بدا المشهد سوريالياً، أمس، خلال مناقشة اللجان النيابية المشتركة مواد قانون الـ«كابيتال كونترول» المرسل من الحكومة. فمن فرّقتهم السياسة، جمعهم التوافق على الإسراع في إقرار القانون مع تعديل مواده. حزب الله كان إلى جانب تيار المستقبل والحزب الاشتراكي وحركة أمل، فيما أصرّ كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على تفنيد المواد تفصيلياً، مع الإشارة الى أنهما يقومان بالخطوة مكرهين بسبب إصرار الكتل الأخرى. في الخلاصة، أُقرّت المادة الثالثة من القانون بعد تعديلها والموافقة عليها من قبل كل الأطراف. وبعدما كانت الصيغة القديمة تمنح صلاحيات استثنائية للجنة التي يترأسها وزير المال، جرى تعديلها لتصبح برئاسة رئيس مجلس الوزراء، على أن تصدر الحكومة المراسيم التطبيقية وتتولى اللجنة تنفيذها. وأصبحت الصيغة المعدلة كالآتي:1ــــ تُنشأ لجنة خاصة برئاسة رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ووزيرَي الاقتصاد والتجارة والعدل وحاكم مصرف لبنان.
2ــــ في حال الحاجة إلى الاستعانة بقضاة أو بخبراء ماليين واقتصاديين يتم تعيينهم بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء.
3ــــ تقوم اللجنة بإعداد النصوص التطبيقية التي تصدر بمرسوم بناءً على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء، وتتولى اللجنة الإجراءات التنفيذية.
الى جانب المادة الثالثة، رُحّل خلاف من جلسة الأسبوع الماضي عند إقرار المادة الثانية المتعلقة بالتعريفات. فلما وصل الدور إلى تعريف «الأموال الجديدة»، جرى الاعتراض على ذكر «تعاميم مصرف لبنان» ضمن التعريف وطُلب الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إرسال «اجتهاد قانوني» من دون ذكر التعاميم.
وبالفعل، وصل اقتراح سلامة الذي يعتبر الأموال الجديدة: «تدفقات العملات الأجنبية كافة المحوّلة الى حسابات مصرفية في لبنان التي تمّت بعد 17 تشرين 2019 عن طريق تحاويل من الخارج و/ أو إيداعات نقدية. ويستثنى منها الأموال المحوّلة من الخارج وذلك:
ــــ بنسبة 15% من قيمة الأموال المحوّلة إلى الخارج خلال الفترة المبتدئة من 1/7/2017 حتى تاريخ 27/8/2020، من العملاء الذين قام أيّ منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية الأخرى.
ــــ بنسبة 15% من قيمة الاعتمادات المستندية المفتوحة في أي واحدة من السنوات الثلاث التالية: 2017 أو 2018 أو 2019.
ــــ بنسبة 30% من قيمة الأموال المحوّلة الى الخارج خلال الفترة المبتدئة من 1/7/2017 حتى تاريخ 27/8/2020، من رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات وكبار مساهمي المصارف ومن الإدارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الأشخاص المعرضين سياسياً peps وذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بواسطة شركات يمتلكها أيّ منهم، والذين قام أيّ منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية».
هذه الصيغة لم تُقرّ بعد في انتظار أن تدرسها كل الكتل النيابية.
وبموازاة ذلك، لم تكن الجلسة هادئة، وخصوصاً أن البعض في تيار المستقبل والحزب الاشتراكي يوجّه اتهامات للآخرين بـ«الشعبوية»، ويتقصدون المماطلة لمنع إقرار القانون قبيل الانتخابات النيابية. وقال النائب الاشتراكي بلال عبد الله لـ«الأخبار» إن «هذا القانون لا يحتمل هذا الكمّ من الإنزالات السياسية عليه. فمن لديه ثأر مع سلامة ومصرف لبنان يرميه في الجلسة، ومن لديه مشكلة مع المصارف أيضاً. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بالسرية المصرفية وبرغبة البعض في رفعها كلياً، رغم أن هذه الميزة هي التي تسهم في اجتذاب الإيداعات والاستثمارات، لذلك من الأفضل أن يكون رفع السرية جزئياً». وأكد عبد الله ضرورة مقاربة القانون «بعيداً عن الحسابات الانتخابية والكيدية ومع احترام ثوابت ثلاث: تأمين انطلاقة لخطّة التعافي، حماية أموال المودعين، أرضية ثابتة لنستمر». وأشار إلى مسعى لإقرار الكابيتال كونترول قبل الانتخابات رغم تفضيل كتلته أن يكون ضمن خطة كاملة. ولكن لأنه «جزء من القوانين الإصلاحية المطلوبة للحفاظ على الكتلة النقدية المتبقية، لا ضير بإقراره وحيداً».
كلام عبد الله يتعارض مع موقف النائب القواتي جورج عدوان، إذ وصف الأخير القانون من دون خطة شاملة بـ«حفلة ضحك عالدقون». وقال في معرض إجابته على اتهام بعض النواب له بالشعبوية والرغبة في تطيير القانون إن «المشروع بصيغته المرسلة من الحكومة يغطي كل الموبقات التي قام بها حاكم مصرف لبنان والمصارف والسلطات السياسية ويفتح المجال لاستمرارهم في النهج نفسه». وأوضح عدوان لـ«الأخبار» أن حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل «أصرّوا على عدم ربط القانون بخطّة التعافي، رغم اقتراحنا الضغط على الحكومة لإقرارهما بالتوازي.
اللجان المشتركة تناقش مشروع القانون مادة مادة

