قبل حاجز الخردلي بكثير، تنطلق الحملة الانتخابية لمرشحي لائحة «معاً نحو التغيير» في القضاء ضمن دائرة الجنوب الثالثة. تتوالى اللوحات الإعلانية الضخمة، تعلن عن إلياس جرادة مرشحاً عن المقعد الأرثوذكسي وإبراهيم عبد الله عن أحد المقعدين الشيعيين وفراس حمدان عن المقعد الدرزي ومحمد قعدان عن المقعد السني. يأخذ المرشحون مساحة كافية في الحملات الانتخابية، لا ينافسهم فيها «تغييريون» آخرون بعد انحسار لوائح المعارضة في هذه الدائرة بلائحة رئيسية بخلاف دورة 2018، عندما تشتّتت في خمس لوائح. لكنهم لا يجدون منافساً على صعيد الحملات، من مرشحي الثنائي أيضاً. في الطريق من النبطية إلى حاصبيا، مروراً بمرجعيون، تكاد تنعدم صور مرشحي لائحة «الوفاء والأمل». عند مدخل إبل السقي، علقت لافتة لمروان خير الدين على عمود. وقبالة سوق الخان، علّقت صورة لأسعد حردان على شرفة مكتب منفذية حاصبيا للحزب السوري القومي الاجتماعي. لا يحسم أهل المنطقة، سبب الانكفاء عن الدعاية: هل هم لا يحتاجون إليها، أم يخشون رد الفعل بعد إعادة ترشيح النواب أنفسهم مع استبدال أنور الخليل بابن شقيقته المصرفي؟أمس، بدت راشيا الفخار في حال انتخابات حقيقية. كما جاراتها في العرقوب وحاصبيا، كانت معنية باقتراع المغتربين، في أميركا وأوروبا والخليج وأفريقيا. عدا عن المهاجرين القدامى الذين انقطعت صلاتهم، نشأ أخيراً جيل جديد من المغتربين الذين سافروا للعمل ولا سيما في السعودية والإمارات والكويت وأفريقيا في شركات يملكها أقارب لهم. من بين الـ 23 ألف أرثوذكسي و49 ألف سنّي الذين تسجّلوا في دول الاغتراب، للمنطقة أكثر من 8 آلاف (2500 من حاصبيا و 6 آلاف من مرجعيون، إضافة إلى رقم مماثل من النبطية وبنت جبيل)، يأمل «التغييريون» أن ينتخب غالبية هؤلاء لهم. في راشيا، ذات الغالبية الأرثوذكسية، حماسة لافتة لطبيب العيون إلياس جرادة، ابن إبل السقي، في وجه ابنها أسعد حردان النائب منذ عام 1992. في بلدته، تقتصر صور حردان على لافتة رفعت في الساحة. يتوافق كثر على أنه لن يحصل على أصوات أكثر مما حصل عليه في الدورة الماضية، فيما يعتمد أساساً على القاعدة الشعبية للثنائي التي جيّرت له مئات الأصوات من أصل 3 آلاف صوت تفضيلي نالها في 2018. في المقابل، نالت مرشحة الحزب الشيوعي هالة أبو كسم حوالي 1500، ومرشح القوات فادي سلامة حوالي 2500 ومرشح التيار الوطني الحر 2600 صوت. لا تهتم راشيا أو سواها من البلدات المسيحية في العرقوب بمسقط رأس نائبها. قبل الحرب الأهلية، كانت جديدة مرجعيون تسيطر على التمثيل النيابي، لكونها العاصمة المسيحية للقضاء. لم تعد العددية معياراً لاختيار خلفية المرشح، لكن بقي معيار التحالف مع المرجعية الجنوبية الأكبر (سابقاً مع آل الأسعد ولاحقاً مع الرئيس نبيه بري). لذا، لم تكن شعبية رئيس الاتحاد العمالي العام إلياس أبو رزق أو الحزب الشيوعي كافية لفرضهم نيابياً. ليست تلك المعايير ما يهدد آمال «معاً نحو التغيير» بالخرق فقط. في دورة 2018، تمظهرت للمرة الأولى أبعاد المقعد الأرثوذكسي طائفياً ومناطقياً، بعد دخول الأحزاب المسيحية على الخط. طمعاً به، شكّل كل من العونيين والقواتيين لائحة مع حلفاء، لكنهم لم يستطيعوا إحداث خرق بسبب الصوت الشيعي الأكثري المقرر. في الدورة الحالية، لا تزال غالبية الشيعة في كنف لائحة الثنائي، فيما خرج العونيون والقوات من المشهد. التيار لم يهتم بتكرار التجربة التي جمعته سابقاً مع تيار المستقبل والحزب الديموقراطي اللبناني. أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فدعا مناصريه إلى مقاطعة الانتخابات بعد فشل مرشحه فادي سلامة في تشكيل لائحة. مسيحياً، يدعم حزب الكتائب جرادة في وجه حردان. لكن الأول الذي يحظى، كما اللائحة، بدعم الشيوعيين ومجموعات 17 تشرين، يصرّ على أنه «مستقلّ وأمثّل جميع أبناء المنطقة»، رافضاً القيام بأيّ زيارة ذات طابع سياسي أو حزبي.
