشح وتدقيقه وإجراء التحقيقات المتعلقة بصحته أو بصحة بعض عناصره، ولها الاستعانة، لهذا الغرض، بمن تراه مناسباً من الخبراء وغيرهم بمن فيهم افراد الضابطة العدلية، بعد موافقة النيابية العامة المختصة.

فوضى استطلاعات الرأي
رغم أن القانون يمنع نشر أو بث أو توزيع استطلاعات الرأي والتعليقات عليها خلال الأيام العشرة التي تسبق يوم الانتخاب، توالت عبر رسائل نصية وعبر تطبيق واتساب استطلاعات رأي، واستقبلت بعض وسائل الإعلام محللين في هذا الشأن.

تصوير خلف العازل
كما شوهد عدد من الناخبين يستعملون هواتفهم داخل العازل ومنهم من صوّر ورقة الاقتراع مخالفا شرط عدم إشهار اقتراعه في حين أن القانون يسمح حصرا للمندوبين الثابتين والمتجولين باستعمال الهواتف داخل الأقلام.
مع الإشارة الى ان القانون يعاقب كل من رئيس قلم الاقتراع أو كاتبه إذا أخلّ بالموجبات المفروضة عليه ولم يتبع الأصول المحددة له في هذا القانون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات أو بالغرامة من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية.

الأمن والنظام على مداخل مراكز الاقتراع
يقتضي بموجب القانون أن تؤمن القوى الأمنية الأمن والنظام على مداخل مراكز الاقتراع وفي محيطها، وأن تمنع أي نشاط انتخابي أو دعائي بما فيها مكبرات الصوت والموسيقى الصاخبة والأعلام الحزبية والمواكب السيارة ضمن محيط مركز الاقتراع. وقد تم خرق هذا الموجب في أكثر من منطقة على مرأى من القوى الأمنية.

صعوبات تصحيح القيود
رغم أن القيد في القوائم الانتخابية هو حق لكل ناخب بلغ من العمر 21 سنة وغير محروم من الانتخاب، إلا أن عدداً من المواطنين شكوا من عدم سهولة تصحيح قيودهم وإيرادهم في قوائم الناخبين. لا بل أنه لم يثبت قيام كافة المحاكم العدلية أو السجل العدلي بإبلاغ المديرية العامة للأحوال الشخصية بالأحكام النهائية الصادرة عنها بشأن الجرائم المانعة من الانتخاب، ما قد يكون قد سمح لمحكومين بالانتخاب


المادة 74 فقرة 2 من قانون الانتخاب
اثناء فترة الحملة الانتخابية يترتب على وسائل الاعلام الخاص وعلى اللوائح والمرشحين التقيد بالموجبات الآتية:
■ الامتناع عن التشهير أو القدح أو الذم وعن التجريح بأي من اللوائح أو من المرشحين.
■ الامتناع عن بث كل ما يتضمن اثارة للنعرات الطائفية أو المذهبية أو العرقية أو تحريضاً على ارتكاب اعمال العنف أو الشغب أو تأييداً للإرهاب أو الجريمة أو الاعمال التخريبية.
■ الامتناع عن بث كل ما من شأنه ان يشكل وسيلة من وسائل الضغط أو التخويف أو التخوين أو التكفير أو التلويح بالمغريات أو الوعد بمكاسب مادية أو معنوية.
■ الامتناع عن تحريف المعلومات أو حجبها أو تزييفها أو حذفها أو اساءة عرضها.
■ الامتناع عن نقل أو إعادة بث أي مادة تظهر الخروقات المذكورة أعلاه تحت طائلة تحميل المؤسسة مسؤولية خرق هذا القانون.