تماماً كتشريح الجثة لاستيضاح أسباب الوفاة المشبوهة، تُقدّم التحقيقات الجنائية الانتخابية، باستخدام الأساليب الإحصائية، تشريحاً علميّاً دقيقاً لنتائج أصوات المقترعين، للكشف عن عمليات التزوير في الانتخابات ولتحديد ما إذا كانت نتائج الانتخابات تعكس بدقّة نوايا الناخبين. أمّا التحدي الأكثر عمقاً الذي يواجه الخبراء في هذا المجال هو أن ما قد يبدو نتيجةً لعمليات احتيال انتخابي قد يكون ناتجاً في الواقع عن أنواع من السلوك السياسي لكسب أصوات الناخبين، أو على العكس قد تختبئ عمليات الاحتيال وراء ما يبدو أنه أمر طبيعي. ولاكتشاف ما حدث بالفعل، طوّرت التحقيقات الجنائية الانتخابية أساليبها الإحصائية وطرق تحليلها العلمية فأصبحت قادرة على أن تعزز أو تتحدى شرعيّة نتيجة الانتخابات
هل ستُسمع أصوات الناخبين خلال الانتخابات؟ هذا ليس مؤكّداً. فإن التلاعب بالانتخابات أو تزوير الأصوات ليس بالأمر البعيد أو الجديد. وبما أن عواقب التزوير الانتخابي خطيرة على الاستقرار الديمقراطي للبلاد، هناك حاجة ماسّة لأساليب الكشف عن التزوير في الانتخابات والتحقيق فيه.
التدقيق بنتائج الانتخابات مجال من مجالات التحقيقات الجنائية، حيث يستخدم الخبراء مجموعة متنوعة من الأدوات الإحصائية لتحليل البيانات الانتخابية واكتشاف المواضع التي تنحرف فيها أنماط الأصوات الانتخابية عن تلك التي يجب أن تحدث بشكل طبيعي، باتباع مبادئ الرياضيات.

240.000

صوت نالهم المرشح في الانتخابات العامة في ليبيريا شارلز كينغ، على الرغم من وجود أقل من 15000 ناخب مُسجّل. أُدرجت الانتخابات العامة في ليبيريا في عام 1927 في موسوعة غينيس للأرقام القياسية باعتبارها أكثر الانتخابات تزويراً في التاريخ

تسمح هذه التحقيقات للباحثين والخبراء بإجراء تحليل إحصائي معقّد على البيانات التفصيلية التي تنتج من خلال العملية الانتخابية، فيكون الخبير قادراً على تقديم النتائج والخلاصات العلمية بعدة طرق، بما في ذلك الدوائر الانتخابية التي تعرض «النقاط الساخنة» للتزوير المحتمل، التي تسمح للممارسين ليس فقط بمعرفة مكان حدوث التزوير الانتخابي، بل أيضاً تأكيد ان تلك التفاوتات في الأصوات الانتخابية في بيانات الانتخابات التي كُشف عنها تُعزى إلى الاحتيال، وليس إلى التأثيرات الثقافية أو السياسية الأخرى، مثل التلاعب في حدود الدوائر الانتخابية أو التوزيع الجغرافي لدوائر التصويت، وغيرها.
بشكل عام، يمكن أن توفر التحقيقات الجنائية الانتخابية مؤشرات على حدوث أشياء مثل شراء الأصوات، أو حشو صناديق الاقتراع، أو التلاعب في الدوائر الانتخابية، أو قمع الناخبين، كما يمكن أن توفر عمليات التدقيق الصارمة بعد الانتخابات، على سبيل المثال، معلومات أكثر دقة حول ما إذا كانت عمليات فرز الأصوات دقيقة. ففي حال وجود أية شبهات بوجود تزوير في الانتخابات، يمكن للتحقيقات الجنائية الانتخابية أن تساعد في فصل «الاتهامات الكاذبة» عن «الأدلة العلمية الجنائية» للمخالفات الانتخابية، كما يمكن أن توفر المعلومات الدقيقة حول نطاق المخالفات أيضاً مقياساً أفضل لجودة الانتخابات.
وبالمقارنة مع الأساليب الحالية لشفافية الانتخابات مثل المراقبة في مراكز الاقتراع وجدولة الأصوات، للتدقيق الجنائي بنتائج الانتخابات ثلاث مزايا رئيسية. أولاً، الاعتماد على بيانات موضوعية، مثل نتائج الانتخابات المبلّغ عنها والمصنفة على مستوى الدوائر الانتخابية ومراكز الاقتراع. ثانياً، التحليل المنهجي لأصوات الناخبين المبلّغ عنها في جميع الدوائر الانتخابية. وثالثاً، التقييم والتقدير العلمي لـ «الاحتيال الانتخابي» من خلال بيانات إحصائية حول مصداقية الاستنتاجات العلمية.


