وفق الصيغة الجديدة لاقتراح قانون «كابيتال كونترول» ستتمثّل السلطتان النقدية والسياسية، المسؤولتان عن الانهيار، في لجنةٍ مهمّتها تطبيق سلّة إجراءات يفترض أن تكون جزءاً من خطّة شاملة للإصلاح والتعافي. فاللجنة ستكون مؤلّفة من حاكم هندَسَ الانهيار، ورئيس حكومة كان وما زال حامياً للحاكم ولسائر قوى السلطة، ووزير مالية عمل تحت إمرة الحاكم لسنوات. أما الأعضاء المستقلّون، فهم أبناء هذا النظام، سواء القاضي، أو الخبراء الذين يعيّنهم رئيس الحكومة.ينصّ البند الثامن من اقتراح قانون الـ«كابيتال كونترول» المرفوع من الحكومة إلى مجلس النواب، على تشكيل لجنةٍ مؤلفة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية العامة وحاكم مصرف لبنان، على أن يقوم رئيس الحكومة بتعيين خبيرين اقتصاديين وقاضٍ في اللجنة. في وضعها الحالي، لا تمثّل هذه اللجنة مصدر ثقة لأحد، بل هي تمثّل حزب المصرف بكل فساده وتشكيلاته الفاسدة. فالحاكم الحالي رياض سلامة، ملاحَق بدعاوى قضائية في لبنان والخارج بتهم الاختلاس وهدر المال العام وهو يُعدّ أحد أبرز المسؤولين عن الانهيار المالي. أما وزير المالية يوسف الخليل، فهو كان مدير العمليات السابق في مصرف لبنان وفي أيامه وعلى يديه نُفذت العمليات المالية المسماة «هندسات» والتي أدّت إلى شفط الدولارات من يد المودعين إلى المصارف ثم إلى مصرف لبنان. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهو شريك مساهم في مصرفين، ويُعدّ من أبرز حماة ظهر سلامة. تعيين قاض وخبيرين اقتصاديين في اللجنة، يأتي ثمناً لتسوية أجريت بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وظاهرياً يضفي الأمر نوعاً من الموضوعية على اللجنة وإن كان لا يمنحها الثقة اللازمة على اعتبار أن ميقاتي أو من سيخلفه في رئاسة الحكومة لن يقدم على تعيين أي شخص خارج عن سيطرته وسيطرة قوى السلطة.
من حيث المبدأ، كان يجب إقرار قانون لتقييد عمليات السحب والتحويل منذ الأيام الأولى للأزمة، من أجل وقف نزيف العملات الأجنبية وكفّ يد المصارف ووضع حدّ للاستنسابية التي مارستها، ومنع النافذين من تهريب ودائعهم. عادة تناط مهمّة تنظيم ومراقبة عمليات السحب والتحويل بالمصرف المركزي، إنما في حالة الاشتباه في عدم أهليته، كما هي الحال اليوم مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيصبح «تطبيق القانون مشروطاً بالتبديل في حاكمية المركزي، وإلغاء جميع التعاميم الصادرة عنه، واعتماد آلية جديدة، فضلاً عن محاسبة المسؤولين بدءاً من الحاكم، ووزير المالية وانتهاءً بكل من يثبت تورّطه في التسبب بالأزمة لطمأنة اللبنانيين»، بحسب رئيس الجمعية اللبنانية لحماية المكلّفين المحامي كريم ضاهر.
لكن ما حصل هو العكس تماماً. فقد اتفقت قوى السلطة على إطلاق يد سلامة، بصفته ذراعها المالية، وأبقته في سدّة القرار، لا بل منحته المزيد من المواقع والصلاحيات بالوكالة. فعلى سبيل المثال، عُيّن وزير للمالية العامة كان يعمل تحت إمرته كمدير للعمليات المالية في مصرف لبنان. ولم تكن هدايا السلطة للحاكم من طرف واحد، بل هو بادلها الهدايا من خلال ضمان الفوضى في السوق ما سهّل عمليات تهريب الأموال، ومنحها الوقت الكافي لتغطية ندوب ما بعد 17 تشرين الأول 2019 والنهوض مجدّداً. فوزّع على أزلامها وجماهيرها أموالاً من الاحتياطات بالعملات الأجنبية عبر قنوات ما سُمّي «دعم». في المقابل، حصل الحاكم، لغاية اليوم، على حماية هذه القوى. أما اليوم، فهذه القوى، قرّرت منح الحاكم المزيد من الصلاحيات عبر لجنة قانون منع التحويلات والسحوبات المعروف بـ«كابيتال كونترول». فمن دون أي مساءلة أو محاسبة، تقرّر إيكال مهمة تطبيق القانون إلى لجنة يكون أعضاؤها من المشتبه فيهم. الأنكى من ذلك، تكون قراراتهم مبرمة غير قابلة للطعن. هذا الأمر يثير الريبة لجهة احتمال حصول تواطؤ بين المشتبه فيهم، وهم القيّمون على اللجنة ويمثّلون حزب المصرف ومصالحه، على ارتكاب المزيد من الجرائم المالية. هذا برأي ضاهر «سيعطّل القدرة على تحقيق أحد أهداف القانون، وهو استعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني، كونه سيزيد من هواجس اللبنانيين وانعدام ثقتهم، ويدفعهم نحو الاستمرار بتخزين الأموال في المنازل». يعزز هذا الاتجاه «سوابق السلطة الخطيرة بتغييب دور المؤسسات الرقابية وإلغاء وجودها في لجنة حساسة كهذه»، فضلاً عن تاريخها مع التعيينات لجهة اختيار من يحفظ ويحمي مصالحها هي. وليس آخر مثال، يكمن في تعيين أعضاء هيئة مكافحة الفساد، إذ يجزم ضاهر «أن هؤلاء ليسوا نموذجاً على من سيجازف لمحاربة الفساد».


الرقابة للجنة لا تراقب
أوكل مشروع القانون، مراقبة عمل لجنة تطبيقه، إلى لجنة الرقابة على المصارف. هذه اللجنة، للمفارقة، لم تمارس أي دور أو أي صلاحية تجاه أي مصرف خالف القانون في الفترة الماضية، لذا قد يكون اختيارها سبباً كافياً لممارسة هذه الوظيفة، إذ يرجح أن تواصل سلوكها السابق لمراقبة لجنة بصلاحيات مبرمة تتحكّم بكل عمليات السحب والتحويل في لبنان.


تهديد للسلم الاجتماعي؟
سيطاول «الكابيتال كونترول»، المودعين بالدرجة الأولى. وهؤلاء وفق رئيس جمعية المودعين حسن مغنية، «سيخرج منهم آلاف عبدالله الساعي، المودع الذي لجأ إلى انتزاع حقّه بقوة السلاح من المصارف». يرفع مغنية السقف ليقول بأن «قانوناً كهذا في ظل منظومة كهذه، يهدّد السلم الاجتماعي، إذ إن القوى السلطوية تضع المودعين مجدداً تحت رحمة من مارس بحقهم جرماً ضد الإنسانية باستخفاف فاضح بأبعاد قرارها».