فيما كان العالم كله في الحجر الصحي، نشطت مختلف أنواع الأنشطة الإجرامية المُرتبطة بـ«كوفيد-19» مستفيدة من نقاط الضعف التي تعتري الأنظمة الاقتصادية والصحية والقانونية والالكترونية للدول والمؤسسات والأشخاص. وتم استثمار مخاوف الناس الذين راحوا يبحثون عن معلومات عن الفيروس وعلاجات سريعة عبرالانترنت. أما أولئك الذين رفضوا أخذ اللقاحات وإجراء فحوصات الـ PCR، فقد وجدوا من يُزوّر لهم بطاقات التّطعيم ونتائج الفحوصات. ولتحقيق مكاسب سريعة، نشطت عمليات إنتاج وبيع لقاحات مزيفة، ما يعرّض صحة وحياة الأشخاص للخطر، باعتبار أنّ هذه المواد لم يتم اختبارها أو فحص سلامتها، إضافة إلى أنها لا تؤمن المناعة والحماية من «كوفيد-19».

مناعة السوق السوداء
تبدأ التحقيقات المُتعلقة بشكاوى اللّقاحات المغشوشة بالتحقّق من صحة الزجاجات بحثًا عن أي علامات تزوير، ثم إثبات صحة المستندات والوثائق الدّاعمة للقاحات. ومن المفترض مقارنة العدد الإجمالي لعمليات التلقيح التي أجرتها مؤسسة ما بالعدد الإجمالي المُصرّح به للقاحات التي تم شراؤها من المصادر الرسمية. في الوقت الحالي، يتم توفير اللقاحات فقط من خلال مصادر مُحدّدة قانونيّة ومُنظّمة. ولا يتم بيعها عبر الإنترنت من قبل مصادر مشروعة، ما يعني أنّ عملية العرض والطلب تخضع لرقابة مُكثّفة.
رغم ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال امكانية اختراق هذه العملية لسرقة اللقاحات أو تبديلها، من أجل تحقيق أرباح عبر بيع اللقاحات الأصلية في السّوق السّوداء مثلاً. لذلك، خلال عمليات التحقيق، من المهم معاينة عملية التلقيح من مختلف جوانبها بدءاً من مراحل التصنيع والشّحن والتخزين حتى إعطاء الجرعة، واستجواب طاقم العمل والطّاقم الطّبي المسؤول.


إلى ذلك، إذا كانت القوارير متوافرة، من الضروري إجراء فحص سموم (Toxicological screening) لمحتويات القوارير وكمية المواد فيها، للتأكد من أنّ النسب صحيحة، وان الجرعة لا تحتوي ببساطة على محلول ملحي أو مكوّنات أخرى قد تُشكل خطراً على الصحة.
كما يمكن الإستعانة بطبيب شرعي، خصوصاً إذا كان هناك فاصلٌ زمني قصير بين التطعيم والوفاة. نتائج تشريح الجثة، إضافة الى المعلومات المُستمدّة من التحقيق المُتعلقة بمكان وزمان التلقيح ونوع اللقاح والظروف المُحيطة بالوفاة، يمكن أن توضّح ما اذا كانت هناك علاقة بين التطعيم والوفاة.
هذه الادعاءات يمكن أن تُعرّض حملة التطعيم للخطر من خلال إثارة المخاوف بشأن ما إذا كانت هناك مُضاعفات مُحتملة للقاحات، أصلية كانت أم في حال وُجدت شبهات بكونها فاسدة أو مزيفة. لذلك فإن هذه التحقيقات، التي تتطلب مساعدة الطبيب الشرعي بالاضافة الى خبراء آخرين مُتعددي الإختصاصات، لها أهمية صحية اجتماعية وقانونية كبيرة.

احتيال العملة الرقمية
بحسب تقارير الانتربول ومنظمة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، منذ بداية الجائحة، ارتفع بشكل ملحوظ عدد الجرائم السيبرانية والاحتيال التي تستهدف الدول والشركات والمراكز الطبية والمؤسسات العامة والأفراد والمنصات الإلكترونية التي تُنظّم عملية التلقيح. استغلّ مرتكبو الجرائم السيبرانية فيروس «كورونا» لنشر برمجيات خبيثة وبرمجيات تجسس وانتزاع الفدية وأحصنة طروادة في مواقع ورسائل الكترونية مُتعلّقة بالفيروس. وتم اعتماد المتاجر والمواقع الإلكترونية المُزيفة وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تزعم بيع الكمامات واللوازم الطبية والمخبرية واللقاحات وبطاقات التلقيح، لشنّ هجمات احتيالية لخداع الضحايا وسرقة معلوماتهم الشخصية وأموالهم. وعادة ما تستعمل هذه المواقع إمكانية التسديد بالعملات الرقميّة مثل البيتكوين لصعوبة تتبُعها وملاحقتها.

انقر على الصورة لتكبيرها

في جرائم الاحتيال عبر الإنترنت، تعتمد التحقيقات المُتعلّقة بالعملات الرّقمية أو العملات المشفرة، إلى حد كبير، على Cryptocurrency forensics وDigital Forensics. فيتمّ استخدام تقنيات مختلفة لتتبّع هذا النّوع من المعاملات المالية الجديدة. ويتعاون المحققون الماليون وخبراء الأدلة الرّقمية لاختراق السّرية التي تُحيط بالمعاملات المالية بالعملة المشفّرة. ومن خلال التحليل الجنائي للدلائل الرقمية للبريد الإلكتروني والرسائل ومعلومات بطاقة الائتمان أو الحساب المصرفي، وخادم المجال (Domain server)، والموقع الجغرافي لعناوين IP المستخدمة، يُصبح من الممكن الوصول الى الجهات المسؤولة و/أو اعادة الاموال.

