تنتشر صور أطنان النفايات المكدّسة داخل معمل معالجة النفايات في صيدا الذي تديره شركة IBC المملوكة معظم أسهمها من قبل خمسة مستثمرين سعوديين. "الأخبار" عاينت المعمل الذي تحوّل فعلياً إلى "مكبّ"، بعدما ملأت آلاف الأطنان من نفايات صيدا والجوار الهنغارات الثلاثة وغمرت آلات التشغيل وفاضت لتغطي الممرات والساحات بارتفاع فاق الأربعة طوابق، فيما آلات المعمل التي يبلغ ثمنها ملايين الدولارات تقف عاجزة عن معالجتها، والسبب بمثابة لغز تتنازع حلّه الإدارة من جهة والفريق التشغيلي من جهة ثانية.
السيّد: سرقة وتخريب
مدير المعمل الجديد أحمد السيد، وهو وكيل المساهمين السعوديين، تسلّم مهامّه قبل أربعة أشهر فقط، يتهم الإدارة السابقة برئاسة نبيل زنتوت بالفساد وسرقة مقدّرات المعمل، مقدّراً المسروقات بـ15 مليون دولار على مدى السنوات العشر التي تولى خلالها الإدارة. وعن تكدّس أطنان النفايات في معمله من دون معالجة، يلقي السيد بالمسؤولية على رئيس الإدارة التشغيلية وفريقه، الذين أقال خمسة منهم، ويقول لـ"الأخبار" إن هؤلاء "خرّبوا عن قصد آلات المعمل وطمروها بالنفايات وعرّضوها للتلف وحطّموا كاميرات المراقبة وعطّلوا مولّدين للكهرباء يعملان على الغاز المستخرج من معالجة النفايات، ثمن الواحد مليون يورو، ما اضطرّنا لشراء المازوت بملايين الدولارات لتشغيل الماكينات". يضيف: "بعد طرد الخمسة انخفضت الكلفة التشغيلية الشهرية للمعمل من 650 ألف دولار الى 200 ألف دولار فقط!".
السيّد أكد ما كانت تصدح به حناجر المعتصمين على باب المعمل طوال السنوات السابقة احتجاجاً على طمر النفايات غير المعالجة في عقار المعمل وانتشار الروائح والانبعاثات المسرطنة، وجزم أن الإدارة السابقة لم تلتزم ببند "صفر عوادم" وبأنها كانت تتخلص من العوادم غير مسحوبة الرطوبة بطمرها في الجوار بعد خلطها بالأتربة وهو ما أدّى إلى تكوّن الجبال المحيطة بالمعمل حالياً". لكنّ السيد يؤكد أنه اشترى آلات إضافية وأن المعمل يعالج حالياً كلّ كميات النفايات الطازجة الواصلة يومياً (200 طن) من صيدا واتحاد بلديات الزهراني وجزين وبعض قرى الجنوب بسعر 95 دولاراً للطن.
ويجزم السيّد أن المعمل لم يربح دولاراً واحداً منذ عشر سنوات، قائلاً إن المساهمين السعوديين يدفعون منذ 6 أشهر مئات آلاف الدولارات من جيوبهم لتأمين استمرار المعمل. وعن إصرار هؤلاء على المضي بالاستثمار غير المربح في المعمل قال: "إنهم يراهنون على نجاحي مع الإدارة الجديدة، وإذا لم ننجح فلا مانع من أن تضع البلدية يدها على المعمل لتشغيله ولكنها لن تستطيع".

زنتوت: بحثاً عن الفريش دولار
يصف المدير السابق للمعمل نبيل زنتوت اتهامات السيد بالباطلة، معتبراً أنّ كلّ همّ الإدارة حالياً الضغط على الدولة اللبنانية الممثّلة ببلدية صيدا من أجل انتزاع ملكية أرض المعمل (40 ألف متر مربع) وتسجيلها باسم الشركة في الدوائر العقارية، وأيضاً من أجل تعديل البند المالي بحيث يلزم الدولة بالدفع "فريش دولار" لقاء معالجة النفايات".
وردّاً على اتهام السيد له بفوترة المشتريات بمئات آلاف الدولارات بموجب فواتير بخط اليد، أوضح زنتوت أنه ترك عمله في إدارة المعمل في 23 حزيران 2021 "وكان يعمل، ويدرّ الأرباح، بشهادة شركة تدقيق مالية، وأنه بنتيجة تقرير الشركة تلقّى تهنئة من أحد كبار المستثمرين السعوديين الذي قال له: "هذا التقرير وسام شرف تعلقه على صدرك"، أما عن حجز تعويضاته المالية فأوضح أن الأمر كان من باب الضغط عليه للبقاء مديراً إلا أنه رفض".
تمّ الاتفاق مع IBC على احتساب الدولار على سعر 3900 لكنّه لم يُنفّذ بعد


