«خَفِّتْ الإجر» على صندوق تعاضد أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية. لم يعد أساتذة الجامعة يعوّلون على تغطية صحية باتت عملياً «بالأرض»، بخلاف أيام «العزّ» التي عاشها الصندوق منذ أن باشر تقديماته في عام 1997. بالنسبة إلى الأساتذة، الصندوق كان أهم المكتسبات التي حقّقوها على مرّ تاريخ نضالاتهم. في أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري، وافقت رابطة الأساتذة المتفرّغين برئاسة النقابي الراحل صادر يونس على التخلي عن نصف الزيادة على الرواتب التي كانت تطالب بها مقابل عرض الحريري تعزيز خدمات الصندوق، واعتباره جزءاً من الراتب أو سلسلة الرواتب. جرى ذلك تحت عنوان «خصوصية الأستاذ الجامعي»، وهو شعار أطلقه الحريري آنذاك، وتمسك به الأساتذة في كل تحركاتهم المطلبية في ما بعد. قبل ذلك، كان أساتذة الملاك في الجامعة فقط دون الأساتذة المتفرغين والمتعاقدين يستفيدون من تقديمات تعاونية موظفي الدولة.من امتيازات صندوق التعاضد أنه مؤسسة عامة وليس إدارة عامة، ولا يخضع للبيروقراطية الإدارية، ويتمتع بمرونة لا تتمتع بها الصناديق الأخرى، إذ يستطيع رئيس مجلس الإدارة توجيه كتاب إلى وزيرَي التربية والمال للحصول على موافقتهما بتغطية دواء أو جهاز طبي جديد أو تعرفة معينة، ولدى حصول الموافقة يصبح الأمر نافذاً. وميزته أنه يقدم تغطية للأساتذة المتقاعدين مماثلة للأساتذة الموجودين في الخدمة الفعلية، مع فارق أن من يتقاضى تعويض صرف يدفع مليون ليرة سنوياً، بخلاف من يتقاضى معاشاً تقاعدياً.
اليوم، يكاد هاتف الصندوق لا يهدأ من الاتصالات اليومية للأساتذة الذين يبلغون الموظفين عن مبالغ مالية خيالية تطالبهم المستشفيات بدفعها بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي. هم مسجلون درجة أولى، وفروقات الصندوق باتت مخيفة، إن في الدواء أو الاستشفاء، فيما لا تزال تعرفة الصندوق على سعر 2550 ليرة للدولار الواحد. أكثر ما يشكو منه الأساتذة دفع تكاليف اللوازم الطبية (البروتيز) ومواد علاج الأسنان التي تسعّر بالدولار الأميركي. ومع أن الصندوق يطبّق تعرفة الـ 100% على أدوية الأمراض السرطانية، إذا توفرت، إلا أنه لم يستطع مثلاً أن يقدم أكثر من 10 ملايين ليرة لأحد الأساتذة المرضى الذي اضطر لشراء دواء بـ4 آلاف دولار وفق سعر السوق الموازية.
ورغم أن الصندوق ملتزم بسعر تعاونية موظفي الدولة، فهو لم يرفع أيضاً تعرفة المعاينات والفحوصات الخارجية، على غرار ما فعلت التعاونية، لغياب السيولة المطلوبة لديه، فمساهمة وزارة التربية في موازنة الصندوق هي 41 ملياراً و550 مليون ليرة لبنانية، يضاف إليها 5 مليارات ليرة من الاحتياط و7 مليارات ليرة (اشتراكات الأساتذة)، في حين أن الصندوق يحتاج إلى موازنة لا تتدنى عن 150 مليار ليرة حتى «يقلّع»، بحسب أحد الإداريين المطّلعين على عمل الصندوق. ويشرح كيف أن الصندوق يبدأ السنة المالية على قاعدة الاثني عشرية، فيما تكون الموازنة مقدمة من وزيرَي التربية والمال، والتأخير يأتي عادة من وزير المال وليس من وزير التربية.
آخر قطع حساب صُدّق عليه كان في عام 2003، فيما وعد الصندوق بزيادة كافية لموازنته في عام 2022، لكن ذلك رهن بإقرار الموازنة العامة في المجلس النيابي، ما يعني أن هذا المأزق سيستمر لبعض الوقت.
اليوم، يبلغ عدد الأساتذة المنتسبين إلى الصندوق بين الخدمة والتقاعد نحو 3500 أستاذ، ويراوح عدد المستفيدين بين 10 آلاف و12 ألفاً، إذ يغطي الصندوق الداخلين في الملاك وعائلاتهم ومَن في عهدتهم، المتعاقدين المتفرغين وعائلاتهم ومن في عهدتهم والمتقاعدين وعائلاتهم ومن في عهدتهم.
بحسب المصدر، لا يوفر رئيس مجلس إدارة الصندوق ومدير الصندوق الجهود لاجتياز هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية التي لم يسبق للصندوق أن مرّ بها، والخيار اليوم هو البحث عن مصادر تمويل إضافية من أموال الـ PCR وما شابه، بعد إيجاد الآلية القانونية المناسبة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، فيما خيار رفع تعرفة الاشتراك سيكون مرفوضاً من الأساتذة، وإن كان بحدّ ذاته إجراء غير كافٍ أيضاً.