قرصنة الانتخابات
في الانتخابات الإلكترونية (التصويت عبر الكمبيوتر) تشير قرصنة الانتخابات إلى عمليات اختراق الكمبيوتر التي تهدف إلى التلاعب ببيانات الناخبين أو تغيير إحصاء الأصوات. مثلاً، يمكن للمقرصنين تغيير بيانات تسجيل الناخبين في الدائرة الانتخابية بحيث تُرفض أعداد كبيرة من الناخبين في صناديق الاقتراع. العملية اللاسلكية لإرسال النتائج المجدولة إلى قاعدة بيانات محلية هدف آخر محتمل. يمكن للمخترق إعادة برمجة آلة التصويت الإلكترونية مباشرةً، إذا تُركت بلا حراسة، أو عن بُعد، إذا كانت متصلة بالإنترنت.
التدقيق بنتائج الانتخابات مجال من مجالات التحقيقات الجنائية، حيث يستخدم الخبراء مجموعة متنوعة من الأدوات الإحصائية لتحليل البيانات الانتخابية


«هجوم الوسيط»
يمكن أن تكون نتائج الانتخابات التي تُرسَل مباشرة عبر الإنترنت من مركز الاقتراع إلى سلطة فرز الأصوات عرضة لهجوم إلكتروني، حيث تُحوَّل إلى موقع وسيط فتتغير النتيجة لصالح مرشح مُعيّن، ثم يحيلها على الفور إلى سلطة فرز الأصوات. هذا ما يُسمى هجوم الوسيط أو Man-in-the-middle attack وهو نوع من الاختراق الرقمي حيث يتسلل المهاجم بين متحاورين في شبكة دون علم كل منهما. وفي هذه الحالات، من المفترض إرسال النتائج عبر «بطاقات الذاكرة» في حاويات معدنية مقفلة إلى مراكز فرز الأصوات.
وفي نوع آخر من هجمات الوسيط، تُوضَع آلة لاسلكية صغيرة بين شاشة العرض ولوحة التشغيل الرئيسية لآلة التصويت. ما يُمكّن «الوسيط» من قراءة المعلومات عن الشاشة بالإضافة إلى تغيير المعلومات المخزنة.

التصويت في المستقبل...أونلاين؟
Blockchain نظام لتسجيل المعلومات بطريقة تصعّب جداً تغيير النظام أو اختراقه أو خداعه. باستخدام موقع بتقنية blockchain، يمكن تفعيل العملية الانتخابية والتحقق من سلامتها مع الحفاظ على سرية هوية الناخبين وإتاحة النتائج على الفور. يتم الإدلاء بالأصوات عن طريق الكمبيوتر أو الجهاز المحمول، بعد التحقق من هوية الناخب باستخدام المقاييس البيوميترية مثل مسح بصمة الإبهام. بدلاً من ظهور الناخبين في مكان اقتراع محلي أو الإدلاء ببطاقة اقتراع بالبريد لتُعالَج يدوياً من مسؤولي الانتخابات، تُوفر الأصوات التي يتم تتبعها من خلال blockchain طريقة أسرع وأكثر مقاومة للتلاعب والتزوير ما قد يؤدي إلى تحسين عملية الاقتراع، وبتكلفة أقل.



