يفترض من الاثنين المقبل، مع انتهاء الانتخابات النيابية وصدور النتائج الرسمية، الانتقال من صخب مرحلة الى صخب مرحلة جديدة. خلال الأيام الستة الأخيرة في ولاية البرلمان الحالي، يُنتخب رئيس للمجلس الجديد ونائب للرئيس وهيئة مكتب، إيذاناً بانتقاله الى ولاية السنوات الأربع المقبلة. المحسوب أيضاً، بدءاً من الساعة الصفر من 22 أيار، اعتبار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في حكم المستقيلة دونما الحاجة الى استقالة ترفعها الى رئيس الجمهورية. إذذاك يُفتتح صخب مختلف في الداخل، هو تأليف حكومة جديدة قبل الوصول الى المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس المقبل للجمهورية، تبدأ في 31 آب وتنتهي في 31 تشرين الأول.المدة الفاصلة بين بدء ولاية البرلمان الجديد والمهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ثلاثة أشهر وعشرة أيام، إذا بانَ أن المهلة هذه مرشحة هذه المرة لأن تُحترم وتُلتزم مواعيدها، فلا تهدر أو تنتهك على غرار المرات الثلاث السابقة (1988 و2007 و2014).
في الحلقات المغلقة همس يدور حول التحضير للاستحقاق الحكومي أولاً. الكلام المتداول فيها، ويقال إن ميقاتي يلاقيه ويشجعه، أن يصير في أسرع وقت ممكن، في أسبوعين على الأكثر، الى تأليف حكومة جديدة على صورة الحكومة الحالية، بتعديلات طفيفة إذا ارتأى الأفرقاء الموزِّرون لممثليهم الاستغناء عن بعضهم وإبدالهم بآخرين، دونما أن تفقد الحكومة المقبلة الصورة نفسها للحكومة الحالية: غير سياسية، وزراؤها يُوصفون تكنوقراطاً، لا يعكسون بالضرورة التمثيل النيابي وإن هي تأخذ في الاعتبار توازناته، وليسوا أداة مباشرة له أو جزءاً من صراعات الكتل داخله. غير أن الصورة المثالية هذه، المعطاة للحكومة الحالية، ليست سوى أحد مساحيق مواصفاتها لتبرئة سمعتها. بعد تجربة حكومة الرئيس حسان دياب، مهما يكن الكلام والاتهامات والنعوت المساقة إليها وتحميلها ما ليس لها والطريقة التي أطاحتها، بات في الإمكان تأليف حكومة لا تشبه أيّاً من تلك المتعاقبة بين عامَي 2005 و2020. الدليل الذي افتقرت إليه حكومة دياب، أعطته حكومة ميقاتي دونما أن تخرج ــــ الى الآن على الأقل ــــ مهشمة.
لا خلاف على أن المرشح الوحيد، وليس الجدي فحسب، لترؤس الحكومة الجديدة هو ميقاتي طالما أنها ستكون على صورة حكومته الآن. يتردد كذلك أن الفرنسيين ليسوا بعيدين من هذا التفكير، ويفضلون ــــ بعدما فرغوا من انتخاباتهم الرئاسية ــــ التشجيع على تأليف حكومة مطابقة للحالية، ما داموا داعمين لتسمية ميقاتي أولاً، وعبّروا عن رضاهم قبلاً عن وزرائها خالية من أسماء مستفزة.
وخلافاً للحكومة الحالية المنوط بها منذ تأليفها في 10 أيلول، مهمة مزدوجة هي خطة التعافي الاقتصادي وإجراء الانتخابات النيابية، للحكومة المقبلة مهمة يتيمة هي مواكبة انتخابات رئاسة الجمهورية في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد. بانتخابه تصبح بدورها في حكم المستقيلة، إلا إذا وقع فراغ في رئاسة الجمهورية وتعذّر انتخاب خلف للرئيس ميشال عون، ما يمدّد في عمرها وتولّيها إذذاك مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية، عملاً بالمادة 62 من الدستور.
الوصول الى هذا الافتراض، غير المستبعد، مع أن البعض بكّر في توقّعه وإشاعته، أوجد اعتراضاً قوياً في الاقتراح المتداول لحكومة ما بعد الانتخابات النيابية. يقف وراء هذا الاعتراض أكثر من فريق، في السر والعلن، يرفض وضع الفراغ في رئاسة الجمهورية بين يدَي حكومة تكنوقراط، لا أحد يسعه التكهّن بمدة استمرارها بعد تجربة حكومة الرئيس تمام سلام طوال سنتين وخمسة أشهر في الشغور الرئاسي. تالياً، فإن الأفرقاء هؤلاء يبدون جادّين في رفض تأليف حكومة لا يكونون جزءاً لا يتجزأ منها، وفي داخل مجلس الوزراء على نحو يمكّنهم من الإمساك بقرار السلطة الإجرائية بصفتها متولّية الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية.
مأزق تأليف الحكومة يكمن في تعثّره عند الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس


أكثر مَن عبّر عن هذا الاحتدام حكومة سلام حينذاك، عندما أضحى ملزماً اتخاذ أي قرار لها، توقيع وزرائها الـ 24 ما داموا جميعاً يمثّلون صلاحيات رئيس الجمهورية ويتولّونها معاً. حكومة كهذه يقتضي أن تلتزم نصابها الكامل، وهو وزراؤها الـ 24 آنذاك، وتتخذ القرارات بالإجماع، وتُوقّع المراسيم كلها بالطريقة نفسها.
غير أن عامل المفاجأة يكمن في إخفاق تأليف حكومة جديدة، قبل بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في 31 آب. مذذاك يصبح البرلمان مقيَّداً وملزماً بالمادة 73 من الدستور بشرطَيْها: الأول توجيه رئيس المجلس دعوة الى جلسة انتخاب الرئيس، والثاني تحوّل البرلمان الى هيئة ناخبة في المهلة الدستورية لا يملك أن يشرّع أو يتخذ إجراء سوى انتخاب الرئيس الجديد أولاً. مع أن لا سابقة خبرتها البلاد أن تكون في أوان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية حكومة تصريف أعمال، إلا أن الرئيس المكلف عندئذ، ما إن يخلو منصب رئاسة الجمهورية، يفقد صفته هذه. يتحوّل مجلس الوزراء مجتمعاً الى مرجعية السلطة والحكم، ولا يعود في إمكان الرئيس المكلف ــــ وإن كان هو رئيس حكومة تصريف الأعمال ــــ متابعة جهوده لتأليف حكومته ما دام منصب رئيس الدولة الذي يوقّع مراسيم تأليفها أضحى شاغراً.