عام 1923 أصدر المفوّض الفرنسي ماكسيم ويغان القرار رقم 2115 المتعلّق بالأشخاص الذين يُسافرون من دون إجازة قانونية، وقد نصّ على معاقبة كلّ من يدخل بخدعة إلى أحد المراكب بقصد الإبحار مسافة طويلة أو إلى سواحل غير بعيدة بغرامة وبالحبس من ستة أيام إلى ستة أشهر، أو بإحدى هاتَين العقوبتَين. كما يُعاقب القرار كلّ من يسهل، سواء كان في المركب أو على اليابسة، إبحار أحد الركاب خلسة أو إنزاله من البحر أو إخفائه، وإذا تجمّع أشخاص لتسهيل الإبحار خفية يُحكم عليهم بالحدّ الأقصى من هاتَين العقوبتين.
الغشّ بالمهاجرة
عام 1943 تضمّن قانون العقوبات اللبناني (قبل تعديله عام 2011) جرماً أسماه «الغشّ بالمهاجرة»، يعني عمليّاً الاحتيال للهجرة، وينصّ على أنّ كل من استوعد لنفسه أو لغيره نفعاً ما، باختلاقه أخباراً أو بتلفيقه أكاذيب لحمل شخص على السفر أو لتوجيه مسافر إلى بلد غير البلد الذي كان يقصده، يُعاقب بناءً على المادة 655 التي تجعل هذا العمل جنحة عقوبتها مماثلة لعقوبة الاحتيال، كما يطبّق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم.
كما تتضمّن المادة 32 من القانون المتعلّق بالدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه (تاريخ 10/7/1962) عقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة على كلّ أجنبي يدخل الأراضي اللبنانية من دون التقيّد بأحكام هذا القانون، ولكنه لا يتناول تهريب اللبنانيّين من لبنان إلى الخارج.

اتفاقية باليرمو
لكن، بتاريخ 24/8/2005، بموجب القانون 681/2005، أبرم لبنان اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، المعروفة باتفاقية باليرمو، والتي بموجبها أصدر البرلمان اللبناني قانون معاقبة جريمة الإتجار بالأشخاص بموجب القانون رقم 164 تاريخ 24/08/2011 والذي يعتبر أن جريمة الإتجار بالأشخاص تشكّل جناية، ويحدّد العقوبات تبعاً لهوية الضحية وخطورة الوسائل المعتمدة لارتكاب هذه الجريمة. وقد عرّف القانون الإتجار بالأشخاص بأنه «اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير، ولا يُعتدّ بموافقة المجني عليه في حال استعمال أي من الوسائل المبينة في هذه المادة من القانون». ويُعاقب بالاعتقال لمدة خمس عشرة سنة، وبالغرامة من ثلاثمائة ضعف إلى ستمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور إذا ارتُكبت الجريمة بفعل جماعة، من شخصين أو أكثر، ترتكب أفعالاً جرمية سواء في لبنان أو في أكثر من دولة أو إذا تناولت الجريمة أكثر من مجني عليه.
لا يُعتدّ بموافقة الضحيّة على السفر إذا تمّت بالخداع ونكون أمام حالة إتجار بالأشخاص


عن موافقة الضحية
وبالتالي فإنّ ما ورد آنفاً يدلّ على أنّ موافقة الضحية على الهجرة غير الشرعية مع عصابات تهريب المهاجرين لا يعفي العصابات من اعتبارها مرتكبة لجرم الإتجار بالبشر، وما يؤكد هذا القول ما ورد في أحكام بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية باليرمو، ولا سيّما الفقرة «ب» من المادة الثالثة منه، حيث يتبيّن بأن موافقة ضحية جريمة الإتجار بالأشخاص، راشدة كانت أم قاصرة، لا تكون محلّ اعتبار للقول بتوفّر العناصر الجرمية لجرم الإتجار بالأشخاص، وهذا ما أكّده قانون معاقبة الإتجار بالأشخاص حين أورد عبارة «ولا يُعتدّ بموافقة المجني عليه». وقد أكّدت هيئة الاستشارات والتشريع أثناء إبداء رأيها (388/20089) بمشروع القانون على عدم اعتبار موافقة الضحية في جريمة الإتجار بالأشخاص، راشدة كانت أم قاصرة، محل اعتبار للقول بتوفر العناصر الجرمية لجرم الإتجار بالأشخاص في مشروع قانون معاقبة جريمة الإتجار بالأشخاص تماشياً مع أحكام بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص.
من جهة أخرى، إنّ جرم الإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين منصوص عليه أيضاً في قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44/2015 الذي ينصّ على اعتبار الأموال الناتجة عنها أموالاً غير مشروعة تنطبق عليها أحكامه أسوة بالعمليات الإرهابية وغيرها.