حول العالم
الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020:


قدمت حملة ترامب طعوناً قانونية عدة على النتائج، تتهم الديمقراطيين بالتلاعب في الأصوات لصالح بايدن. خسرت الحملة 64 دعوى قضائية من أصل 65. لم يجد الخبراء أي دليل على وجود تزوير واسع النطاق أو منهجي للانتخابات.
فأظهرت عمليات التدقيق الرسمية بعد الانتخابات وغيرها من الأبحاث الاحصائية الجنائية أن حالات التزوير في الولايات الست، التي طعن فيها ترامب، نادرة للغاية. ويظهر تقرير من وكالة أسوشييتد برس، أنهم وجدوا أقلّ من 475 حالة تزوير مُحتملة من بين أكثر من 25 مليون صوت.

الانتخابات العامة في ملاوي - 2019: {انتخابات Tipp-Ex}
ألغت المحكمة الدستورية نتائج الانتخابات الرئاسية بسبب وجود أدلة على وجود مخالفات، وأمرت بإجراء انتخابات جديدة، خصوصاً لأن النتائج كانت متقاربة جداً. ادعى المعارضون استخدام نوع من سائل التصحيح للتلاعب بالأصوات، بالإضافة الى التلاعب بالسجلات وقاعدة البيانات الإلكترونية من بين أمور أخرى.
وتقوم لجنة الانتخابات وشرطة ملاوي بالتحقيق في قضايا الاحتيال الانتخابي ومقاضاتها - مع التركيز على تحديد أولئك الذين قدموا واستخدموا سائل التصحيح Tippex لتغيير أرقام الانتخابات على اوراق الاقتراع، خاصة لأن لجنة الانتخابات لم تُقدّمه في مراكز الاقتراع ولم تسمح باستخدامه.

الانتخابات الفيدرالية الكندية 2011: {فضيحة robocall}
حققت لجنة الانتخابات الكندية في الادعاءات التي تفيد باستخدام المكالمات الآلية في محاولة لثني الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم من خلال إخبارهم بأن مراكز الاقتراع الخاصة بهم قد غيرت موقعها. توصّل التحقيق إلى كشف مكالمات آلية أو مباشرة احتيالية تستهدف مؤيدي المعارضة في أكثر من ثلثي مقاطعات كندا. حكم القاضي أن المصدر المحتمل للاحتيال كان حزب المحافظين الكندي نظراً لأن أحد الأدلة أظهر أن عنوان IP المستخدم لإجراء إحدى المكالمات الآلية، في إحدى المحافظات، استُخدم أيضاً في غضون أربع دقائق بواسطة جهاز كمبيوتر في مقر الحملة لهذا الحزب. وُجّهت تهمة جنائية إلى المسؤول الرسمي للاتصالات في الحزب الذي أدين بالتهمة لاحقاً.

الانتخابات الرئاسية الأفغانية 2009


أعلنت لجنة شكاوى الانتخابات الأفغانية أنها وجدت «دليلاً واضحاً ومقنعاً على التزوير» في الانتخابات الرئاسية لعام 2009. أمرت اللجنة المستقلة للانتخابات بإجراء تدقيق وإعادة فرز الأصوات في مراكز الاقتراع على الصعيد الوطني. خضع أكثر من 3300 مركز اقتراع وأكثر من 1.5 مليون بطاقة اقتراع للتدقيق الجنائي. ومن خلال التحليل الإحصائي لنتائج الانتخابات عُثر على مخالفات كثيرة في الجنوب والجنوب الشرقي والشرق. وبعد النظر إلى نتائج التدقيق (Forensic audit) استُبعدت 19 في المائة من جميع الأصوات المدلى بها من فرز الأصوات الرئاسية النهائية.