حتى منتصف ليل أمس، لم تكن دائرة صيدا- جزين قد حسمت هوية نوابها الجدد. لكن مجريات النهار الانتخابي كانت قد حسمت باكراً الهوية الجديدة لكل من صيدا وجزينّ: إشكالات متكررة بين مناصرين ومندوبين على خلفيات طائفية مناطقية وحساسيات واستفزاز متبادل وصل إلى حد المطالبة بإعلان «الكانتون» في كل من صيدا وجزين.تمتعض سيدة من تكرار مرور موكب يرفع رايات حزب الله والتيار الوطني الحر في الشارع الرئيسي لجزين. ورغم أن السائقين مختلطون من جزين وكفرحونة والريحان، لكنها طالبت بخفض الرايات لعدم استفزاز الجزينيين. السيدة ليست قواتية الهوى، لكنها واحدة ممن «عتبوا على جيران عروس الشلال لرفض تحالفهم مع التيار الوطني الحر، سواء في صيدا أو في بلدات جبل الريحان». تأسف لأن حزب الله أوعز بصب «بلوك» أصوات عناصره للائحة إبراهيم عازار ونبيل الزعتري، من دون تخصيص جزء لرفد لائحة العونيين بحاصل بعد ثبوت تراجع شعبيتهم. «الكل داير على حاله» تقول بغضب. العتب الأكبر تسجله السيدة على الصيداويين «الذين تبنى عدد من مرشحيهم خطاباً تحريضياً ضدنا». لا يمكن إقناع الجزينية بأن عتبها قائم على هواجس مذهبية. كما لا يمكن إقناع الصيداويين أيضاً بأن زياد أسود «ليس عنصرياً وطائفياً». وضعت غالبية قوى صيدا «فيتو» على التحالف مع التيار بسبب أسود، صاحب المواقف العالية النبرة. لهذا السبب وسواه انقطع حبل التواصل المتين بين صيدا وجزين الذي امتد في انتخابات 2018 التي شهدت دمج المدينتين سوياً للمرة الأولى. الحبل المتين استبدل بخيط رفيع جداً كان شكلياً من شروط الترشح في قانون الانتخاب الجديد «وإلا كل واحد يروح لحاله».
ورثت القوات اللبنانية مساحة التيار في صيدا في انتخابات 2022. تحالفها مع رئيس جمعية المقاصد الإسلامية المحسوب على آل الحريري يوسف النقيب، أدخل القوات من الباب العريض بعد عقود على دحرها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي عقب تحرير صيدا وشرقها من العدو وعملائه عام 1985. أسهمت القوات برفع مستوى الخطاب المذهبي والتحريض على سلاح المقاومة. تناغم النقيب ومرشحو القوات لجذب الناخبين، ما استنفر جمهور المقاومة من صيدا إلى جبل الريحان. في المقابل، صوب النائب أسامة سعد على أكثر من صعيد تجاه حلفائه السابقين، الحزب وأمل، ما زاد من منسوب التحريض المذهبي والمناطقي. التصويب بلغ منتهاه أمس في تصريحه عقب الإدلاء بصوته بأن «الثنائي السلطوي أصدر فتوى دينية بإسقاط أسامة سعد». موقف الأخير شحذ الهمم مذهبياً. وبين هذا وذاك، استحضر سعد وزميله في اللائحة عبد الرحمن البزري شعاراً «انعزالياً» أطلقته النائب بهية الحريري قبل سنوات: «صيدا لأهلها». وفي آخر النهار، قال عبد الرحمن البزري إن «صيدا اقترعت لقرارها الحر من دون مشاركة خارجية. وإن هذه اللائحة صيداوية بامتياز». ذلك التصنيف أسقط صيداوية المرشح نبيل الزعتري المدعوم من الثنائي، كما أسقط جزينية إبراهيم عازار الذي فاز بأصوات جبل الريحان في انتخابات 2018 ما جعل البعض يعتبرونه غير شرعي، برغم أن ناخبي الجبل جزينيون أيضاً!.
التمثيل الصيداوي الذي فاز بأصوات «الصيادنة» فقط يقابله تمثيل جزيني للتيار فاز بأصوات الجزينيين فقط. أما القوات فقد لفظها «الكانتونان». كثر من مؤيدي تيار المستقبل والجماعة الإسلامية رفضوا الاقتراع للنقيب بسبب تحالفه مع القوات. وفي جزين، نال مرشحو القوات أصواتاً تفضيلية عالية «لأنهم يمثلون الصوت المسيحي».
هوية صيدا وجزين الوطنية تراجعت كما تراجعت نسبة التصويت دورة بعد أخرى. صيداوياً، بلغت نسبة التصويت في 2009، حوالي 68 في المئة. وفي 2018، تراجعت إلى 60 في المئة قبل أن تتراجع إلى 39 في المئة في 2022. أسباب الإحجام ليست مقتصرة على مقاطعة تيار المستقبل والنائبة بهية الحريري فقط، بل بسبب التململ العام الذي لم تبدده لوائح الاعتراض الخمسة التي تشكلت في الدائرة. أما في جزين، فقد بلغت نسبة الاقتراع أمس 42 في المئة، في مقابل 52 في المئة عام 2018، و54 في المئة عام 2009. وقد بلغ الحاصل حوالي 11 ألف صوت في مقابل حوالي 13 ألفاً في الدورة الماضية.