حجازي: بيع الآليات!
بدوره، ينفي مسؤول تشغيل العمال المفصول محمد حجازي (7 سنوات عمل) اتهامه بتعطيل الآليات وماكينات الفرز والغرابيل، متهماً في المقابل الإدارة الحالية ببيع آليات صالحة بالكيلو كحديد خردة بهدف توفير "الفريش دولار" لشراء المازوت. ويؤكد حجازي أن المعمل غرق بالنفايات بعد فصله مع زملائه الأربعة من العمل، معيداً سبب توقف المعمل كلياً إلى رفض الإدارة الجديدة شراء المازوت لتشغيل المولد والآليات والماكينات وكذلك تمنّعها عن تأمين قطع الغيار بحجة عدم توفر المال، علماً أن البلديات لم تتأخر عن دفع المبالغ المالية المتوجّبة عليها للمعمل.
وقدّر كميات النفايات المتكدّسة بـ60 ألف طن، متهماً الإدارة الجديدة بالتخلص منها عبر طمر أطنان النفايات الطازجة في محيط المعمل من دون معالجة، وأكد حجازي امتلاكه صوراً وفيديوهات تفضح عمليات الطمر غير القانونية.
السعودي: المعمل سيُشغّل
لا يغوص رئيس اتحاد بلديات صيدا- الزهراني ورئيس بلدية صيدا محمد السعودي كثيراً في هذه الاتهامات، مختصراً القصة بالقول إن "العمل كان يسير بشكل جيّد في عهد المدير السابق نبيل زنتوت، المساهم في المعمل بنسبة قليلة فيه، لكنه تراجع بعدما أوفدت محامية المساهمين السعوديين النائبة رولا الطبش، زوجها عفيف الجارودي للإشراف عليه، ففي هذه المرحلة حصل تراكم النفايات إلى أن تسلّم المدير الجديد أحمد السيّد المهمة ليبدأ العمل من جديد".
يؤكد السعودي، الذي يمثّل جهة الرقابة والإشراف على المعمل، أنه جرى إصلاح الأعطال في الماكينات والآليات. أما عن الأموال المستحقة للشركة المشغّلة، فيقول إنها تتقاضى ما قيمته 95 دولاراً عن كل طن "وهي تطالب بتعديل سعر الدولار لتتقاضى على سعر الصرف اليومي، لكن تم الاتفاق على احتسابه على سعر 3900 لكنّ هذا الاتفاق لم يُنفّذ بعد".



شوائب في العقد
الكارثة المحدقة سلّطت الضوء على عيوب شابت عقد الاتفاق بين شركة IBC وبلدية صيدا، وجرى آنذاك التغاضي عنها بضغوط من النائبة بهية الحريري كونها راعية المعمل (رغم خسارة المعمل وظّفت الحريري أخيراً أحد مرافقي شقيقها الراحل رفيق الحريري واستحدثت له توصيفاً وظيفياً جديداً هو "رئيس أمن الممتلكات")، ومن العيوب أيضاً إلغاء البند المتعلق بحق صيدا بمعالجة 200 طنٍ يومياً من نفاياتها مجاناً كون المعمل مقاماً ضمن نطاقها وعلى عقار يعود إلى بلديتها، وكذلك غاب عن العقد أي بند يمنح البلدية سلطة الرقابة على أعمال المعمل للتأكد من صحة معالجة النفايات، وينحصر دور البلدية الرقابي في موظف واحد يراقب عمليات وزن شاحنات النفايات، بينما تبيّن من الأزمة الحالية ضرورة أن تمتلك البلدية كل الصلاحيات الرقابية على جميع مراحل معالجة النفايات. كما أن العقد يجبر المعمل على منح 150 كيلواط ساعة من الكهرباء المنتجة بغاز النفايات للبلدية لإنارة الشوارع، لا يصل منها حالياً سوى 35 كيلواط ساعة. ويبقى العيب الأكبر في العقد ببنده السادس الذي ينصّ على تمليك IBC المساحة المردومة من الأملاك العمومية البحرية المحاذية لعقار المعمل وهو ما طعن به عدد من الناشطين الصيداويين أمام مجلس شورى الدولة.
يُذكر أن المعمل يضمّ 300 عامل وإداري، معظمهم مياومون، يعملون في مهنة شروطها قاسية، إذ يتعرّضون للروائح الكريهة والهواء الملوّث والحشرات وشتى المخاطر، ولا يتقاضون أكثر من 85000 ليرة يومياً بدون بدل نقل.