«الإضراب» هو الهاجس الذي يخيف طلاب الجامعة اللبنانية. لا يذكر كثيرون منهم أن عاماً مرّ لم يتوقفوا فيه عن التعلّم بسبب إضراب أساتذتهم، المطالبين دوماً بحقوقهم من دون أن ينالوها. اليوم تراهم منقسمين بين من يؤيد قرار الأساتذة بالتوقف القسري ويعتبره محاولة إنقاذ أخيرة لجامعة تحتضر، وبين من يرفضه لأنه يهدّد مستقبله.علي شرارة، طالب هندسة في سنته الثانية، يرى في قرار التوقف القسري ظلماً كبيراً له ولزملائه. "نحن فقط من ندفع الثمن". يجد علي نفسه معنياً بشكل كبير بالمشاكل التي تواجه الجامعة ماديةً كانت أم لوجستية، وهو يُبدي استعداده للمشاركة بتحرّكات واحتجاجات إذا رأى فيها منفعةً حقيقية، لكنه في الظروف الحالية يطالب بالعودة إلى التعليم وإجراء الامتحانات في وقتها المحدّد لأنه يرفض أن يُظلم.
الفكرة نفسها تعبّر عنها جنى عناني، الطالبة في كلية العلوم، والتي ترفض الانتقال إلى جامعة خاصة لثقتها التامة بجودة التعليم في جامعتها. توضح أنها مدركة لخطورة المشاكل التي تهدّد مستقبل أجيال، ومتأكدة من أن الأساتذة مُحقون في مطالبهم ولكن «لا يجوز أن يؤخذ حقّ على حساب مستقبلي. لسنا مستعدين لخسارة سنة تعليمية».

«الجامعة اللبنانية لنا»
هذا المطلب لا يعني أن علاقة سطحية تجمع طلاب "اللبنانية" بجامعتهم. معظمهم اختاروها عن قناعة تامّة ليقينهم بأنّها الخيار الصائب لتحقيق طموحاتهم المهنية مستقبلاً. مها، الطالبة في كلية التربية، بدأت منذ عام 2019 بالمشاركة في الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقوق الطلاب والأساتذة وحلّ مشاكل الجامعة اللبنانية. حتى اليوم، لا تزال تتحلّى بالصبر وأملها كبير بما يمكن لوحدة الرأي أن تحصّله من حقوق. ستشارك الطالبة الناشطة في كلّ تحرّك يساند الجامعة وستؤيد كلّ قرار يحصّل ولو حقاً بسيطاً من الحقوق المهدورة، لذلك هي مع قرار الهيئة التنفيذية لأساتذة الجامعة بالتوقف عن العمل. تقول مها إنّ الجامعة اللبنانية هي"الصرح الأكاديمي الوحيد الذي يسمح لجميع الطبقات الاجتماعية بالتعلّم" وتضيف مؤكدةً على أنّ السعي للتغيير "هدفه أجيالٌ جديدة ستنتسب الى المؤسسة وليس دفاعاً عن حقٍّ آنيّ فردّي وحسب"، آملة أن تُحلّ مشاكل بسيطة كتأمين الكهرباء والأوراق للامتحانات كحدّ أدنى من الحقوق.
مثل طلاب كثر، محمد مستاء من ما يواجه الجامعة من مشاكل. وبرأيه فإنّ جامعته هي مثال مصغّر عن الدولة اللبنانية ووضعها السيّئ. "لن نتخلى عن حقوقنا، هذه الجامعة لنا" يقول محمد مؤكداً على استعداده التام للقيام بكل ما يعيد للجامعة حياتها ويصلح مشاكلها الجذرية مثل قرار التوقف القسري عن العمل الأكاديمي، حتى لو تسبّب ذلك بتأخير عامه الدراسي فهو حتى الآن لم يستسلم ولديه أمل بالتغيير الملموس وبتحصيل موازنة كافية مُنصِفة لهذا الصرح العريق.

الجامعة الخاصّة حبل النجاة
ليا، إحدى طالبات الصحافة في الجامعة اللبنانية سابقاً، اختارت التوجه إلى جامعة خاصة لإكمال تعليمها العالي بعدما استنفدَ التقصير المستمر والإضرابات التي رافقت سنوات تعليمها في الجامعة اللبنانية طاقتها الدراسية. مصاعب لم ترَ منها شيئاً في جامعتها الجديدة، الغنية بالتجهيزات عكس كليّتها السابقة التي تفتقر إلى المعدات اللازمة للتعليم المتكامل وإلى المبنى المجهّز والصالح للتعلّم.
لكنّ القرار الذي أخذته ليا، ورفاهية اختيار الجامعة، لم يعد متاحاً لجميع الطلاب في لبنان، فالوضع الاقتصادي رديء والأقساط أصبحت خيالية لا يقدر على تسديدها الأهل، ولا سيما في حال وجود أكثر من طالب من بيت واحد. تقول جنى إن أحد أهم الأسباب التي دفعتها للانتساب إلى الجامعة اللبنانية هو العامل المادي بالإضافة إلى الشهادة المهمة المعترف بها عالمياً والتي تسعى إلى الحصول عليها. وعند سؤالنا عن رأي شقيقتيها اللتين ستدخلان الجامعة في العام المقبل، انقسمت الآراء. فواحدة مستعدّة للانتساب الى جامعة الوطن مرغمةً بسبب الأوضاع الاقتصادية الراهنة، والثانية مستعدّة للعمل والتعب كي تنتسب إلى جامعة خاصة وتنقذ نفسها من التجربة التي عاشتها الأخت الكبيرة.
رغم التخبّط في الآراء والأفكار المختلفة، إلا أن الجامعة اللبنانية تبقى جامعة الوطن، وتبقى شهاداتها من أهم الشهادات الجامعية عالمياً، ويبقى أساتذتها مميّزين ومعروفين بقدراتهم العالية وبذكاء طلابها. فكيف يأخذ الجميع حقوقهم من الدولة اللبنانية دون التضحية بمستقبل أحدٍ وتقديمه ككبش محرقة؟