خلافاً للمثل الشائع «اشتدّي أزمة تنفرجي»، فكلما اشتدت أزمة القمح كلما بعدت انفراجتها رغم كل التطمينات الزائفة. محور المشكلة مصرف لبنان الذي يصرّ على رفض تمويل استيراد القمح من الاحتياطات بالعملة الأجنبية، ما دفع رئيس الحكومة وبالاتفاق مع وزير المال يوسف الخليل إلى مدّ يدهم على حقوق السحب الخاصة واستعمالها لشراء كميات القمح المستوردة. المشكلة تكمن في كيفية استعمال هذه الحقوق، إذ سرعان ما انقضّت قوى السلطة عليها لتحويل فتح الاعتمادات إلى «مهرجان انتخابي». الآن، السلطة تعاير شعبها بأنها تشتري لهم القمح، بأموالهم، حتى لا يجوعوا، بينما حاكم مصرف لبنان لن ينفق الاحتياطات بالعملة الأجنبية إلا على الهدر الذي شهده لبنان في السنوات الماضية.فتح مصرف لبنان يوم أمس اعتمادات لباخرتي قمح، على أن يَستكمل اليوم فتح اعتمادات لعدد إضافي من البواخر، وذلك بعدما وقّع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير المال يوسف خليل، قراراً قضى بسحب 15 مليون دولار من حسابات السحب الخاصة بلبنان لتأمين حاجة السوق الطارئة من القمح. هذا المبلغ يكفي «لتأمين حاجة السوق من القمح لمدّة شهر إذا احتسبنا أيضاً المخزون المتوافر لدى المطاحن» بحسب رئيس نقابة أصحاب المطاحن أحمد حطيط.
حلّ ترقيعي آخر تبلور بعد حفلة مشاورات وتدخلات واتصالات تولى جزء كبير منها «الرئيس نبيه بري منذ يوم السبت». لكن العرقلات ظلّت مستمرة حتى يوم أمس «ما اضطر الرئيس بري للتدخل مجدداً لحلحلتها» على ما يقول حطيط. إذاً فالأمن الغذائي يدار بالمونة والوساطات والحلول التي تنبت في اللحظات الأخيرة، فيما يحرم المواطنون من الخبز لأيام، في ظل غياب أي آلية واضحة وشفافة تضمن الأمن الغذائي بعيداً من الاستنسابية.
أساساً، ما الذي يضمن عدم تكرار السيناريو نفسه بعد مدّة. فمنذ أسبوع تحديداً طمأن وزير الاقتصاد المواطنين بعد جلسة مجلس الوزراء (الأربعاء 6 نيسان) أن «القمح الذي يستورد للقطاع الخاص هو القمح الطري المدعوم الذي تفتح له اعتمادات من مصرف لبنان ويكفي حاجة السوق. يوجد في السوق اللبنانية الآن، أكثر من خمسين ألف طن، لكن سجل تأخير من قبل مصرف لبنان بفتح الاعتمادات، وطلبنا اليوم كمجلس وزراء منه دفع الاعتمادات المتأخرة الجديدة»، مشيراً إلى أن «حاجة السوق موجودة، والشحنات وصلت وقسم كبير منها دخل البلد، وهناك قسم لا يزال في البواخر، وطلبنا اليوم من مصرف لبنان أن يفتح هذه الاعتمادات، وفور إتمام الأمر يسلم الطحين للأفران وتنفرج الأزمة التي نعاني منها».
الأمن الغذائي يدار بالمونة والوساطات في غياب أي آلية واضحة وشفافة


لم تمض على تطمينات الوزير أيام معدودة حتى انفجرت أزمة القمح على نطاق واسع في وجه المواطنين الذين عبثاً حاولوا البحث عن ربطة خبز خلال اليومين الماضيين، فيما تكاثرت الأحاديث عن تجارة الطحين والخبز في السوق السوداء.
انفراج الأزمة يفترض أن يظهر خلال الساعات المقبلة «بخاصة أن الباخرتين اللتين فتح مصرف لبنان الاعتماد لهما سبق أن أفرغتا مخزونهما منذ نحو 20 يوماً واستحصلتا على الموافقة من وزارة الزراعة والجمارك، ونتيجتهما صدرت بعد إخضاع القمح للفحوصات اللازمة للتثبت من جودته. ومخزون الباخرتين يفترض أن يغطّي وحده أغلب حاجة السوق، وعملية توزيع الطحين على الأفران بدأت منذ يوم أمس. أما بقية المطاحن فستسلّم المخزون المتوافر لديها بانتظار تفريغ حمولة البواخر التي تنتظر فتح الاعتمادات والتي يقدر عددها بما بين 5 بواخر أو 6» وفقاً لحطيط.
لماذا لم تُمنح الاعتمادات للباخرتين طوال هذه المدّة حتى وصلنا إلى انقطاع شبه كامل للخبز في مختلف المناطق؟ خلافاً لحمولة الباخرتين اللتين أفرغتا حمولتهما منذ 3 أسابيع، وخضعت للفحوصات اللازمة، فإن حمولة بقية البواخر لم تخضع للاختبارات بعد. عادة، يستغرق صدور نتيجة الفحص بعد التفريغ ما بين 10 أيام إلى 15 يوماً، لكن «وزير الزراعة وعدنا بأنه سيجري إصدار النتائج خلال 4 إلى 5 أيام فقط». هنا من المشروع التساؤل عن الآلية التي ستعتمد لفحص القمح بهذه السرعة، وإذا ما كانت ممكنة فلماذا لم تعتمد سابقاً طالما أنها توفر نصف الوقت؟