هذا الإرباك الانتخابي على أبواب تشكيل اللوائح وتسجيلها ليس أمراً يسيراً في مقاربة حزب الله لمرحلة الانتخابات ولن يكون من السهولة تخطّيه حتى بعد موعد 5 نيسان، وصولاً الى موعد 15 أيار، لأن حسابات حزب الله تتعلق بمرحلة سياسية مقبلة، يبني على أساسها من اليوم إدارته المعركة الانتخابية. أما حلفاؤه فيتعاطون مع الانتخابات من منظار «محلي» بحت على قاعدة إثبات كل طرف أنه الأقوى في هذه الدائرة أو تلك، فضلاً عن المفاضلة بين اختيار النواب وأسمائهم وصوغ التحالفات انطلاقاً من حسابات ضيقة وشخصية، بما في ذلك التيار الوطني الذي يفترض أن يخوض معركة مصيرية تتعلق بالمستقبل الرئاسي للنائب جبران باسيل. وبقدر ما يرفع حزب الله سقف خطابه السياسي، يمكن تلمس ضعف الإدارة السياسية لحلفائه، فيكاد صوته وحده يصبح فاعلاً، محدداً الوجهة السياسية وتاركاً لهم تقاسم الحصص.
ما يساعد الحزب في المقابل أن خصومه ليسوا أفضل حالاً. فكل الذين يخوضون الانتخابات بعناوين سياسية كبيرة يتشابهون في خلافاتهم مع حلفاء الحزب. بعد عام 2008، يتصرّف حزب الله على أنه «سائق البوسطة» الانتخابية لحلفائه. أما خصومه فكانوا يتمتعون بقيادة جماعية، منذ عام 2005، قبل أن يفقدوا سائقاً تلو الآخر. انسحب الرئيس سعد الحريري، وانكفأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والشخصيات المستقلة تحاول إيصال صوتها السياسي منفردة. في حين تسعى القوات الى أن تكون متقدمة، ليس على قاعدة الأولى بين متساوين، بل على أساس أنها قادرة على كسر الاحتكار المسيحي أولاً، والشعبي ثانياً. ومع التجاذب بين تيار المستقبل كقيادة والرئيس فؤاد السنيورة والمرشحين المؤيدين له من جهة، وتضعضع المستقلين والمندرجين تحت لواء 17 تشرين، وتحالفات مشرذمة بين مستقلين وحزب الكتائب، يتحوّل مشهد المعارضة الى موزاييك انتخابي، يشبه موزاييك حلفاء حزب الله.
ما يساعد حزب الله أنّ أوضاع خصومه ليست أفضل حالاً من أوضاع حلفائه
هذا التضعضع الانتخابي، تسعى القوات، من بين خصوم حزب الله، جاهدة، إلى الإفادة منه انتخابياً وسياسياً، والقفز خارج الحدود اللبنانية في إثبات مرجعيتها أمام العالم العربي تحديداً. ولعل ذلك واحد من أسباب تعاطيها الانتخابات من باب المستغني عن تحالفات تربكها ولا تزيد من حصصها التي تعوّل عليها. إلا أن هذا الرهان يظهر في مفصل أساسي رهاناً خطراً، لأن تشرذم المعارضين انتخابياً سيفقد المعارضة حضوراً يركن إليه في مواجهة ما يعتبرونه مشروع حزب الله. والمعارضة تحتاج الى هذا الجمع الأفقي بين كلّ القوى المناوئة للحزب قبل الانتخابات لا بعدها.
في المقابل، فإن بين حلفاء الحزب وخصومه نقطة افتراق أساسية. تعيش قوى 8 آذار اطمئناناً سياسياً لافتاً لأن حزب الله يشكّل رافعتها الوحيدة، قبل الانتخابات وحكماً بعدها. وهي تدخل الانتخابات مرتاحة سلفاً الى أن أيّ نتيجة ستسجل في صناديق الاقتراع لن يكتب لها أن تترجم عملياً في السياسة، كما حصل في ثلاث دورات انتخابية سابقة، وكذلك لأن الكلمة الفصل ستكون لحزب الله في مرحلة ما بعد الانتخابات حكومياً أو رئاسياً، كما يحصل منذ سنوات. لكن خطورة الخسارات المحتملة لحلفاء الحزب أنها لن تحميهم من أثمان سيدفعونها مقابل حصولهم على كفالة الاطمئنان من الآن وإلى أربع سنوات مقبلة.