انكفاء تيار المستقبل عن المشهد السياسي جعل العرقوب ينكفىء عن الانتخابات


حماسة راشيا تتبدد صعوداً باتجاه كفر حمام وبلدات العرقوب السنية. التململ هناك كما السكون، أبرز المقترعين. بحسب حسيب عبد الحميد، فإن غالبية القرى تبقى فارغة معظم أيام السنة بسبب هجرة أبنائها أو نزوحهم. تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، لم يكن كافياً لإعادة جميع أبنائها باستثناء من اكتفى بوظيفة. الأسير المحرر من معتقل الخيام حظي بوظيفة في البلدية سمحت له بالعودة من بيروت للاستقرار في بلدته. لكن الدراسة الجامعية والعمل أجبرا أولاده على العودة إلى بيروت. كثر لا يهتمون مثله بالانتخابات المقبلة. «تغيير أسماء النواب ما بيفرق معنا. نحن المقيمين في الأطراف، نحتاج إلى خطة وطنية استراتيجية تدعم صمودنا في أرضنا من النقل المشترك إلى فرص العمل والطبابة والتعليم»، إضافة إلى تطبيق اللامركزية الإدارية التي توفّر على المقيمين الذهاب إلى بيروت على بعد 120 كيلومتراً لتوقيع معاملة على غرار رخصة تشحيل صنوبر بري من وزارة الزراعة!
يفرد عبد الحميد لائحة طويلة من الوعود التي أغدقها نواب ومرشحون ولم يفوا بها، أهمها دعم مزارعي الزيتون عبر المؤسسة الوطنية لزيت الزيتون التي ساهم في إنشائها نائب المنطقة أنور الخليل. «نعمة» اليونيفيل والهيئات المحلية والدولية تعوض غياب الدولة. أخيراً، أعيد تجهيز مستوصف بدعم من ابن البلدة، النائب السابق أحمد سويد، والجمعيات المانحة. مستوصف يضاف إلى مستوصفات للجماعة الإسلامية ومؤسسة الحريري. فيما يبقى مستشفى شبعا مقفلاً، وكل من مستشفيي حاصبيا ومرجعيون الحكوميين إمكاناتهما محدودة.
الهمّ المعيشي والخدماتي ليس الشاغل الوحيد عن المنازلة الانتخابية. انكفاء تيار المستقبل عن المشهد السياسي جعل العرقوب ينكفئ. قبل أربع سنوات، انساق كثر من الناخبين السنّة (عددهم حوالي 12 ألفاً) خلف الرئيس سعد الحريري الذي زار شبعا وجاراتها، داعياً إلى انتخاب لائحة المستقبل والعونيين والإرسلانيين في وجه لائحة الثنائي. التجييش المذهبي والإمكانات المادية لمرشح المستقبل عماد الخطيب عادت بأكثر من 8 آلاف صوت تفضيلي للأخير، مقابل 6 آلاف صوت تفضيلي لعضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم. تمسّك بري بأحد الرموز البعثيين نائباً لدورة خامسة على التوالي. الخطيب انكفأ عن الترشح برغم ظهوره في المشهد، زائراً ومساعداً. قبله، حافظ النائب السابق منيف الخطيب على مكانته الشعبية حتى حصد في انتخابات 2009، 13 ألف صوت. لكنه في هذه الدورة رفض الترشح شخصياً، مزكّياً ترشيح ابن بلدته شبعا محمد قعدان.
القوة الناخبة السنية كانت لها الكلمة الفصل في انتخابات 2018. اليوم، يؤكد منسق تيار المستقبل في العرقوب درويش السعدي لـ«الأخبار»: «لسنا مشاركين في الانتخابات ولسنا مقاطعين. تركنا الحرية للمناصرين في الاقتراع من دون أن يعملوا لمصلحة أيّ ماكينة أو مرشح». الجماعة الإسلامية، القوة الناخبة السنّية الثانية في العرقوب بعد المستقبل، سعت بداية إلى خوض معركة المقعد السني في الجنوب الثالثة، قبل أن تعدل عن ذلك. مسؤول الجماعة في العرقوب الشيخ شريف عطوي، لمحّ إلى أن أصوات الجماعة «ستذهب لمصلحة لائحة المعارضة التزاماً بخيارنا المؤيد لانتفاضة 17 تشرين ورفضاً للأزمة الاقتصادية».