انتخابياً، ثمة تطور يتعلق بالنزعة، لا سيما لدى بعض أحزاب الموالاة والمروجين لها، للتأكيد أن المقاعد النيابية أصبحت شبه محسومة. هذا الكلام انطلق في مرحلة التحضير للانتخابات، أولاً من جانب قوى معارضة اعتبرت ولا تزال أن الانتخابات لن تغير في المشهد السياسي شيئاً. لكن كلامها لم يكن متعلقاً بعدد المقاعد، بل كان مرتبطاً بدور حزب الله في المعادلة السياسية قبل الانتخابات وبعدها، وعلاقته بميزان القوى المحلية والإقليمية، ومدى تأثيره لاحقاً في استثمار نتائج الانتخابات سياسياً. لكن ظهرت في الأيام الأخيرة مؤشرات حملات مركزة سياسية وانتخابية حول حسم هوية المقاعد سلفاً في دوائر لا تفرز عادة نوابها إلا في اللحظات الأخيرة، فكيف الحال اليوم وسط حماوة انتخابية أكثر حدة من دورتي 2005 و2009. ويأخذ هذا الكلام منحى مختلفاً، لأنه يحاول التأثير في الرأي العام والقواعد الانتخابية، الأمر الذي يجعل الناخبين يمتنعون عن الاقتراع تلقائياً ما دامت النتائج محسومة سلفاً. وقياساً إلى تجارب نسبة الامتناع عن الانتخابات سابقاً، ورهان المعارضة على الشريحة التي تمتنع حتى اللحظات الأخيرة من الاقتراع، لتجييشها، فإن خشيتها تكمن في ارتفاع الترويج للغة سياسية وإعلامية في تفنيد المقاعد القليلة المتبقية للتنافس حولها. وهذا الأمر يكاد يصبح سمة عامة في رسم خريطة المجلس من الآن، والرهان المسبق على تقدم الموالاة في أكثرية الدوائر التي تخوض فيها الانتخابات، بنسب كبيرة تجعل من المستحيل تحقيق خرق فيها.
ترويج النتائج مسبقاً يهدف إلى جعل الناخبين يمتنعون عن الاقتراع تلقائياً ما دامت النتائج معروفة
أما المشهد الأخير فيتمثل باللغة غير المسبوقة في الكلام الانتخابي واستخدام تعابير وشحن طائفي ومذهبي وسياسي متفلت من كل الضوابط الأخلاقية والسياسية. المشكلة أن هذا الكلام لا يتعلق فقط بمعارضة وموالاة وإن كان هو الأبرز. لكن حملات التخوين والتشكيك تطاول حلفاء من ضمن الصف الواحد، عدا عن تلك التي تطاول المنشقين عن الأحزاب، بعدما كانوا لسنوات رفقاء الدرب الواحد، كما يحصل مع الخارجين من صفوف تكتل لبنان القوي أو تيار المستقبل أو المنشقين عن مجموعات من الثورة لصالح مجموعات أخرى رديفة. يعكس هذا الواقع جوانب شخصانية في تعامل الأحزاب مع المحيطين بها، أكثر منها جوانب سياسية تتعلق بالرؤية والنظرة إلى إدارة الملفات. لكن في الحالتين، فإن اللغة التي تستخدم اليوم، تماماً كما مشاهد العنف الجسدي بتبريرات مختلفة، لم يعد يمكن ضبطها وسط حالات التفلت الأمني في مناطق عدة وحالات الخطف الرائجة. مع فارق أن الأحزاب السياسية هي المسؤولة في الشق الأول في حين أن العصابات المسلحة هي المعنية في الشق الثاني. لكن هذه الأحزاب نفسها التي ترفع وتيرة ترويجها في الفترة الأخيرة، ستكون على موعد مع مرحلة الاستحقاقات المقبلة، فكيف يمكن أن تسحب فتيل أي مواجهات بعد الانتخابات في موازاة استمرار للانهيار الاقتصادي والاجتماعي لن تُكتب له حلول سحرية. وتبعاً لذلك، كيف يمكن تصور مشهد الأشهر الخمسة الفاصلة عن نهاية العهد، وعن مواكبة المجلس النيابي لكل ما هو مؤجل الآن، إلى ما بعد 15 أيار، في حال استمرت حال التشنج إياها من دون أي ضوابط.