عندما تفوق كلفة الذهاب إلى العمل «الرويتب» المقرّر له يصبح تطبيق القانون ومحاسبة الممتنعين قسراً عن ارتياد مراكز عملهم ضرباً من الإمعان في القهر. هذا ما يقوله أساتذة ثانويون هالهم أن تسطّر المفتشية العامة التربوية، أخيراً، استدعاءات بحقهم، بحجة تغيّبهم يومَي الثلاثاء في 26 نيسان الماضي والخميس في 28 منه، في تجاهل لـ «الظروف القاهرة»، وبأن الفريق الأول في العقد، أي وزارة التربية، أخلّ بالاتفاق مع الفريق الثاني أي الأساتذة، بعدما حجب لأكثر من شهر بدل النقل، والمنحة الاجتماعية، والحوافز بالدولار الأميركي. وبالمناسبة، يطرح الأساتذة علامات استفهام كبيرة حول المعايير التي تُوزَّع الحوافز على أساسها، فمن الأساتذة من وصلهم 90 دولاراً مرة واحدة أو أكثر، ومنهم من وصلهم 180 دولاراً مرة واحدة أو أكثر، ومنهم من لم يصلهم دولار واحد منذ الإعلان عنها.
انقطاع قسري
وكانت «كبسة» التفتيش، في نهاية الشهر الماضي، طاولت حصراً 16 مركزاً للإرشاد والتوجيه دون باقي الثانويات الرسمية التي تغيّب بعض أساتذتها في هذين اليومين، فيما وُجّهت الدعوة تحديداً إلى 11 أستاذاً مرشداً في مركز الإرشاد والتوجيه في صيدا للحضور إلى مبنى المفتشية العامة التربوية في بيروت، لأسباب تتعلق بالوظيفة، علماً أن المرشدين تغيّبوا في مراكز أخرى في صور والنبطية وبعقلين وغيرها!
مصادر الأساتذة تنفي أن تكون الخطوة شكلاً من أشكال التمرّد أو العصيان، فالأمر ببساطة لا يتجاوز عدم القدرة على الوصول مع «الفتات» الذي يقبضه الأستاذ والذي لا يكفي لأكثر من 10 أيام. وتحدّثت المصادر عن استنسابية في اختيار مركز صيدا للاستدعاء في حين أن المفتشين زاروا مراكز في المحافظة ووجدوا عدداً من المنقطعين قسراً لمدة يومين ولم يسطروا بحقهم استدعاءات. وفي حين شرحت أن بعض المرشدين يتكبّدون عناء زيارة ثانويات بعيدة عن أماكن سكنهم، سألت عن إمكان أن ينتقلوا إلى مركز المفتشية العامة في بيروت إذا كانوا غير قادرين على الالتحاق بأماكن عملهم في المحافظة نفسها، ولماذا لم يختم المفتش التحقيق «في أرضه» حيث يعملون، علماً أنه سبق للتفتيش أن أجرى بعض الاستجوابات وأخذ إفادات الأشخاص عبر «الواتساب». وأضافت المصادر: «هل يقع الأساتذة كبش فداء العداوة والصراع التاريخي بين التفتيش والإرشاد على صلاحيات كل من الجهازين؟».
المفتشية العامة التربوية: إجراء عادي يدخل ضمن مهامّ التفتيش


إجراء عادي؟
المفتّشة العامة التربوية، فاتن جمعة، قالت لـ»الأخبار» إنه «تمت دعوة مجموعة من الأساتذة لمساءلتهم عن تغيّبهم عن مركز عملهم من دون مبرّر قانوني خلال أيام عادية (لا دعوة للإضراب خلالها)، وهذا إجراء عادي، يدخل ضمن مهام وصلاحيات التفتيش. أما بالنسبة إلى الإضرابات فإن مطالب المعلمين، كما سائر موظفي القطاع العام، هي مطالب محقّة في ظل الوضع المعيشي المتردّي وتدهور القيمة الشرائية للرواتب، ونحن نتمنى إيجاد الحلول المناسبة لهذا الوضع المعيشي المأزوم، من دون اللجوء إلى الإضراب، بحيث يعود الموظف إلى مزاولة عمله بشكل طبيعي، وبحيث لا يكون تلميذ المدرسة الرسمية رهينة له، ولا سيما أن التعطيل أدى إلى تفاوت كبير في المواضيع والكفايات الأساسية التي اكتسبها الطالب بين التعليم الرسمي (13 أسبوعاً)، والتعليم الخاص (30 أسبوعاً)، وهذا يؤدي إلى تدهور المستوى التعليمي ومستوى الشهادة الرسمية، نتيجة اللجوء إلى التقليص المستمر للمناهج». وعن استثناء أساتذة دون آخرين من الاستجواب، أكدت جمعة أن المفتشية العامة التربوية تعمل على تطبيق القانون على الجميع من دون أي استثناء.

موقف الرابطة
اعتراضاً على استدعاء الأساتذة وعدم تحرّك رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي لحمايتهم، أعلن عضو مكتب الجنوب في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، فادي السبع أعين، تعليق عضويته في الفرع، مع بقائه كمندوب إلى جانب الأساتدة وحقوقهم وكراماتهم، وفي انتظار موقف جدي للرابطة باتجاه وقف الاستدعاءات وكل أشكال الملاحقة للأساتذة.
أمين سرّ الرابطة فؤاد إبراهيم قال إننا «لا نتدخل في عمل التفتيش، ولكن من واجبنا أن نحمي الأساتذة أياً كانت مسمياتهم ومندرجاتهم، وسنتابع الموضوع مع التفتيش ونطلب منه أن يلحظ الظروف الإنسانية للأساتذة الذين غابوا، وأنا واحد منهم، لمبرّرات اقتصادية».

بارود: العمل سخرة
ماذا ستكون العقوبات بعد عيد الفطر؟ سأل التيار النقابي المستقل، مستغرباً الأسلوب الجائر في التعاطي مع الواقع المعيشي للأساتذة، ولا سيما المرشدين في مركز الإرشاد والتوجيه في صيدا، بدلاً من مساندتهم والوقوف معهم وتحديد مكامن الخلل المتمثّل في السياسات الاقتصادية والمصرفية والتربوية والمالية والنقدية.
«التفتيش يقوم بواجباته المنصوص عنها في القانون، لكن القضية هنا ليست قانونية»، يقول لـ «الأخبار» الخبير الحقوقي زياد بارود، ولا سيما أن العمل في لبنان «تحوّل إلى سخرة، وباتت ملازمة البيوت خياراً قسرياً ليس فقط لأساتذة التعليم الرسمي، إنما أيضاً للمعلمين في القطاع الخاص وباقي القطاعات، في وقت يداوم فيه موظفو الدولة بنسبة 20%». ويسأل بارود: «ما هي العقوبة التي يمكن أن يسطرها التفتيش بحق مواطن غير قادر على الوصول إلى عمله وهل هناك قانون ينصّ على أن راتب الموظف يوازي أقل من كلفة ذهابه إلى عمله؟». المقاربة، كما قال، يجب أن تكون استراتيجية وتشمل الجميع، وتبدأ كخطوة أولى بتصحيح بدل النقل بما يتناسب مع سعر صفيحة البنزين.