المفارقات المبكية أنّ اللجنة العليا للمناهج مؤلفة من غير الاختصاصيين، ومن بينهم سياسيّون ورؤساء جامعات ومؤسّسات تربوية ومستشارون، ولجنة التخطيط التي يفترض أن تضم عدداً من الأكاديميين برئاسة العميد السابق لكلية التربية في جامعة البلمند، جورج نحاس (انسحب منها عدد كبير من الأكاديميين أو أبعدوا عنها). ونلفت إلى أن لجنة تنسيق المناهج كانت بإدارة كادر من المركز التربوي وشخص موثوق وفعال استُبعد لأنه يعارض توجّه المستشارين، وكُلّف صليبا بمهامها. الأبحاث والأوراق البحثية التي يستند إليها الإطار العام والمنهاج لم تُنشر ولن تُنشر، وتارة نسمع أنها 8 دراسات وتارة 5، والحصيلة أنها لا تصبّ في مصلحة منهاج عام 1997 وتقيّم مخرجاته، بما لا يرضي أبو عسلي، لذا جرى طمسها والإبقاء على توصيات تتوافق مع توجّهاته لتطوير المنهاج وليس «تغييره»، كما هو مفترض بعد 25 عاماً. صليبا المنقذ لمشروع الوزير سيتحوّل في الأسابيع المقبلة إلى كبش محرقة، فالفشل ذريع. ورغم حملة الوزارة والمركز لمناصرة الوثيقتين، فالمشروع لن يمرّ ولن يُطبّق، لكون تداعياته على مستوى العدالة في التعليم والتعليم الرسمي خصوصاً، وإمكان التطبيق أسوأ من الأزمة الاقتصادية والمالية نفسها. هو نموذج تجهيل مفتعل وضياع مستقبل مليون تلميذ/ة وتغييب لكلّ أمل باستعادة بعضه في المستقبل. حتماً نحتاج إلى مناهج جديدة، ولكن ليس المقترح اليوم بهشاشته وفراغه وضياعه وتخلّفه وانفصاله عن الواقع.
التسرّع في إعداد المنهاج واضح، لكن كيف يمكن لدولة أن تبني منهاجاً يستمرّ إلى عشرين سنة في غضون 3 أشهر؟ لماذا لا نأخذ الوقت الكافي لدراسة وضعنا التعليمي بتروٍّ وإعادة دراسة المعطيات والمتغيرات بعد سنتين من الإغلاق؟ كيف نستند إلى دراسات غير محدّثة تأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاجتماعية الحالية والإغلاق والفاقد التعليمي (المعلومات غير المكتسبة نتيجة جائحة كورونا والإغلاق)؟ هل فتحت المدارس لنُحصي نسب التسرّب وعدم الالتحاق والفاقد التعليمي؟
الملفت أيضاً وجود المؤسسات التربوية والجامعات الخاصة في كلّ مفصل وكل لجنة لتأدية مهمة واضحة هي عكس ما تنادي به منظمة اليونيسكو حين تدعو الدول إلى وضع نظمها التربوية عبر مؤسساتها الرسمية، والابتعاد عن الخصخصة أو تلزيمها للقطاع الخاص.
بعيداً عن المفردات الشاعرية و«الوطنيات» للأمين العام للمدارس الكاثوليكية ومنسّق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الأب يوسف نصر، ثمة مشروع واضح عبّر عنه الأمين العام السابق الأب بطرس عازار حين دعا الدولة إلى تلزيم التعليم للقطاع الخاص. فالمدارس الخاصة لها مناهجها الأجنبية التي شرّعها القانون، ومصلحتها واضحة هي ضرب التعليم الرسمي لاحتكار جودة التعليم والحصول على الموارد المالية من الخزينة العامة لقاء كل تلميذ، فهذا ما شرّع له قانون «الهوية التربوية» بالأمس في المجلس النيابي أيضاً.
كيف يمكن لدولة أن تبني منهاجاً يستمرّ لعشرين سنة في غضون 3 أشهر؟
يحضر اجتماعات اللجنة العليا للمناهج سياسيون يدعمون الوثيقتين، ويشارك في النقاش نقابات ومجتمع أهلي ومنظمات وروابط لا علاقة لغالبيتها بصناعة المناهج. ومن هم على علاقة بالمناهج من أكاديميين وخبراء محليين مستبعدون، وهؤلاء رافضون للوثيقتين وقد بدأت تعليقاتهم تخرج إلى العلن. الوثيقتان تحتاجان إلى نقاش أكاديمي علمي وتربوي ودراسة الأبعاد السوسيولوجية والتربوية لهما. هذه الورشة مع اختصاصيين تربويين لن تحدث، وإذا حدثت لن يستطيع صليبا بجمله المبهمة ومفرداته الأجنبية أن يقنع ذوي الاختصاص لخلوّها من المعنى المناسب، فصوته الجهوري وتهكّمه الفوقي لن ينفع هنا، ولا يمكن للبروفسور أبو عسلي أيضأ نقاش رؤية مستقبلية للتعليم، إذ لا يزال عالقاً في مناهج 1997. أما المستغرب هو استمرار نحاس في هذا الموقع ومحاولته تبييض صفحة الوثيقتين، والسؤال لماذا لم ينسحب إسوة بالأعضاء ذوي المعايير العالية الذين اختارهم لتشكيل لجنة التخطيط؟
موظفو المركز الكفوؤن مبعدون عن لجان المنهاج، فهم تحت رحمة المستشار بمن فيهم رئيس المركز المكلّف، الخبراء المستقلون كذلك، التوجيه واضح تطوير المنهاج وليس تغييره لتمريره من دون قانون، وحشد أكبر عدد من الهيئات المؤيدة للوثيقتين من خارج ذوي الاختصاص لأن الاختصاصيين «وجعة راس»، أوراق بحثية غير محدّثة، والفعل التشاركي لعبة «ديموقراطية» تُخفي سلوكاً سلطوياً مدمّراً للتربية بابتسامة لبقة من الوزير وحوار بين السياسيين!