مشهد سياسي جديد رسمته نتائج الانتخابات النيابيّة في دائرة الشمال الثانية (طرابلس والضنّية والمنية) طوى صفحة انتخابات عام 2018، وملأ فراغ انسحاب الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل من الانتخابات، وعزوف الرئيس نجيب ميقاتي عن خوضها، وأسفر عن رابحين وخاسرين.يتقدم الرابحين الوزير السابق أشرف ريفي الذي تصدّر الفائزين عن أحد المقاعد السنّية الخمسة في طرابلس، مستعيداً تجربة الانتخابات البلدية عام 2016 عندما فازت اللائحة التي دعمها بثلثَي مقاعد المجلس البلدي. وإذا كان ريفي قد هزم حينها لائحة أقطاب السياسة في طرابلس، وتحديداً الحريري وميقاتي ونوّاب المدينة وسياسييها وأحزابها، فهو اليوم يملأ الفراغ الذي تركه هؤلاء، ما ساهم في فوز اللائحة التي يدعمها بثلاثة حواصل، أبرزها، إلى جانب مقعد ريفي، الحاصل الذي نالته القوّات اللبنانية وفوز مرشحها إيلي خوري بالمقعد الماروني، وما لذلك من دلالات غاية في الأهمية، في مقدمها أنها تجاوزت حساسية طرابلس نحوها على خلفية قضية اغتيال الرئيس الراحل رشيد كرامي.
لائحة الإرادة الشعبية (تحالف النائبين فيصل كرامي وجهاد الصّمد وجمعية المشاريع الخيرية) كانت أيضاً فائزاً رئيسياً. إذ حقّقت المرتبة الأولى بين اللوائح الـ 11 المتنافسة لجهة عدد الأصوات، إلى جانب فوزها بثلاثة حواصل، أولها لمرشّح «جمعية المشاريع» في الشمال طه ناجي الذي «استعاد الحق الذي سُلب منه في الانتخابات السابقة بعد تخسيره أمام مرشّحة تيّار المستقبل النائبة ديما جمالي»، وفق مقرّبين منه، وجدّد فوز كرامي (إلا إذا حصلت مفاجأة أبعدته عن المنافسة بعدما كشف فرز أصوات صناديق اقتراع المغتربين الذي لم ينتهِ بعد تقدّم آخرين عليه) حفاظه على حيثيته السياسية والشعبية في طرابلس، كما أثبت فوز الصّمد بأحد المقعدين السنّيين في الضنّية أنّه رقم صعب نتيجة تماسك قاعدته الانتخابية وصلابتها.
وإذا كان فوز كريم كبّارة متوقعاً لخلافة والده النائب محمد كبّارة، الذي تعدّ عائلته الأكبر في طرابلس ويتمتع بحيثية سياسية وشعبية لها خصوصيتها، فإنّ فوز المرشّح إيهاب مطر، المغترب القادم من أوستراليا، شكّل مفاجأة، بعدما جاء على حساب مرشّحين آخرين لهم حضورهم السياسي في المدينة، كحليفه في اللائحة الأمين العام للجماعة الإسلامية عزّام الأيّوبي (في حال بقي كرامي فائزاً) والنائب السابق عن تيّار المستقبل مصطفى علّوش ومرشّحي لوائح المجتمع المدني. وقد ردّ مطلعون فوز مطر إلى ديناميته واستعانته بخبرات أشخاص عملوا سابقاً في الماكينات الانتخابية لميقاتي وتيّار المستقبل.
فاز مرشحان لأحمد الحريري على حساب مرشحين للرئيس فؤاد السنيورة


آخر الفائزين كان الأمين العام لتيّار المستقبل أحمد الحريري الذي دعم فوز رجلَي الأعمال أحمد الخير المرشّح عن المقعد السنّي في المنية وعبد العزيز الصّمد المرشّح عن أحد المقعدين السنّيين في الضنّية. وبحسب مصادر مطّلعة، فإنّ الحريري أوعز إلى قاعدة المستقبل في المنطقتين بالتصويت لهما، على خلفية مصالح وعلاقات خاصة تربطه بهما. فوز الحريري جاء على حساب خسارة تلقاها مرشّحو الرئيس فؤاد السنيورة على اللائحة نفسها، وخصوصاً علّوش والنائب سامي فتفت. وخسارة الأخير تعدّ مزدوجة، لأنها وضعت حدّاً للوجود المتواصل لعائلته في المجلس النيابي منذ عام 1996، عبر والده النائب السابق أحمد فتفت، ومنذ عام 2018 عبره شخصياً.
عملياً، يعدّ ميقاتي أبرز الخاسرين بعد فشل كل المرشّحين المحسوبين عليه في اللائحة التي أعلن دعمه لها، إذ إنّ كبّارة يعدّ حليفاً له وليس محسوباً عليه، وهي خسارة ردّها كثيرون إلى امتناعه عن مدّ يد الدعم إلى اللائحة التي شكا معظم أعضائها من تقتير ميقاتي في دعمه لهم، ومن أنّ احتضانه للائحة كان شكليّاً.