في أوّل انتخاباتٍ بعد «انتفاضة 17 تشرين»، وبعد مرحلة عبورٍ غير سهلة، حجزت «قوى الاعتراض» 12 مقعداً، كاسرة احتكار القوى التقليدية للحياة السياسية. نتيجة أثبتت تمرّد الناخبين على رغبات الزعماء الممعنين في تعميق الأزمات السياسية والاقتصادية.الفوز جاء نتيجة تضافر عوامل عدة، في مقدّمها خوض الأحزاب الاستحقاق الانتخابي بمعزلٍ عن التدهور المعيشي الحاصل، متعاملة مع الناخبين كأنهم في «الجيبة» وتستطيع تحدّيهم بتسمية المصرفي مروان خير الدين الذي يعدّ سقوطه الخرق الأبرز. شكّل الصوت الاغترابي رافعة أساسية، وساهم المقاطعون في خفض الحواصل وتسهيل الاختراق، في بعض الدوائر، وفي أخرى استفادت «لوائح الاعتراض» من غياب تيار «المستقبل» عن الحلبة لترث بعضاً من تركته. ولا شك بأن لوليد جنبلاط مصلحة في إزاحة طلال إرسلان ووئام وهاب من المشهد السياسي في الجبل لمصلحة وجوه شبابية جديدة قد لا تشكّل نسبة الخطر نفسها على زعامة نجله تيمور.
من حاصبيا - مرجعيون كانت المفاجأة الأكبر. سقط توافق أمل والديموقراطي اللبناني والتقدمي الاشتراكي حول مروان خير الدين المحسوب على الإرسلانيين، لمصلحة مرشح لائحة «معاً نحو التغيير» فراس حمدان. خسارة لن تزعج جنبلاط، لا بل من المرجح أن يكون الاشتراكيون قد حجبوا أصواتهم عن خير الدين ومنحوها لحمدان، إضافة إلى أصوات من استفزّهم ترشيح خير الدين. في الدائرة المختلطة شيعياً وسنّياً ومسيحياً حصلت اللائحة على أكثر من 30 ألف صوت مستفيدة من التنوع الطائفي، ما ساعدها في الفوز بمقعدٍ آخر من نصيب إلياس جرادي عن المقعد الأرثوذكسي، مطيحاً مرشح لائحة الثنائي، نائب الحزب السوري القومي الاجتماعي، أسعد حردان، المرفوض أصلاً من القوميين، وسط اقتراع سنّي جيّد لجرادي. عامل إضافي عزّز حظوظ اللائحة تمثّل بتراجع نسبة الاقتراع التي انعكست انخفاضاً في الحاصل الانتخابي إلى حوالي 17.500 مقارنة بما يزيد على 20 ألفاً عام 2018. تراجع ينمّ عن مقاطعةٍ لناخبين كان من المحتمل منح أصواتهم للائحة الثنائي لو لم تتبنّ ترشيح خير الدين. يضاف الى كل ذلك أن «معاً للتغيير» حازت دعم «الحزب الشيوعي» و«الطليعة» ومجموعاتٍ يسارية وشخصيات مستقلة.
فوز ضو وحمدان لا يزعج المختارة ولا يشكل خطراً على تيمور


في انتظار صدور تفاصيل النتائج وكيفية توزّع الأصوات طائفياً وبين مقيمين ومغتربين، يمكن للقراءة الأولية أن تكون أكثر وضوحاً في بيروت. سهّل خروج سعد الحريري من الحياة السياسية فوز إبراهيم منيمنة (سني) وملحم خلف (أرثوذكسي) عن لائحة «بيروت التغيير» في بيروت الثانية، فضلاً عن حاصلٍ ثالث للائحة لم يحسم بعد لمصلحة أي مقعدٍ سيكون، مستفيدين من توزّع الصوت السني. أما أصوات الدائرة الأولى فستعيد بولا يعقوبيان نائبة ومعها المرشحة عن مقعد الأقليات على لائحتها سينتيا زرازير إلى مجلس النواب. ساعدها في ذلك الحضور غير القوي للأحزاب وتدنّي نسبة الاقتراع.
الدلالات الأهم في الشوف ــ عاليه، حيث أخرجت لائحة «توحّدنا للتغيير» كلاً من وهاب وإرسلان. سقوط زعاماتٍ درزية بخروقاتٍ تغييرية ليست تفصيلاً على أبواب المختارة التي تفصّل البيت الدرزي على قياس تيمور. وربما تكون قد استفادت من رغبةٍ لدى جنبلاط بإقصاء وهاب وإرسلان. ثلاثة مقاعد نالتها اللائحة: مارك ضو عن المقعد الدرزي وحليمة القعقور عن أحد المقاعد السنّية ونجاة صليبا عن المقعد الماروني.
انسحبت الخروقات على البقاع الغربي وراشيا بفوز لائحة «سهلنا والجبل» المدعومة كذلك من الحزب الشيوعي، بمقعدٍ سني للمرشح ياسين ياسين، مطيحاً إيلي الفرزلي. كذلك في الشمال نال تحالف «شمالنا» مقعداً مارونياً لميشال الدويهي.
في الندوة البرلمانية سيكون الاختبار الأول لطروحات الفائزين ومدى تماشيها مع مصالح الفئات الأكثر هشاشة اجتماعياً واقتصادياً مع تصدّر الهمّ المعيشي لأولويّات اللبنانيين الذين انتفضوا في 17 تشرين. تلك الفئات ستنتظر مواقفهم من صندوق النقد وكيفية توزيع خسائر الانهيار وحيال المصارف ومصير الودائع والمجالس السيادية. مهمات ليست سهلة كمن يسير في حقل ألغامٍ عليه تجنب الدوس على قنبلة تفجّر الثقة الممنوحة له كـ«تغييري». وقبل هذا وذاك استحقاقات دستورية داهمة كانتخاب رئيسٍ لمجلس النواب وتشكيل حكومة، وصولاً إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية.