تنقضي اليوم، المدة التي حدّدها وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي للمحافظين لكي يعودوا إليه بنتيجة الكشف الذي يُفترض أن يكونوا قد أجروه خلال الأسبوع الماضي على مراكز الاقتراع لتحديد مدى صلاحيّتها لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على ممارسة حقهم بالاقتراع من دون مشكلات. ففي اجتماعه الأخير يوم الثلاثاء الماضي، مع المحافظين والقائمقامين لعرض أمور إدارية ولوجستية تتعلّق بالعملية الانتخابية، طلب مولوي من المحافظين أن يشاركوه «المسؤولية وسنعطيهم نسخاً عن المراكز المعتمدة كأقلام اقتراع وكلفناهم الكشف على كل مراكز الاقتراع خلال مدة أسبوع ومدى صلاحيتها ووضعها الأمني واللوجستي السليم القابل للتجهيز، على أن تكون أقلام الاقتراع في الطبقات الأرضية لنُساعد ذوي الاحتياجات الخاصة على ممارسة حقهم بالاقتراع من دون مشكلات». هذا المطلب، أي استخدام الطبقات الأرضية من المراكز كأقلام اقتراع، بالإضافة إلى مطلبين يتمثّلان باستحداث أقلام اقتراع في الملاعب والباحات حيث لا يمكن نقل الأقلام إلى الطبقات الأرضية، وتشغيل المصاعد الموجودة في المراكز، هي مطالب الحدّ الأقلّ من الأدنى لضمان وصول الناخبين المعوقين إلى الأقلام، وإتمام عملية الاقتراع باستقلالية وكرامة، وذلك بعد خيبات كثيرة مرّت بها حركة الإعاقة في لبنان مع الحكومات المتعاقبة منذ صدور قانون حقوق الأشخاص المعوقين رقم 220/2000، أي قبل 22 عاماً.

في القانون
تطالب «حملة حقي» منذ انطلاقتها سنة 2005 بإقرار الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين ترشّحاً واقتراعاً وتنفيذها، حيث تقع على عاتق الحكومة مسؤولية تفعيل دور هذه الفئة التي تزيد نسبتها عن 15% من السكان، في الحياة السياسية، وتسهيل مشاركتهم في الانتخابات، وإخراج الأشخاص المعوقين من حالة التهميش التي تسيطر على مشاركتهم، فتتسبّب المعوقات الهندسية، وغياب الوسائل البديلة للمشاركة في الانتخابات، والأفكار المسبقة والنظرة الدونية تجاه الأشخاص المعوقين بعملية التهميش. فالانتخابات النيابية هي حق من حقوق المواطنين جميعاً، بضمانة الدستور اللبناني، والمشاركة كذلك واجب على المواطنين كي يتمكّنوا من إيصال ممثّليهم إلى المؤسسة التشريعية، وكي يتمكّنوا من المطالبة بحقوقهم.
نص القانون رقم 220/2000 في المادة 98 منه، على أنه «تؤخذ بالاعتبار حاجات الأشخاص المعوقين عند تنظيم كافة العمليات الانتخابية من نيابية وبلدية وغيرها، تصدر تلك الإجراءات بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزارة الداخلية بعد استشارة وزارة الشؤون الاجتماعية». بناءً عليه، أقرّ قانون الانتخابات رقم 44/2017، في المادة 96 منه هذا الحق، على أن «تأخذ الوزارة بالاعتبار حاجات الأشخاص المعوقين عند تنظيم العمليات الانتخابية وتسهّل لهم الإجراءات التي تسمح لهم بممارسة حقهم بالاقتراع من دون عقبات. تضع الوزارة دقائق تطبيق هذه المادة بعد استطلاع رأي جمعيات المعوقين».
40% من المراكز الانتخابية تتضمن غرفاً في الطبقات الأرضية والمصاعد متوفرة في 21% منها


وتطبيقاً لهذا الحق كان قد صدر المرسوم رقم 2214/2009 الخاص بالإجراءات والتدابير المتعلقة بتسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الانتخابات النيابية والبلدية، بتاريخ 10 حزيران 2009. وقد تضمّن التسهيلات الهندسية واللوجستية المتوجّب اتباعها لضمان عملية اقتراع دامجة. كما قدّم «اتحاد المقعدين اللبنانيّين» لوزراء الداخلية المتعاقبين خلال السنوات العشر الماضية مقاربات هندسية ونماذج تضمن التطبيق الملائم، وقد تضمّنت هذه الدراسات كلفة التجهيزات والخرائط الهندسية التفصيلية. ومنها، على سبيل المثال، دراسة «التقدّم نحو بيئة دامجة: مقاربة تعتمد على الهندسة المعمارية والموازنة»، و«الدراسة النموذجية لتأهيل خمس مدارس بناءً على المسح الميداني الشامل لمراكز الاقتراع».
لا يخفى أنّ النصوص القانونية المنوّه بها أعلاه نتجت عن نضالٍ مدني طويل منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنّ الوعود التي أُغدقت على الأشخاص المعوقين من قبل رؤساء الوزراء المتعاقبين بالتطبيق الذي يحترم التنوّع ويضمن كرامة واستقلالية هؤلاء الأشخاص، كانت كاذبة.

انتخابات 2022
في «منتدى الانتخابات»، الذي عُقد في وزارة الداخلية في 15 شباط الماضي، ذكرت رئيسة «الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً» سيلفانا اللقيس بأنّ الاتحاد كان قد رفع ثلاثة مقترحات تستهدف ممارسة الشخص المعوق حقّه الانتخابي باستقلالية وكرامة، بدءاً من الميغاسنتر، مروراً بالتسجيل الاستثنائي للناخبين المعوقين في مراكز مجهزة ضمن دوائرهم الانتخابية (وهذان المطلبان لم يتحققا)، وصولاً إلى المقترح الأخير المتعلق باستخدام الطبقات الأرضية في مراكز الاقتراع واستخدام الملاعب كأقلام، وتشغيل المصاعد حيث توجد. وكان الاتحاد قد زوّد الوزارة بالمعلومات اللازمة وبنتيجة دراسة أعدّتها الوحدة الهندسية فيه، هي عبارة عن نسخة محدثة عن المسح الميداني الشامل لمراكز الاقتراع، الذي أجراه سنة 2009، خلصت إلى أنّ ما نسبته 40% من المراكز تتضمن غرفاً في الطبقات الأرضية، وأنّ المصاعد متوفرة في 21 منها، وهي قابلة للاستخدام. أما في الأماكن الأخرى فينبغي استحداث أقلام في الملاعب والباحات.
اليوم، تضخّ حركة الإعاقة أملاً جديداً في الوصول إلى هذا الحدّ الهامشي من حقوقها، على أمل أن تُطبق في انتخابات 2022، فتسهّل عملية اقتراع الأشخاص المعوقين، إلى جانب كبار السن والنساء الحوامل وذوي الإعاقات المؤقتة، وتشكل نموذجاً مستداماً في أي انتخابات مقبلة، فتختفي المشاهد المذلّة لحمل المقترعين المعوقين على الأدراج، التي تكرّرت أثناء كلّ انتخابات عامة في لبنان.