عرّف الفقهاء قتل الغير بأنه إزهاق روح إنسان حي. والمقصود بالإنسان، هنا، ضحية مختلفة عن الجاني. لكن، ماذا لو اجتمع الجاني مع الضحية في شخص واحد كان يؤذي الإنسان نفسه أو يقتلها؟ لم تتعامل التشريعات الوضعية مع مسألة الانتحار او قتل النفس الا من باب اعتبارها مخالفة للشرائع السماوية، في حين أن مسألة قتل الغير أعطيت التجريم الواضح. لذلك، نلاحظ ان الاشتراك في قتل الغير يعدّ جريمة ولو لم يتم النصّ عليه في قانون العقوبات. ويندرج التحريض على قتل الغير ضمن التدخل او التحريض على جناية أو جنحة، وكل اشتراك او تدخل في جرم جزائي يعدّ جريمة تلحق بالجريمة الأساسية وتتبع لها، في حين أن التحريض على الانتحار لم يندرج ضمن هذا التوصيف، ما دفع المشرّع الى إدراج التحريض على الانتحار أو المساعدة على قتل النفس كجرم مستقل بذاته، بغضّ النظر عن اكتمال عملية الانتحار أو حصول الإيذاء فحسب. لذلك، كان الاشتراك مع الضحية في قتل النفس بموجب قانون العقوبات اللبناني من قبل شخص آخر يعدّ جريمة اساسية منصوص عليها بصريح المادة 553 من قانون العقوبات.
يعاقب القانون اللبناني المتدخل في جريمة الانتحار. ويعدّ متدخلاً الشخص الذي يعطي الضحية الإرشادات لاقتراف الجريمة أو يشدد عزيمته بوسيلة من الوسائل، أو من ويساعده أو يعاونه على الأفعال التي هيأت لها أو سهّلتها. فإحضار السمّ، على سبيل المثال، من قبل والدة لابنتها لمساعدتها على الانتحار يعد جناية تنطبق عليها المادة 553 من قانون العقوبات.
لذلك فإن قتل النّفس ليس جرما في القانون اللبناني. إذ أن كل أذية للنفس ليست جرما تستحق العقوبة، كونه لا يمكن تصوّر ادعاء من الضحية ضد النفس، وإن كانت حالة تدعو الى ضرورة معالجة المرتكب باعتباره مريضاً يحتاج الى رعاية طبية وصحية. ولكنه، بلا شك، جرم مرتكب من كل شخص آخر غير الضحية إن تدخل هذا الآخر وشارك أو حرّض على الانتحار
من جهة أخرى، لا يسوّغ للمتدخل في جريمة الانتحار الادّعاء بأن ذلك تمّ بعامل الإشفاق. فقانون العقوبات اللبناني يعاقب على القتل قصداً بعامل الإشفاق، حيث يعاقب الجاني بالاعتقال عشر سنوات على الاكثر من قتل انساناً قصداً بعامل الاشفاق، ولو كان ذلك بناء على الحاح الضحية بالطلب وفق المادة 552/عقوبات.



تجريم الانتحار
سعت بعض التشريعات، المستهجنة والمستغربة نوعاً ما، في بعض الدول مؤخراً الى تجريم فعل الانتحار ومعاقبة المنتحر إن نجا، وذلك لأهداف شتّى كما يدّعي واضعوها، ومنها ردع المنتحرين وتخفيف معدلات الانتحار. إلا أنه، للمفارقة، وفي حال تجريم فعل الانتحار، ستكون الضحية – المرتكب أمام خيارين: إما الموت او العقوبة إن فشلت محاولة انتحاره. بمعنى أوضح، على الضحية للنجاة من العقوبة أن ينجح في قتل نفسه!
قانون العقوبات القطري الصادر سنة 1971، على سبيل المثال، كان ينصّ في مادته رقم 157 على معاقبة الشروع في الانتحار بالحبس مدة لا تتجاوز سنة واحدة أو بغرامة لا تزيد على ألف ريال أو بالعقوبتين معاً، الى أن تم تعديله عام 2004 بموجب المادة 304 من قانون العقوبات الجديد، واستبدال العقوبة بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، بحق كل من شرع في الانتحار أو كل من أن أتى فعلاً من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادة. كما يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، كل من حرّض شخصاً أو ساعده بأي وسيلة على الانتحار، إذا تم الانتحار بناءً على ذلك. كذلك أخذت مصر والأردن هذا المنحى.
قبل عام 1961، كان الانتحار مجرّما في القوانين البريطانية الى ان قرّر المشرع البريطاني عام 1961 إلغاء هذا التجريم حين أصدر قانون الانتحار الذي نص في مادته الأولى على:
لم يعد الانتحار جريمة وألغى حكم القانون الذي يعتبر الانتحار جريمة. ويمكن مراجعة القانون البريطاني على هذا الرابط

لكن القانون نفسه نص على المسؤولية الجنائية عن التواطؤ في انتحار شخص آخر، أي أن محاولة الانتحارأوالانتحار ليس جريمة، ولكنه جرّم الاشتراك فيها وذلك يتشابه مع القانون اللبناني.