لذلك أبلغناهم أننا نقبل النقاش ولكن سنفنّد القانون على الحرف لأنه يمنح براءة ذمة للمصارف ومصرف لبنان وللحكومات المتعاقبة على حدّ سواء. وهو ما حصل، فبدأنا النقاش كل مادة بمادتها وستكون هناك جلسة كل يوم». ووصف عدوان المشروع بأنه «ملغوم ويفترض التدقيق به. فعلى سبيل المثال، وخلال النقاش بالمادة الثانية أي التعاريف، كان مقترحاً تمرير منصّة صيرفة في مصرف لبنان بصيغتها الحالية لمنحها شرعية لكل ما نفذه سلامة بواسطتها سابقاً. لكن أصررنا على تعديل تعريفها لتصبح منصة الصيرفة (مع أل التعريف) وهي منصة ستنشأ إنفاذاً لهذا القانون، بمعنى أننا رفعنا الغطاء والشعبية عن المنصّة القديمة». كذلك الأمر بالنسبة إلى تشكيل اللجنة «التي كانت مفوّضة بالتحكم في رقاب الناس ويمكنها اتخاذ قرارات وتنفيذها من دون رقيب».
من جهته، أكد النائب حسن فضل الله أن «مشروع الحكومة غير مقبول من قبل الكتلة وهو بحاجة إلى تعديلات جوهرية وبنيوية وهو ما يحصل في اللجان اليوم». وأشار إلى أن المواد تقرّ بالتوافق، نافياً أن تكون أي كتلة معترضة على مبدأ الـ«كابيتال كونترول».

قيود وتعريفات غير مشروعة
حضر جلسة اللجان النيابية المشتركة ممثلون عن اتحاد نقابات المهن الحرة التي قدمت ملاحظاتها على القانون. لكنها أشارت إلى أنه يأتي متأخراً، وقد يحقّق عكس ما يُرسم له من أهداف إذا جرى بمعزل عن رزمة من القوانين والتدابير الأخرى ولا سيما خطّة التعافي، وتوحيد سعر الصرف، وإعادة هيكلة المصارف، ورفع السرية المصرفية، وضرورة تحديد مسؤولية توزيع الخسائر. واعترض الاتحاد على المواد الواردة ضمن القانون، ومنها عبارة «الأموال الجديدة» باعتبارها عبارة «غير مشروعة». كذلك رفض الاتحاد وضع قيود على عمليات بيع العملة الوطنية لشراء الدولار، لأنه سيفاقم ظاهرة السوق السوداء، واعترض على وضع قيود على السحوبات الخاصة والتحويلات بما سماه القانون «الأموال القديمة». فتدبير مماثل يعني «حرمان المودعين من ودائعهم نهائياً وتحميلهم منفردين وزر المسؤوليات وعبء الخسائر». كذلك استغرب الاتحاد نصّ المادة التاسعة الذي يقيّد فتح حسابات مصرفية جديدة، «وكأن المقصود شلّ الحركة الاقتصادية بينما المطلوب إلزام المصارف بإعادة فتح الحسابات المغلقة من دون وجه حق»، معتبراً أن أمراً مماثلاً يشجّع على الاقتصاد النقدي والتهريب وتبييض الأموال.
أما المادة العاشرة المتعلقة بمراقبة حسن تطبيق القانون والعقوبات، فمرفوضة كونها تضع هذه الصلاحيات «بيد لجنة الرقابة على المصارف التي أثبتت عدم استقلاليتها وحيادها إضافة إلى إخلالها بممارسة عملها الرقابي»، فضلاً عن أن مادة العقوبات «تضرب السلطة القضائية وهيبة القضاء وتضع مسألة فرض الغرامات وفق تقدير اللجنة رغم وضع آلية لإدخال النائب العام التمييزي». المادة الأهم هي المادة 12 التي تتمحور حول الأحكام العامة. فهذه المادة وفق الاتحاد تمنح من دون خجل إبراء ذمة للمصارف والمؤسسات المالية والمصرف المركزي وحتى الدولة من أي مسؤولية سابقة وحاضرة أو لاحقة بالنسبة إلى كل المراجعات المقامة ضدّها في الداخل أو الخارج والإجراءات القضائية والأحكام الصادرة باستثناء المبرمة». كذلك تمنع هذه المادة «المساءلة والملاحقة القانونية وهي بمثابة شبه عفو عام مالي سيتصدى الرأي العام لها». لكل هذه الأسباب، يرفض اتحاد نقابات المهن الحرة مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول» بصيغته الحاضرة المقدمة من الحكومة.


موقف بري لافت
كان لافتاً تغيّر موقف حركة أمل من مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول» بهذه السرعة، ففي الفترة الأولى التي تلت توقف المصارف عن الدفع، وبدء النقاش في خطّة التعافي، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري من أبرز المعارضين لإقرار قانون تقييد السحوبات والتحويل بذريعة الحفاظ على أموال المودعين. وقد شكا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من هذا الموقف مراراً وطلب من الرئيس بري في أكثر من مناسبة تعديل موقفه، إلا أن بري استمرّ على موقفه حتى الأيام القليلة الماضية التي سبقت الاتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي. وقد فوجئ عدد من النواب أثناء النقاشات في اللجان المشتركة أمس، بأن نواب حركة أمل بدوا متحمّسين لإقرار القانون على عكس ما أظهروه سابقاً.