لطالما كانت بعبدا قلعة عونيّة وحظيت بمكانة خاصة في النوستالجيا العونيّة. فإلى القصر الجمهوري في بعبدا، «حجّ» العونيون عام 1989 تأييداً لميشال عون، وإلى القصر عادوا بعد 27 عاماً. في انتخابات 2009 ظفر التيار الوطني الحر بمقاعد القضاء المارونية الثلاثة، بدعم من حليفه حزب الله، قبل أن يُدخل القانون النسبي حزب القوات اللبنانية بنائب ماروني إلى المعقل العوني. اليوم، بات التّهديد أكبر، إذ إنّ المعركة في دائرة جبل لبنان الثالثة تتمحور حول المقعد الماروني الثالث. ولأنّ التيار يُدرك الواقع المستجدّ وعدم قدرته على إنجاح مرشّحَين اثنين، رشّح حزبياً واحداً هو النائب آلان عون، وتبنّى ترشيح الطبيبَين شادي واكد وفادي بو رحال. والمؤكّد أنّ الأصوات الحزبية ستصبّ في مصلحة عون دون غيره، مع ترجيحات بتراجع مجموع الأصوات التي نالها التيّار عام 2018 (17500 صوت) بما لا يقل عن 3 آلاف صوت، ما يجعله متعادلاً أو متقدّماً بفارق طفيف على حزب القوات الذي نال مرشّحه بيار بو عاصي 13400 صوت في الدورة الماضية.
أرشيف (بلال جاويش)

في المقابل، وبعيداً عن البروباغندا القواتية، من المرجح أيضاً خسارة حزب القوات قسماً من أصواته، إذ لم يُسجّل له إنجاز أيّ مشروع إنمائي أو اجتماعي أو صحّي في بعبدا رغم مرور وزيرَين قواتيّين على وزارتَي الشؤون الاجتماعية والصحّة. كما أنّ تكاثر لوائح المستقلّين وقوى المجتمع المدني (5 لوائح) سيسحب جزءاً من الأصوات القواتية. إذ إنّ غالبية هذه القوى تدور في فلك 14 آذار وتُشارك القوات الشعارات «السيادية» والهجوم على حزب الله.
وتتحالف القوات مع الحزب الاشتراكي الذي بالكاد نال مرشّحه النائب هادي أبو الحسن حاصلاً المرة الماضية (11844). المفترض أن تنال لائحة القوات - الاشتراكي حاصلَين اثنين. لكنّ مطّلعين على أحوال المنطقة يؤكدون وجود تململ بين بعض العائلات الدرزية من الخطاب الجنبلاطي المتمحور فقط بالهجوم على حزب الله والفارغ من كلّ ما يتعلّق بشؤون الناس المعيشية. وهو ما يفسّر انقطاع الاشتراكي عن تنظيم لقاءات انتخابية في القضاء كما في الانتخابات الماضية للحديث عن الإنماء والبرنامج السياسي. ويؤكد هؤلاء أنّ بين المؤيدين للحراك المدني شريحة درزية لا يُستهان بها، وثمّة جو مستجدّ سيدعم لائحة «بعبدا التغيير» التي تضم بشكل رئيسي الناشط واصف الحركة عن المقعد الشيعي وكلاً من زياد عقل وميشال الحلو عن المقعدَين المارونيَّين. كما يُرجّح ذهاب بعض الأصوات الاشتراكية إلى صندوق وكيل الداخلية السابق في الحزب الاشتراكي لمدة 30 عاماً فاروق الأعور الناشط خدماتياً في القضاء ويترشّح حالياً على لائحة التيار - حزب الله.
في المحصّلة، هناك مقعد ماروني مؤكّد للتيار سيشغله مجدداً النائب آلان عون، وآخر للقواتي بيار بو عاصي، ومقعدان شيعيّان محسومان لمرشحَي حزب الله وحركة أمل علي عمار وفادي علامة. ومن شبه المؤكّد أيضاً نجاح أبو الحسن بواسطة البلوك الحزبي الاشتراكي، ليبقى التناتش على المقعد الماروني الثالث. وهنا، ثمة ثلاثة سيناريوهات:
- الأوّل أن يسعى حزب الله إلى رفع نسبة الاقتراع في الدائرة إلى الحد الأقصى (نال مرشحا حزب الله وأمل في الدورة الماضية 20 ألف صوت)، ومحاولة إعادة سيناريو 2018 حين حصل الحزب والتيار والنائب طلال إرسلان على 4 مقاعد بـ 3.1 حواصل بينما حصل القوات والاشتراكي على مقعدَين بـ2.02 أي أنّ الكسر الأكبر لمصلحة اللائحة الأولى هو الذي حسم مقعداً إضافياً للائحة الحزب والتيار. ورفع نسبة الاقتراع لرفع الحاصل الانتخابي سيؤدي حكماً إلى استبعاد لوائح المجتمع المدني والإبقاء على لائحتَين كما في المرة الماضية، لتقتصر المعركة حينها على الكسر الأكبر بينهما
- السيناريو الثاني أن يبذل الاشتراكي والقوات والأحرار أقصى جهد، بالتحريض ودفع الأموال، لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأصوات، والتعويل على زيادة التصويت لهم من منطلق أنّ «البديل التغييري» أثبت عدم فعاليّته في المواجهة، وأنّ من يمكنه الوقوف في وجه حزب الله ومشروعه هما سمير جعجع ووليد جنبلاط بدعم من حلفائهما الخليجيّين. ويطمح هذا السيناريو إلى تأمين الكسر الأكبر للائحة بما يُعطي القوات المقعد الماروني الثاني، ويعدّ خسارة كبيرة للتيار.
سيُحاول حزب الله ضمان نسبة التصويت نفسها كما في 2018


- السيناريو الثالث هو ما تبنّي عليه قوى المجتمع المدني منذ سنوات في قضاء أعطاها في الدورة الماضية نحو 5 آلاف صوت، وسيصوّت لها بعدد أكبر هذه المرة، وسط مخاوف من تشتّت هذه الأصوات بين اللوائح الخمس. فإلى لائحة «بعبدا التغيير»، يدعم الكتائب لائحة «بعبدا تنتفض» التي يترشّح عليها قدامى التيار نعيم عون عن المقعد الماروني ورمزي كنج عن المقعد الشيعي والعميد المتقاعد خليل الحلو. وهناك أيضاً لائحة رئيس تجمّع أصحاب المولدات عبدو سعادة، ولائحة «قادرين» لـ«مواطنون ومواطنات في دولة»، ولائحة «نحنا التغيير». تعدّد اللوائح وكثرتها أجهض فرصة ذهبية للمجموعات بفرض نفسها كقوة أمر واقع إلى جانب التيار والقوات والاشتراكي وحزب الله وحركة أمل. رغم ذلك، ثمة فرصة لأن تنال لائحة «بعبدا التغيير» حاصلاً يمكّنها من قطف المقعد الماروني الثالث.