"إذا سُئلتُ عن تاريخ ولادتي، أقول في 4 آب 2020، لأنّ هذا التاريخ شكّل بداية حياة جديدة بالنسبة إليّ"، هكذا يستذكر الصيدلي قره بت يعقوبيان، أحد المتضرّرين من انفجار 4 آب، ذلك اليوم المشؤوم. الانفجار جعله يخسر وزوجته الجنين الذي كانا في انتظاره. أما بالنسبة إلى الخسائر المادية، فقد دُمّر منزله في منطقة الجعيتاوي وصيدليّته الواقعة في مار مخايل. وعلى الرغم من أنّه ظلّ لأشهر يعمل على إصلاحهما وإعادتهما إلى ما كانا عليه، يتمسّك يعقوبيان بالعيش في لبنان "أنا مرتبط بهذا البلد، لأنّ كل ما حقّقته في حياتي حقّقته فيه". لبنان الذي مرّ فيه الأرمن، كغيرهم من اللبنانيّين، بأصعب الظروف شهد أيضاً على العديد من قصص النجاح... والحبّ، كما يخبر مسؤول نادي الأرمن في الأشرفيّة وازكين بكره جيان عن جدّه وجدّته اللذين تعارفا في ميتم "عش العصافير" للأرمن في جبيل، فتزوّجا وأسّسا عائلة في لبنان الذي أتاح لهما فرصة العيش في وطن. إلا أن انفجار 4 آب الذي تسبّب بإصابات لابنته "ذكّرني بما أعرفه عن الإبادة الأرمنيّة، كذلك بالحرب التي عشتها في الثمانينيات في لبنان".
أوجه شبه عدّة تجمع بين الإبادة الأرمنية وانفجار المرفأ بينها سقوط شهداء أرمن، طمس الحقيقة وعدم اعتراف الفاعلين بجريمتهم حتى اليوم. لكن التكافل الذي لطالما تميّز به الأرمن، مكّنهم من إعادة بناء ما هُدِم والنهوض من جديد عقب انفجار المرفأ.

تضامن محلي
تضامن الأرمن بعضهم مع بعض لمواجهة تداعيات الانفجار، كما تقول المسؤولة في جمعية صليب إعانة أرمن لبنان عن مناطق الجميزة، مار مخايل والكرنتينا، أربي قسطانيان. السيدة التي أصيبت بجروح بسبب الانفجار، تذكر أن الأضرار في منطقة سكنها مار مخايل كانت كبيرة جداً: "لا أعلم كيف ما زلنا على قيد الحياة!" وكما ساعدها آخرون في ترميم بيتها، شاركت بدورها من خلال عملها في الجمعية في توزيع مساعدات على العائلات التي تضرّرت من جرّاء الانفجار، بالإضافة إلى تأمين متابعة نفسيّة للأطفال من قبل اختصاصيين.
ويلفت يعقوبيان إلى أنّه استطاع إصلاح الأضرار في منزله بعد المساعدات الماديّة التي قدّمتها له مطرانية الأرمن الأرثوذكس والكنيسة الأرمنية الإنجيلية، بالإضافة إلى مساعدات الجيش اللبناني، وهبات من جمعية صليب إعانة أرمن لبنان. فقد تكفّلت مطرانية الأرمن الأرثوذكس بإعادة إصلاح نحو 20 منزلاً، عدا عن مساعدات ماديّة قدّمتها، فاستفاد منها ما يقارب 600 عائلة متضررة.
أوجه شبه تجمع بين الإبادة وانفجار المرفأ بينها سقوط شهداء أرمن


بدوره، يؤكّد بكره جيان أنّ الهدف الأوّل بعد الانفجار كان القيام بجولة على البيوت لإغلاقها بعدما تعرّضت لأضرار كبيرة لاسيّما في أبوابها. "أغلقنا ما يقارب 100 منزل بالنايلون كخطوة أولى، كما نقلنا 6 عائلات إلى فنادق وشقق مفروشة لأن بيوتهم كانت مدمّرة بالكامل، وبادرت كشافة هومنتمن وعدد من الجمعيات إلى تنظيف البيوت المتضرّرة".
تتذكّر مديرة مركز أراكسي بولغورجيان للرعاية الصحيّة الأوليّة في برج حمود نازلي أواقيان، بدورها، يوم الانفجار حين توافد عدد من الجرحى للطبابة في المركز الذي تعرّض لأضرار جسيمة. وتقول إنّه "خلال أسبوعين عالجنا مجاناً 300 جريح من جنسيات مختلفة ومن دون أي تمييز بينهم". وتعتبر أواقيان أنّ "لبنان استقبل الأرمن في وقت كانوا لا يملكون فيه أي شيء، وأقلّ واجب هو القيام بمبادرات تجاه أبناء هذا البلد وتقديم كل المساعدات الممكنة لهم".

... وفي الاغتراب
كذلك لعب الأرمن المغتربون في أميركا وكندا والدول الأوروبية وفي مقدمها فرنسا، دوراً مهماً خلال الأزمة الاقتصادية وانفجار المرفأ، فقاموا بحملة تبرّع لمساعدة أرمن لبنان، لا سيّما أن كثراً منهم سبق أن عاشوا في مدينة بيروت قبل الاغتراب وما زالوا يشعرون بالانتماء إليها وإلى أهلها رغم بعد المسافات. كما عملت الجمعيات الأرمنية في لبنان على تسهيل تواصل العوائل الأرمنية بين الخارج والداخل بهدف إيصال المساعدات فوراً من مصدرها.