عنصر الاستغلال
أثناء نظر القضاء اللبناني بقضية عصابة تمتهن الإتجار بالعاملات الأجنبيات وتهريبهن إلى تركيا وتقاضي مبالغ مالية مقابل ذلك، اعتبر قاضي التحقيق في بيروت عام 2015 أنّ فعل المدعى عليهم منطبق على المادتَين 335 و586 عقوبات، أي على قانون معاقبة الإتجار بالأشخاص (وارتكاب جنايات أخرى)، إلا أنّ الهيئة الاتهامية برّأتهم من هذا الجرم، فتقدّمت النيابة العامة الاستئنافية باستدعاء تمييزي طعناً بقرار الهيئة الاتهامية وأصرّت على اعتباره منطبقاً على قانون معاقبة الإتجار بالأشخاص، فعادت محكمة التمييز واستندت، خلافاً للاتفاقية برأينا، إلى أنّ هذه الجريمة لم تقترن بعنصر جرمي مشروط تحقّقه بمقتضى نصّ البند الأول من المادة 586 عقوبات، ألا وهو «عنصر الاستغلال» في أيّ من الأفعال المعدّدة فيه، أو تسهيل استغلالهن على هذا النحو، واعتبرت أنّ فعل المدعى عليه، لجهة نقل العاملات الأجنبيات إلى تركيا عبر سوريا، لا ينطبق على جناية المادة 586 عقوبات.
وفي دراسة منشورة في مجلة العدل (عدد 2، 2014، ص. 594) اعتبرت أنّ هناك فارقاً بين الإتجار بالأشخاص وبين تهريب المهاجرين غير الشرعيّين، وأنّ المقصود بتهريب المهاجرين غير الشرعيين هو نقلهم عبر الحدود وإدخالهم بصورة غير مشروعة إلى دولة ليسوا من رعاياها ولا يحوزون حق الإقامة فيها، في حين أنّ الإتجار بالأشخاص لا يقتصر على نقل الضحايا بين الدول وإنّما يمكن أن يكون داخل الدولة الواحدة أيضاً.
فضلاً على ما تقدّم بيانه، إنّ الإتجار بالأشخاص هو نشاط مختلف ومستقلّ عن تهريب المهاجرين لأنه يتضمن عنصراً إضافياً ألا هو عنصر الاستغلال، أما في تهريب المهاجرين فإنّ عنصر الإكراه غير موجود. ومع ذلك، فإنّ الظروف المرتبطة ببعض الأفعال التي تشكّل تهريب المهاجرين تسمح باعتبارهم أيضاً كحالات إتجار بالأشخاص.
ومن المتفق عليه حالياً أنّ رضى الشخص بترك بلده من أجل العمل في بلد آخر ليس المعيار الوحيد للتفريق بين الإتجار بالأشخاص وبين تهريب المهاجرين، فإذا ما تمّ الاستحصال على الرضى بالخداع والإكراه، لا يُعتدّ به، ونكون أمام حالة إتجار بالأشخاص.
لذلك فإنّ النصوص القانونية اللبنانية كافية لتجريم عصابات تهريب الأشخاص عبر الحدود وخاصة عبر المراكب وفق أحكام قانون معاقبة الإتجار بالأشخاص سيّما وأن الضحايا يتم خداعهم بسهولة الوصول وحتميّته.