تحت وطأة غليان الشارع الطرابلسي، دعا رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الى جلسة عاجلة للحكومة في القصر الجمهوري، أمس. ولأن لا خطة حكومية طارئة لوقف نزف عائلات ذوي ضحايا مركب الهجرة، كما أن لا خطة منذ الأصل لوقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في كل لبنان، اتُّخذت سلسلة تدابير شكلية ستبقى حبراً على ورق، ويفترض أن تساعد في تخدير المواطنين لفترة وجيزة الى حين حلول موعد الانتخابات، ثم دخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال. من هذا المنطلق، تقرر تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من وزير العدل والمالية والداخلية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد والتنمية الإدارية لإعداد مشروع قانون يرمي الى إنشاء مجلس لتنمية الشمال وعرضه على المجلس بالسرعة القصوى. وعدا عن أن الحكومة لا تملك ترف إعداد مشاريع وإقرارها ضمن المهلة المتبقية لها، فإن مجرد الإيعاز بإنشاء مجلس جديد على شاكلة مجلس الجنوب والصناديق التي فاضت هدراً ووظّفت لغير الأهداف التي أنشئت من أجلها، يعني أن الحكومة عاجزة عن إعداد أيّ برنامج اجتماعي إنمائي لتحسين وضع مدينة طرابلس. ويعني أن رئيس الحكومة الطرابلسي الذي سبق له أن وعد المدينة التي صنّفتها الأمم المتحدة «الأفقر على الساحل الشرقي للبحر المتوسط»، بالمنّ والسلوى و«نور الفيحاء» (مشروع لإضاءة طرابلس) وعشرات المشاريع الإنمائية منذ تسلمه رئاسة الحكومة في عام 2011، لن ينجز في أيامه الأخيرة سوى تكديس وعوده فوق وعود سعد الحريري، علماً بأنه سبق لحكومة حسان دياب أن وضعت هدفاً لها إلغاء المجالس والصناديق التي استخدمت أموال الدولة كرُشى ووزعتها بطريقة استنسابية مقابل عدم قيامها بأيّ مهام تذكر، وهو مشروع تبنّته حكومة ميقاتي وأرسلت الى المؤسسات العامة والإدارات والوزارات مسودة حول كيفية إلغاء هذه المجالس والصناديق عبر آليات قانونية مفصلة. لكن يحصل أن تبرر الغاية الانتخابية والشعبوية كل الوسائل والتدابير.
قائد الجيش حمّل الحكومة المسؤولية: لا تدخلونا في الحسابات الانتخابية

هكذا، لن يحصل ضحايا زورق الهروب من الفقر والعوز سوى على الفتات الذي ستقدمه الهيئة العليا للإغاثة التي كلفها مجلس الوزراء «اتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بالموضوع لمواكبة الضحايا ونقل ما يلزم من اعتمادات عند الاقتضاء من احتياطي الموازنة العامة الى موازنة رئاسة مجلس الوزراء ــــ الهيئة العليا للإغاثة على أساس القاعدة الاثنتي عشرية». وطُلب من بعض الوزارات كالشؤون الاجتماعية التواصل مع الهيئات والمنظمات الدولية للبحث في إمكان تقديم المساعدة في المجالات الصحية والإنسانية والنفسية لذوي الضحايا. كما طُلب من وزيرَي الداخلية والمالية تحويل مستحقات بلدية طرابلس من الصندوق البلدي المستقلّ. فيما ستعمل وزارة الأشغال العامة والنقل على الإيعاز لمن يلزم لتسجيل المراكب البحرية لدى رئاسة المرافئ في مهلة أقصاها 3 أشهر تحت طائلة المصادرة.
في غضون ذلك، لم ينته التحقيق الذي فتحه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي في جريمة غرق زورق المهاجرين، على ما أبلغ قائد الجيش جوزيف عون مجلس الوزراء أمس بعد استدعائه وقائد القوات البحرية هيثم ضناوي ومدير المخابرات أنطوان قهوجي. وجرى الطلب الى قائد الجيش «ضبضبة الموضوع» عبر الاعتذار ومحاسبة الضباط المتورطين في محاصرة القارب وربما إغراقه، إلا أن عون فاجأ الحاضرين بمداخلة حادّة أكد فيها أن الجيش لم يخطئ، وأن حرصه الأساسي هو الحفاظ على معنويات عناصره. وبالتالي، كقائد، لا يستخدم الطريقة الشعبوية لإرضاء أيّ كان، طالباً عدم إدخاله في الحسابات السياسية والانتخابية. وهاجم مجلس الوزراء من منطلق أنه لو تحمّل مسؤوليته منذ انفجار المرفأ لما كانت الأوضاع وصلت الى هذا المستوى من الانحدار. وأشار الى أن ثمة تحقيقاً مفتوحاً بإشراف القضاء العسكري جرى على إثره توقيف أحد المتورطين بقارب الهجرة غير الشرعية. وعرض عون فيديوات مأخوذة عبر الهاتف الخلوي تظهر لحظة ارتطام الطرّاد العسكري بالقارب. معظم الوزراء أجمعوا على أن صورة الفيديو كانت قاتمة جداً، وبالكاد يمكن رؤية ما حدث، غير أن الأكيد حصول مشادة كلامية بحيث سُمع صراخ مرتفع. وعرض الجيش أيضاً صوراً للقارب حيث تم رسم خط للحدّ الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه المياه وذلك للإشارة الى أن القارب كان زائد الحمولة وغارقاً في المياه منذ انطلاقته. كما أُشير الى أنه معدّ ليسع 10 أشخاص. وبحسب تحقيقات أولية للجيش، كان الاتفاق أن يبحر 40 شخصاً وهم الذين تقاسموا ثمن المركب، لكن ليلة الإبحار صعد الى المركب ما يفوق السبعين شخصاً، إضافة الى حمولة تقدر بـ 30 صفيحة من المازوت لضمان وصولهم الى الساحل الإيطالي. وفي ختام الجلسة، طلب مجلس الوزراء من قيادة الجيش إجراء تحقيق شفاف حول ظروف الجادث وملابساته وتكثيف جهود البحث عن المفقودين بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية. كما أوعز رئيس الحكومة الى وزير الخارجية عبد الله بوحبيب التواصل مع الجهات الدولية للمساعدة في تأمين المعدات والآليات اللازمة لتعويم المركب الغارق. ومساء أمس، اجتمع كل من بوحبيب ووزير الدفاع موريس سليم مع السفير البريطاني إيان كولارد والقائم بالأعمال في السفارة الأميركية ريتشارد مايكلز والقائم بالأعمال في السفارة الفرنسية جان فرنسوا غيوم لطلب المساعدة بهذا الشأن.