الانتربول يُحذّر
منذ بداية الجائحة أصدر الإنتربول، مرات عدة، تنبيهات عالمية تُحذّر من جماعات إجرامية مُنظمّة تستغلّ الوباء لتحقيق أرباح عبر الاحتيال على الحكومات والمؤسسات والأشخاص. وشدّدت على التنبّه إلى الأسلوب الإجرامي الذي يعتمد في معظم الأحيان على استخدام حسابات ومواقع تنشر محتوى مُتعلّق بـ«كوفيد-19» أو لشركات تصنيع وتوزيع اللقاح والمعدات الطبية.
تبدأ التحقيقات المُتعلقة بشكاوى اللّقاحات المغشوشة بالتحقّق من صحة الزجاجات بحثًا عن أي علامات تزوير


كما عرضت نشرة الإنتربول النشاط الإجرامي الذي يستهدف لقاحات «كوفيد-19» من عمليات تزوير وسرقة وبيع غير مشروع. وحذّرت من تفشي الجرائم السيبرانية والمالية التي تستهدف المنظمات والدول والشركات وتُعرّض الأفراد لخطر سرقة معلوماتهم الشخصية أو أموالهم.
وقدمت توصيات وإرشادات وقائية للانتباه من عمليات الاحتيال، ودعت إلى التعاون بين الدول. وجاء في تقرير صادر في 24 آذار 2021: «وبالنظر إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عالمية لمكافحة هذا الشكل من أشكال الاحتيال والجريمة المالية التي تُسهل الانترنت ارتكابها، أنشأ الإنتربول فرقة العمل العالمية المعنيّة بالجريمة المالية عام 2020 بمشاركة بلدان أعضاء من أجل تحسين التعاون الدولي وتعزيز الابتكار مع شركاء من القطاعين العام والخاص».



ما بعد الصدمة
بعد أكثر من عامين من العزلة، يبدو أنّ الحياة تعود إلى مجراها الطبيعي. لكن لا شك في ان «كوفيد-19» قد ترك بصمته على صحتنا العقلية والنفسية. فقد وثّقت دراسات عديدة الآثار النفسية للوباء والحجرالصحي على الافراد، والاعراض التي يعانون منها مثل التوتر والقلق والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة (post traumatic stress disorder). هذا النوع من الاضطرابات قد يؤدي الى مشاكل اخرى مثل تعاطي المخدرات والكحول، والهلوسة، والبارانويا، والتفكير بالانتحار، ونوبات الهلع، ونوبات الغضب المفاجئة.
لذلك تداعيات الجائحة سترافقنا. وقد نشهد تغييراً حقيقياً في عالم الجريمة، خصوصاً في ما يتعلّق بالجرائم العنيفة الفردية مثلاً، والتي قد تبدو للوهلة الاولى «غير مُبررة». فما بالك ببلاد تعاني ازمات وصدمات نفسية واقتصادية واجتماعية وصحية مُتلاحقة؟


1700
من أصل 3000 موقع مُرتبط بصيدليات إلكترونية مُشتبه بكونها غير مشروعة، أظهر تحليل أجرته وحدة الإنتربول لمكافحة الجريمة السيبرانية عام 2020، أنّ هناك مخاطر سيبرانية وتحديدًا برمجيات خبيثة للتصيّد الاحتيالي (phishing) وسرقة المعلومات الشّخصية، في قرابة 1700 موقع منها.


منجم ذهب بين ألمانيا ولبنان
تُعتبر منصة التلقيح التابعة لوزارة الصحة منجماً من الذهب لاحتوائها على معلومات وبيانات فردية شخصية وطبيّة عن المواطنين والمقيمين في لبنان، إضافة إلى كونها المصدر الوحيد الذي يُقدّم إثباتاً للتطعيم الذي أصبح من ضروريات أمور كثيرة، منها السفر. لذلك، هناك حاجة ضرورية لحماية هذه البيانات من أي اعتداء سيبراني للحؤول دون استخدامها لأغراض جنائية من قبل مُنظمات اجرامية، أو من قبل العدو مثلاً.
في البداية، لم تكن هذه البيانات تُحفّظ في غرفة الخوادم التابعة للتفتيش المركزي. بل تمّ استخدام خادم اجنبي لدى شركة Leaseweb الألمانية التي تُقدّم الخدمات الرقمية. أما اليوم، فأصبحت البيانات لدى خوادم أوجيرو حصرًا بدءاً من 25 تشرين الأوّل 2021.
بحسب IMPACT، وهي المنصة الحكومية التي أطلقت هذا النوع من الخدمات الالكترونية تحت رقابة التفتيش المركزي،
«لا يمكن إساءة استعمال البيانات أو استخدامها لأغراض انتخابية لأنّ المسؤولين يستطيعون رؤية البيانات حصرًا من دون معرفة هوية أصحابها»، و«البيانات الموجودة على الخادم مُشفّرة»، و«يعتمد رمز التشفير 8220 تركيبة محتملة ممّا يجعل قرصنته شبه مستحيلة عمليًا».