عند اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011، تحوّل لبنان إلى إحدى الوجهات الرئيسية للنازحين السوريين، فكان من أكثر البلدان استقبالاً لهم نسبة إلى عدد سكانه، ووصل عدد النازحين في لبنان إلى نحو 1.2 مليون نهاية عام 2014 (وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين). وبسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وعدم السّماح للنازحين السوريين بالعمل بالإضافة إلى الظروف الصعبة في المخيمات التي أقام فيها الكثيرون منهم، حاول بعضهم البحث عن ظروف أفضل للحياة، وأصبحت دول الاتحاد الأوروبي هدفاً لتدفّقات الهجرة على نطاق غير مسبوق. وبلغ النزوح ذروته عام 2015، عندما وصل أكثر من مليون مهاجر وطالب لجوء إلى الاتحاد الأوروبي بشكل غير نظامي عبر البحر الأبيض المتوسط وشبه جزيرة البلقان.

سارع الاتحاد الأوروبي، إثر أزمة اللاجئين، إلى عقد اتفاقات ثنائية مع البلدان المجاورة لسوريا، كلبنان وتركيا والأردن، لتنظيم هذه التدفقات. ونصّت الاتفاقية بخصوص اللاجئين مع لبنان على «تحويل أزمة السوريّين في لبنان إلى فرصة لتحسين الآفاق الاجتماعية والاقتصادية، والأمن والاستقرار والصمود في لبنان بأسره. في المقابل يلتزم لبنان بتيسير الإقامة المؤقتة للاجئين السوريّين على أرضه»، ما إن تعمل هذه البلدان على الحؤول دون تدفّق النازحين إلى الدول الأوروبية والعمل على إبقائهم في دول النزوح المحيطة بسوريا، مقابل تقديم الاتحاد الأوروبي دعماً مالياً عبر المفوضية الأوروبية لمساعدة هذه الدول المجاورة.
عمل الاتحاد الأوروبي على إبعاد كأس اللاجئين عن دوله خشية العبء الذي يشكّلونه على الاقتصاد الأوروبي


وتُشير بيانات التمويل للمفوضية الأوروبية في لبنان إلى نشاط ملحوظ في فترة ما بعد عام 2011. فقد بلغ إجمالي النفقات بين عامَي 2002 و2011 حوالى 470 مليون يورو منها 36 مليون يورو فقط - أي أقل من 10% - لدعم اللاجئين في لبنان. في حين بلغ الدعم المالي بين عامَي 2011 و2021 حوالى 2.8 مليار يورو، منها 1.4 مليار يورو مقدّمة بشكل مباشر لدعم النازحين السوريّين والفلسطينيّين، إضافة إلى تمويل عدد من المشاريع الإنمائية لتطوير البنية التحتية في لبنان لاستيعاب الأعداد المتزايدة من النازحين، وتمويل مشاريع وورش عمل للحوكمة والإصلاحات الإدارية لتحسين ظروف إقامتهم.
عمل الاتحاد الأوروبي طوال العقد الماضي، من خلال الدعم المالي للبلدان المجاورة لسوريا، على إبعاد كأس اللاجئين عن دوله خشية العبء الذي يشكّلونه على الاقتصاد الأوروبي والبنية التحتية للبلدان الأعضاء. أما النازحون الذين يمكن استغلالهم كيد عاملة رخيصة، فقد عملت المفوضية الأوروبية على استقطابهم عبر «برنامج شراكة المواهب» من أجل «جذب الأشخاص الموهوبين من الدول المصدّرة للهجرة»، لمعالجة نقص المهارات في دول الاتحاد ولتلبية احتياجات سوق العمل، بما يعزز «الشراكات ذات المنفعة المتبادلة». وأكّدت المفوضية أنّ استبدال «الهجرة غير النظامية بمسارات قانونية» يجب أن يكون هدفاً استراتيجياً، بما يعود بالفائدة على أوروبا، ويقلّل في الوقت نفسه من الهجرة غير الشرعية.