التحريض
يعد تحريضاً على الانتحار ومشتركاً في جريمة الانتحار إذا انتحرت ضحية نتيجة لجريمة الاتجار بالأشخاص بموجب المادة 586 -5 من قانون العقوبات المعدل في العام 2011 بموجب قانون معاقبة جريمة الاتجار بالأشخاص رقم 164 /2011 الذي يعتبر أن جريمة الاتجار بالأشخاص تشكل جناية. ولكنه يعاقب الجاني بالحبس من عشر سنوات الى اثنتي عشرة سنة، وبالغرامة من مئتي ضعف الى أربعمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور حين ينطوي الجرم على أذى خطير للضحية، أو لشخص آخر أو على وفاة الضحية أو شخص آخر، بما في ذلك الوفاة الناتجة عن الانتحار.
بعض التشريعات المستهجنة والمستغربة في بعض الدول الى تجريم فعل الانتحار ومعاقبة المنتحر إن نجا


يعد الإنسان متدخلاً في الانتحار في حال الاشتراك بالجرم عبر ارتكاب أحد الأفعال المشار إليها في الفقرات الأولى والثانية والرابعة من المادة الــ 219 من قانون العقوبات وهي:
- إذا أعطى الضحية إرشادات لاقترافها وإن لم تساعد هذه الإرشادات على الفعل.
- إذا شدد عزيمة الفاعل بوسيلة من الوسائل.
- إذا ساعد الفاعل أو عاونه على الافعال التي هيأت الجريمة او سهّلتها.
رغم أن الانتحار ليس جرماً معاقباً عليه ولا حتى على الشروع فيه، إلا أنه مما لاشك فيه أن السلوك الانتحاري يعدّ من اضطرابات الصحة النفسية التي تجيز للقضاء التدخل لمنع المنتحر من سلوك هذا المنحى بناء على شكوى من كل صاحب مصلحة من ذويه، واتخاذ تدابير زجرية واحترازية بهدف حمايته ومعالجته تحت إشراف طبيب نفسي ومنها الحجز في مأوى احترازي.
وقد أورد قانون الموجبات والعقود أنه في ما يتعلق بعقود التأمين على الحياة، يمكن لشركات التأمين - أي للضمان - أن تتعهد بموجب بند خاص دفع مبالغ التأمين في حالة انتحار الشخص المضمون قصدا أو اختيارا شرط أن لا يكون له مفعول الا بعد انقضاء مهلة سنتين من إنشاء العقد.



المادة 553 من الدستور اللبناني
من حمل انساناً بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده، بطريقة من الطرق (المذكورة) على قتل نفسه، عوقب بالاعتقال
- عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار
- بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين في حالة الشروع في الانتحار نجم عنه ايذاء أو عجز دائم
وإذا كان الشخص المحمول أو المساعد على الانتحار حدثاً دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوهاً طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه.


محاضر الجندرمة
في العام 1933، أصدر رئيس الجمهورية اللبنانية شارل دباس المرسوم رقم رقم 2260/1933 الذي يختص بنظام خدمة الجندرمة اللبنانية. وقد أورد في المادة 52 منه أصول معالجة حالة الانتحار وفق أسس التحقيق الجنائي الذي كان سائدا حينذاك حيث نص على ما حرفيّته:
«لا يحق للجندرمة اعطاء اجازة الدفن» في الانتحار
الانتحار هو قتل الانسان نفسه مختاراً
ان المحاضر التي تنظمها الجندرمة في مثل هذه الاحوال يجب ان تتضمن دائماً: 1- هوية المنتحر التامة وخصوصا بيان ما اذا كان متزوجاً أو أرمل او عازباً، وما اذا كان له اولاد وكم هو عددهم
2- اسباب الانتحار: هموم بيته او ضيق مادي او تعقبات عدلية الخ... واذا لم يحصل اليقين المطلق وجب تبيان السبب الذي يتجه اليه الظن.
3- طريقة الانتحار - الشنق او الغرق او استعمال اسلحة نارية الخ...
ويحدث غالباً ان يترك المنتحر ورقة يذكر فيها الاسباب التي حملته على الانتحار. وحينئذ يجب التقاط هذه الورقة والبحث عن اوراق مكتوبة بخط المتوفى وضمّها الى المحضر للمقابلة بين الخطين. اما اذا لم يعثر على أوراق مخطوطة بيد المنتحر، او لم تكن الاوراق التي وجدت كافية، تجب الاستعانة بشهود لتعريف المخطوط المتعلق بالانتحار وجميع هذه الاحتياطات لا بد منها للتحقق من ان هذه الكتابة انما كتبت بيد المتوفى. ومما يجب الانتباه اليه ان الانتحار قد يكون مزعوما لإخفاء جناية. ففي هذه الحالة تنحصر مهمة الجندرمة بالبحث عن الاثار وضبط جميع المستندات التي من شأنها ان تؤيد افتراض حدوث الجريمة، فتستجوب الاقارب والجيران وكل من يمكنهم اعطاء معلومات مفيدة. ومن اللازم الانتباه الى:
1- ان محاولة الانتحار تستوجب تنظيم محضر كالانتحار نفسه.
2- ان من يساعد ويعاون المنتحر يجزى جزاء القاتل او الضارب على مقتضى الحال او جزاء من سبب الموت عن قلة احتراز»